إعلان فلاديمير بوتين عن سحب قواته من سورية جاء يوم بدأت مفاوضات جنيف بين ممثلي النظام السوري والمعارضة. وأيضاً عشية الذكرى الخامسة المؤلمة لبدء الحرب الوحشية التي يخوضها بشار الأسد على شعبه. وبعد تصريحات وليد المعلم أن منصب بشار الأسد كرئيس لسورية خط أحمر، وكأن الرئاسة ملك معلمه.
إن توقيت إعلان القرار الذي كان بوتين قرره منذ فترة ليس مصادفة. فبوتين دخل الى سورية لحماية بشار الأسد وخصوصاً حماية موقع روسيا الوحيد على المتوسط في قاعدة طرطوس وتعزيز وجوده في منطقة كان الاتحاد السوفياتي يهيمن عليها. فهو فعلاً صدق بقوله انه حصل على أهداف دخوله. فقد أظهر للولايات المتحدة وإدارة اوباما الضعيفة ان في إمكان روسيا التدخل العسكري السريع في أماكن مهمة لمصالحها، لذا أصر على القول إن الجيش الروسي سيحتفظ بأحدث أنظمته للدفاع الجوي. وأن لروسيا رأياً في مستقبل هذه المنطقة وفي إمكانها أن تكون رغم مقاطعتها من الغرب صانعة السلام وعلى الغرب ان يعيد لها الاعتبار في اعطائها الرأي الأساسي في ما يخص الانتقال السياسي في سورية. ثم إن بوتين لا يريد إغراق قواته في مستنقع حرب أهلية مكلفة خصوصاً أن اقتصاده متدهور وهو يشعر بأنه حصل على ما يريده. وروسيا لم تدخل لمحاربة «داعش» كونها قصفت بقوة ووحشية قواعد الثوار والمعارضين. فبوتين لا يتحرك بعواطف او مشاعر انسانية. وترك قواته الجوية تقصف وتدمر وتقتل حتى اعتبر انه وصل الى ما يريده في وجه القوى العظمى المتخاذلة مثل الولايات المتحدة وحلفائها. فكما جاء ليحمي بشار الأسد سيكون هو الذي سيقول كلمته في المسار الانتقالي.
إن بوتين يدرك أن مستقبل سورية لن يكون مع الرئيس الذي حماه. فمنذ البداية كان الروس يرددون انهم لا يرتبطون بعلاقة دائمة مع الأسد، ولكن لم يجدوا غيره حتى الآن والمعارضة لم تقنعهم. ولكن قد تكون لدى بوتين فكرته بالنسبة الى التخلص من بشار الأسد. فحرب الأسد على شعبه منذ خمس سنوات أسقطت اكثر من ٣٥٠ الف قتيل ودمرت المدن العريقة من حلب الى إدلب وحمص واللائحة طويلة. وشردت خمسة ملايين سوري وأكثر من ٣٠٠ ألف من أطفال سورية ولدوا لاجئين وفق «اليونيسيف» وأكثر من 8 ملايين طفل هم في حاجة الى مساعدات انسانية. ففي ظل هذه الكارثة الانسانية تستمر الحرب طالما أن الأسد موجود وطالما جماعته مثل المعلم وبشار الجعفري متمسكون بسلطة مسؤولة عن هذه الكارثة. فالحرب بدأت قبل خمس سنوات في سورية بتظاهرات سلمية في درعا رد عليها الأسد وجماعته بقتل الأطفال وتعذيب أهلهم وأخرج من السجون العناصر التي انضمت الى «داعش» الى أن أصبح هذا التنظيم تهديداً له وللعالم. ولكنه استخدم «داعش» ليقول للعالم: إما أنا أو «داعش». وبدأ البعض في الغرب المتخاذل يقتنع بأن الأسد هو الخيار الأفضل لأنه يحمي الأقليات. مع أنه غير قادر على حماية أحد حتى جماعته. إن الانسحاب الروسي قد يكون ايضاً للضغط على الأسد كون بوتين أدرك كارثة قيادته وتعنته وأخطائه وانه غير قادر أن يقاتل إلا بواسطة قوات خارجية مثل الروس و «حزب الله» والايرانيين. والقرار الاساسي في المستقبل لن يكون لا لايران ولا لـ «حزب الله» ولا للأسد بل لروسيا. والسؤال سيكون كيف ستتعامل روسيا مع هذا المستقبل وكيف ستفرض رأيها على الولايات المتحدة وكيف ستتعامل مع المعارضة المعتدلة؟ا
أسئلة عديدة مطروحة في هذه المرحلة وغير مطمئنة لأنه سبق لروسيا ان فرضت وجوهاً سورية معارضة لا تدفع الى التفاؤل. ولكن مستقبل سورية لا يمكن أن يكون مع الأسد حتى لو دفعت روسيا ثمن حمايته وكان ذلك لعودتها بقوة في المعادلة الدولية، وهذا كان أهم أهداف بوتين في وجه إدارة أوباما التي انسحبت من المنطقة واستسلمت أمام روسيا.