لا يزال قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سحبَ أجزاء من القوات الروسية المنتشرة في سوريا، والذي دخلَ حيّز التنفيذ أمس، يستحوذ على الاهتمام والمتابعة، فيما أعلنَت إسرائيل بلسان رئيس هيئة أركان جيشها الجنرال غادي ايزنكوت أنّ الروس لم يحيطوها علماً بهذه الخطوة، فيما طمأنَت إيران إلى أنّ «تقليص وخفض عديد القوات الروسية في سوريا، لن يؤدّي إلى حدوث أيّ تغيير في التعاون الشامل بينها وروسيا وسوريا وسائر الحلفاء كـ«حزب الله». ويتوقّع المراقبون أن تنعكس هذه الخطوة الروسية إيجابيات مِن شأنها أن تدفعَ مفاوضات جنيف إلى الأمام، وقد شكّلَ إعلان المعارضة استعدادَها للتفاوض المباشر مع النظام إحدى هذه الإيجابيات. فيما يلتزم «حزب الله» الصمت حيال موضوع الانسحاب الروسي من سوريا، كشفَ مصدر قيادي بارز في 8 آذار لـ«الجمهورية»: «أنّ الحزب لم يُفاجَأ بقرار الرئيس بوتين، بل هو كان على اطّلاع مسبَق عليه في إطار التنسيق القائم بينه وبين قوات النظام السوري والحلفاء».

وأكد المصدر نفسه أنّ مقاتلي «حزب الله» الموجودين في سوريا لا يزالون هناك، وبالتالي لا انسحاب». وأدرج كلّ المعلومات المتداولة حول «انسحاب» الحزب من سوريا «في إطار الإشاعات التي تُطلقها الأدوات الاستخباراتية، في محاولةٍ لخلق ضغط على بيئة الحزب للانسحاب، بعدما انسحبَت القوات الروسية من سوريا».

وكان الإعلام الحربي التابع للحزب دعا «إلى عدم الانجرار إلى الشائعات التي عَمدت الجماعات المسلّحة إلى ترويجها منذ صدور قرار روسيا بسحب جزء من قواتها في سوريا، مثل «انسحاب جزء من مقاتلي حزب الله» وإعلان «جبهة النصرة» الإرهابية عن تحضير»هجوم كبير على سوريا خلال 48 ساعة».

وأكّد «أنّ كلّ هذه الإشاعات ليست سوى في إطار الحرب النفسية الفاشلة كما جرَت العادة». ونبَّه وسائل الإعلام الى»عدم الوقوع في فخّ الترويج لتلك الأكاذيب والإشاعات»، وشدّد على «أنّ الكلمة الفصل تبقى للميدان السوري الذي يُحرز تقدّماً يوماً بعد يوم في عزلِ الإرهابيين وتخبّط الدول الداعمة لهم».

زاسبكين

وأكّد السفير الروسي ألكسندر زاسبكين وجود تنسيق تامّ بين الجانبين الروسي والسوري، وقال: «نتصرّف من موقع القوة، على أساس أنّ كلّ شيء مضمون عسكرياً، وهناك هدنة تعزّزَت، فلذلك هناك مجال لسحبِ هذه القوات ومكافحة الإرهاب».

وعن تهديد «جبهة النصرة» بشنّ هجوم على سوريا خلال 48 ساعة، قال: «إذا حاولت «جبهة النصرة» أن تهاجم كما قالت، فسيكون هناك أمرٌ محسوم، مع التذكير بأنه تمّ قطع طرق التموين للإرهابيين بنحوٍ ملموس، فلذلك إذا تحرّكوا مجدّداً فهذا سيكون تحت المراقبة الشديدة».

وأكّد أنّ «الخطوة الروسية مدروسة من كلّ النواحي، لأنّ الجانب العسكري يَسمح لنا بتنفيذ المهمّة وفقاً لمكافحة الإرهاب. وفي الوقت نفسه هناك التقليص لحجم المواجهة، لذلك يمكن سحب القوات».

إلى ذلك، التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس وفداً روسيّاً يمثّل شركة الدفاع الروسية، وتطرّقَ معه إلى الحَدث الكبير الحاصل والمتمثّل بقرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سحبَ أجزاء أساسية من القوات الروسية في سوريا، وبعد أن استمعَ بري إلى الوفد بادرَه قائلاً: «رئيسُكم لاعب جيدو بارع».

ولاحقاً قال برّي أمام زوّاره: «نعم إنّ الرئيس بوتين لاعب جيدو بارع، إذ إنّه عندما تدخّلَ عسكرياً في سوريا أحدثَ انقلاباً واضحاً على الأرض، وها هو بقراره بالانسحاب يُحدث انقلاباً آخر لمصلحة الحلّ السياسي في سوريا، وهذه الخطوة الروسية تشكّل ضغطاً على الجميع بمعنى حملِ الأطراف المعنيين على إبداء المرونة في مفاوضات جنيف. علماً أنّ بوتين عندما تدخّلَ منذ اليوم الأوّل في سوريا إنّما تدخّلَ على أساس الرهان على الحلّ السياسي للأزمة السورية».

وأضاف بري إنّه لا يشارك القائلين إنّ لهذه الخطوة الروسية تأثيراً عسكرياً، «ففي رأيي إنّ هذه الخطوة متعلقة بالتأثير السياسي، بدليل أنّ بوتين لم يَطرحها للمساومة، وقد تفرّدَ بالقرار من دون التشاور مع أحد، وبهذه الخطوة يَسحب الذريعة لدى البعض ويَدفع المفاوضات الى الأمام، وكذلك يدفع كلّ طرف من أطراف الأزمة الى تحمّل مسؤولياته وفقَ مقولة «شرّفوا تفضّلوا تقدّموا في الحل»، وهذه الخطوة هي بمثابة كرةٍ رماها بوتين في ملعب الجميع». وأكّد «أنا من القائلين دوماً إنّ روسيا ومنذ أيام بطرس الأكبر لم ولن تتخلّى عن الموقع السوري وعن المياه الدافئة وما زلتُ عند رأيي».

وردّاً على سؤال، قال برّي: «لا تأثيرَ مباشراً لخطوة بوتين على لبنان، لأنّ الحلّ في سوريا لن يتحقّق في يوم أو يومين، ولكن كلّما ترسّخت الهدنة في سوريا، انعكسَت إيجاباً على لبنان بعدم تدفّق مزيد من اللاجئين السوريين إليه، بل إنّ السِلم من شأنه أن يدفع نازحين للعودة إلى بلادهم»

الحريري

وبدوره، أكّد الرئيس سعد الحريري مساء أمس أنَّ «15 آذار يوم مجيد في تاريخ الشعب السوري وعنوان للتمرّد على القهر والاستبداد والإرهاب».
وقال الحريري في سلسلة تغريدات على صفحته الرسمية على موقع «تويتر»، «تحيّة للأشقّاء السوريين الذين يواجهون باللحمِ الحيّ أشرسَ آلات القتل والتهجير والتدمير».

وأضاف: «التاريخ لن يرحم نظاماً ارتكبَ أفظعَ الجرائم بحق شعبه وشرّع أبواب سوريا أمام فلول الإرهاب والضلال». وختم: «لسان حال كلّ السوريين في هذا اليوم: إرفَعوا أيديَكم عن سوريا. توقّفوا عن قتل الشعب السوري. اخرجوا من سوريا وعودوا إلى بلدانكم».

الإجراءات الخليجية

على صعيد آخر، تستمرّ الإجراءات الخليجية في حق «حزب الله»، وبدأت محكمة أمن الدولة في الإمارات العربية المتحدة أمس الاوّل محاكمة 7 أشخاص بينهم إماراتيّان متّهمان بتشكيل خليّة مرتبطة بالحزب.

وذكرَت صحيفتا «الاتّحاد» و»ذي ناشونال» الصادرتان في أبو ظبي أنّ ضابط شرطة إماراتياً متّهماً بنقلِ «معلومات عسكرية سرّية» إلى «حزب الله»، في حين تلاحِق امرأة مصرية تَعمل في شركة نفطية بتهمةِ تزويد «حزب الله» معلومات حول قطاع الطاقة في الإمارات.

وكذلك يحاكَم إماراتي آخر بنقلِ معلومات إلى «حزب الله» عن موظفين في وزارة الداخلية، حسب القرار الاتّهامي الذي تُلِي عند بدء المحاكمة الاثنين في ابو ظبي والتي يحاكَم فيها أيضاً 3 لبنانيين وعراقي. وستُصدر المحكمة حكمَها في 4 نيسان في قضيّة 3 لبنانيين آخرين ملاحَقين بتهمة «تشكيل مجموعة مرتبطة بحزب الله».

من جهتها، شرعت السلطات الأمنية السعودية باتخاذ إجراءات تنفيذية لملاحقة كل من يشتبه بصلتهم بـ«حزب الله» سواء كان ذلك عبر التأييد أو التعاطف أو الدعم أو التبرع وخلاف ذلك. وأعلنت أنه أصبح كل ما ينطبق على تنظيم «داعش» أو غيره من التنظيمات المدرجة على قائمة الإرهاب، ينطبق على «حزب الله»، بما في ذلك تلقي بلاغات المواطنين على الرقم المعروف 990.

الحوار الثنائي

مِن جهة ثانية تنعقد اليوم جولة جديدة من الحوار بين حزب الله وتيار «المستقبل» في عين التينة، وعشيّة هذه الجولة التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري وزيرَ الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الذي يمثّل «المستقبل» في هذا الحوار، إلى جانب النائب سمير الجسر والسيّد نادر الحريري مدير مكتب الرئيس سعد الحريري.

وأكّد بري أمام زوّاره «أنّ الأجواء بين الطرفين المتحاورين أفضل ممّا كانت عليه في الفترة الأخيرة». وعن موضوع تفعيل عمل مجلس النواب الذي سيبدأ عَقده التشريعي الاوّل في 22 الجاري، قال بري: «في ما يتعلق بموضوع مجلس النواب، فإنّه سيُطرح في أوّل جلسة لطاولة الحوار في 30 من الشهر الجاري، وقبل ذلك لا يوجد شيء».

فضيحة شبكات الإنترنت

في سياق آخر، تفاعلَت فضيحة شبكات الإنترنت غير الشرعية في لبنان، وكشفَت أوساط متابعة لـ»الجمهورية» أنّه «تبيّنَ في المحطات التي اكتُشِفت، وجودُ لواقط وتجهيزات ضخمة جداً موضوعة على أعمدة ومنصّات وأبراج مرتفعة، وفي أماكن نائية لا ينفذ إليها البشر»، وتحدّثت عن وجود استغراب لدى وزارة الاتصالات «في شأن طريقة وصولها إلى هذه الأمكنة من دون أن تكون منقولة على البغال أو الدواب، إذ لا يمكن الوصول إليها بطريقة أخرى».

وأشارت الأوساط إلى أنّ «هذه اللواقط مجهّزة لشحنها بالكهرباء بوسائل متطوّرة وحديثة على الطاقة الشمسية، نظراً لوجودها في أماكن غير مأهولة لا تصِل الكهرباء إليها، ومن هذه الأماكن: جرود الضنّية، فقرا، عيون السيمان».

ونبّهَت الأوساط إلى أنّه «خلافاً لِما يروّجه البعض، عبر الاستخفاف بهذه الفضيحة واعتبارها أمراً بسيطاً من أجل تخفيف العقوبات على المرتكبين، أقلُّ ما يمكن قوله هو إنّها تُعرّض أمنَ لبنان القومي للمخاطر، إضافةً إلى تعريضها الماليّة العمومية للسَرقة».

وكشفَت أنّ «العملية تتمّ تحت إشارة القضاء بإشراف القاضي علي ابراهيم، وقد أحال شخصين إلى التحقيق حتى الآن»، وأكّدت أنّ «وزير الاتصالات بطرس حرب سيكشف تفاصيل متعلّقة بهذا الملف في مؤتمرٍ صحافيّ يَعقده عند الساعة الحادية عشرة قبل ظهر اليوم ».

وكان تكتّل «الإصلاح والتغيير» أكّد أنّ «الاكتشافات تدلّ إلى أنّنا أمام جريمة وفضيحة موصوفة بكلّ المعايير، خصوصاً أنّ ثمّة مقارَّ رسمية كالقصر الجمهوري ومجلس النواب والجيش اللبناني ومؤسسات ماليّة ومصرفية تَستخدم هذه الشبكة غير الشرعية والمعرّضة للاعتراض والتنصّت من قبَل العدوّ الإسرائيلي وأجهزة استخبارات أخرى على ما وَرد في الشكاوى».

خليل

وعلمت «الجمهورية» أنّ وزير المال علي حسن خليل تقدّمَ بشكوى إلى المدّعي العام المالي علي ابراهيم ضدّ كلّ مَن يُظهره التحقيق متورّطاً في سرقة أموال الدولة وحقوقها، وهدرِ المال العام عبر التعدّي على شبكات الإنترنت وبيعها للشركات والمؤسسات والمواطنين بطريقة غير شرعية.

وكان خليل قال أمس في ذكرى انطلاقة حركة «أمل» أن «ليس مطلوباً منّا أن نكون ضد العرب، نحن أبناء العروبة الأصلية تماماً، كما ليس مطلوباً منّا أن نكون ضد الدول التي ساعدت المقاومة ووقفَت معها ودافعَت عن المقاومة في لبنان».

وأضاف: «عندما طرَحنا شعار الثلاثية لم نكن نطرحه شعاراً لمرحلة، بل لأنّنا نؤمِن به واليوم نستعيده لأنّ فيه قوة لبنان، شعار تضامن وتعاضُد الجيش والشعب والمقاومة مع بعضهم البعض». وأضاف: «نحن لا نقبل نأياً بالنفس ولا الوقوف ضد المقاومة، بل المطلوب إرادة ودراسة ووعي والتزام بطبيعة المعركة مع العدوّ الإسرائيلي».

وفي ردّ غير مباشر على رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون شدّد خليل على أنّه «لا يمكن أن نتجاوز قواعد الدستور ونخلقَ قواعد لخدمة لحظتنا السياسية أو مصلحتنا السياسية»، و«لا يمكن أن نشكّك بشرعية المجلس النيابي ودستوريته عندما يكون مخالفاً لمصلحتنا السياسية أو مصلحة انتخابه، ونقبل بدور هذا المجلس عندما يحقّق مصلحتنا أو يوصلنا إلى الموقع الذي نريد». وقال: «إمّا أن نكون مع شرعية المجلس ودستوريته أو لا نكون».

خطّة النفايات

وفي ملف النفايات، لم تطبّق الخطة التي التي أقرّها مجلس الوزراء أخيراً حتى اليوم، في وقتٍ أكد رئيس الحكومة تمّام سلام المضيّ قدُماً في تطبيقها، ورأى أنّ قضية النفايات «هي تركة عمرُها عشرون عاماً، كان يجب أن يكون هناك حلّ جذري لها، لكنّ الإهمال والتعثّر والتأخّر أدّت إلى تراكمِ الأمور فوصَلت الى ما هي عليه».

وأوضَح أنّ «الحل الذي اعتُمد اليوم ليس مثالياً، ولكن هذا هو الموجود، وسنَعمل بكلّ ما لدينا من إمكانات لتنفيذه (...) ولن نستسلم، بل سنمضي في اعتماد الافضل والأحسن، ولكن لن نتوقف امام السلبيات التي تقول «لا للمطامر لا للترحيل لا للمحارق لا لكلّ شيء».

فقط لنُسمع صوتَنا ونقُل نحن هنا اسمعونا. نحن لن نتوقّف عند ذلك، وكلّ من يريد أن يعلي الصوت ومن يريد أن يُظهر بعض الغوغائية هنا وهناك أو القيام بممارسات تعوق كلّ الحلول لن نوقفَه، فهذه حرّيته يمارسها كاملةً، ولكن أنا على ثقة بأنّ 99 في المئة من اللبنانيين صابرون معي في تحمّل المسؤولية وأنا سأستمرّ في هذه المسؤولية».

الساعة الصفر

وفي وقتٍ أعلنَ وزير البيئة محمد المشنوق أنّه «سيتمّ البدء برفع النفايات خلال الثماني والأربعين ساعة المقبلة لأنّ البلد لم يعُد يتحمّل»، لفتَ وزير الزراعة أكرم شهيّب إلى «أنّ الانطلاقة تحتاج لبعض الوقت وقد تكون أياماً قليلة».

لكنّ مرجعاً أمنياً أكّد لـ«الجمهورية» أنّه لم يتبلّغ حتى هذه اللحظة عن أيّ خطوات عملية تحدّد الساعة الصفر لانطلاق عملية الجمع من المكبّات المنتشرة عشوائياً وفي المناطق التي تشكّل خطراً كبيراً على البيئة والصحّة العامة وبعض المرافق الحيوية.

وقال المرجع إنّ القوى الأمنية جاهزة للقيام بالمهمّات التي كُلّفت بها في الاجتماع الأمني ـ الوزاري والقضائي، فقوى الأمن الداخلي ستواكب أعمالَ نقلِ النفايات، والجيشُ اللبناني سيكون القوّة التي ستتدخّل فور الطلب إليها وعند الحاجة.

بقرادونيان

وكان سلام عرضَ لتنفيذ خطة النفايات مع الأمين العام لحزب «الطاشناق» النائب آغوب بقرادونيان، بحضور شهيّب ورئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر.

وأوضَح بقرادونيان أنّ «الأولوية بالنسبة إلينا هي إزالة جبل النفايات في برج حمّود»، مشيراً إلى «أنّنا أعطينا لأنفسنا مهلةً حتى مساء غدٍ (اليوم) حيث ستعقد اللجنة المركزية لحزب «الطاشناق» اجتماعاً، ويمكن أن أقول إنّ الأجواء إيجابية، لكنّ القرار النهائي يعود للحزب».