قرار الرئيس الروسي المفاجئ بالانسحاب الجزئي العسكري من سوريا رسم مساراً سياسياً جديداً للازمة، وبات الحل سياسياً وليس عسكرياً بتوافق وبرعاية اميركية - روسية، خصوصاً ان القرار الروسي جاء التزامن مع اول يوم من انطلاق المفاوضات بين الحكومة والمعارضة في جنيف، وهذا ما يؤكد بأن القرار الروسي تم بالتوافق مع واشنطن على خارطة حلّ سياسي وورقة سياسية موحدة تبدأ بحكومة انتقالية ثم وضع دستور جديد للبلاد وبعدها انتخابات نيابية وبعد سنة ونصف تجري انتخابات رئاسية باشراف الامم المتحدة.
هذا التوافق عبّر عنه المشاركون في المباحثات في جنيف حيث وصف رئيس الفريق السوري الدكتور بشار الجعفري المفاوضات بالبناءة والممتازة، فيما أعلنت المعارضة وللمرة الاولى قبولها بالمفاوضات المباشرة مع الوفد الحكومي وهذا تطور لافت في مسار الازمة السورية.
الهدنة في سوريا صامدة في الجبهات التي اعلنت قبول المفاوضات، اما الحرب على «داعش» و«النصرة» ستستمر وستخوض قوات الجيش السوري مع قوى المعارضة والجيش الحر عملية عسكرية مشتركة ضد «داعش» و«النصرة» في مناطق سيطرتهم وتحديداً في الرقة ودير الزور والحسكة، وبغطاء من طيران التحالف الدولي، وهذا الامر اشار اليه وزير الخارجية الروسي لافروف بالقول «ان الطائرات الاميركية قد تشارك مع الطائرات الروسية بتحرير الرقة، علماً ان الجيش السوري وبغطاء من الطائرات الروسية شنّ هجوماً على مواقع المعارضة في تدمر، وسيطر الجيش بعد قصف روسي على آبار النفط المتواجدة في محيط المدينة كما يستعد الجيش للهجوم على «القريتين» أكبر معقل لـ«داعش» في ريف حمص بمشاركة الطيران الروسي وهذا ما يؤكد ان البداية قد رسمت لحل الازمة السورية في الذكرى الخامسة لانطلاقتها في درعا في 15 آذار 2011 حيث انطلقت التظاهرات، وتشعبت الامور وجرت حرب طاحنة شاركت فيها كل الدول الكبرى فيما تجمّع الارهابيون من كل دول العالم في سوريا.
الخطوة الروسية تثير الكثير من التساؤلات والتحليلات حول حدودها في ظل اعلان نائب وزير الدفاع الروسي عن بقاء المنظومات الدفاعية الجوية الروسية وابرزها صواريخ أس - 400 في قاعدة «حميميم» مع ألف جندي روسي، وربما هذا الامر هو بمثابة رسالة قوية الى الارهابيين، فيما الاتصالات الروسية مع تنظيمات مسلحة بدأت مع اعلان الهدنة وتجري المصالحات في قاعدة حميميم وباشراف ضباط روس يتولون الاشراف على «المسلحين» الذين تركوا تنظيماتهم المسلحة، وكذلك استيعاب المسلحين الذين «انشقوا» عن «داعش» في الرقة وعددهم 400 عنصر، وهذا ما يؤكد الاصرار الروسي على المسار السياسي مع المعارضة وبرعاية أميركية.
وليلا اعلنت بثينة شعبان مستشارة الرئيس السوري بشار الأسد الى محطة CNN الاميركية ان الخطوات الروسية هي الخطوات الصحيحة نحو التسوية السياسية في سوريا.

ـ كيري الى موسكو ـ

وفي هذا الاطار، قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري، امس، ان العالم امامه فرصة قد تكون الافضل لانهاء الحرب الاهلية السورية الدائرة منذ 5 سنوات، نظراً للانسحاب الروسي المزمع واستئناف محادثات السلام في جنيف.
وقال «كيري» للصحفيين انه يخطط للسفر الاسبوع المقبل الى روسيا للاجتماع مع الرئيس فلاديمير بوتين، لبحث الأزمة السورية.
يذكر ان البيت الأبيض قال في وقت سابق من امس، ان الولايات المتحدة تراقب انسحاب روسيا من سوريا لكن من السابق لأوانه تحديد تأثير هذا التحرك على الحرب الاهلية او على المنطقة بشكل أعم.
ووصفت مصادر موثوقة بأن الخطوة التي قام بها الروس ستظهر انعكاساتها على المدى الطويل وليست نتائجها انية وقد اشارت هذه المصادر الى ان الرئيس الروسي كان قد ابلغ نظيره الاميركي والسوري والمسؤولين الايرانيين مسبقا بقيامه بسحب جزئي لقواته من سوريا. وتجدر الاشارة الى ان الطيارين الروس الذي عادوا الى موسكو استقبلوا بحفاوة وقد لاقوا تقديراً من المواطنين الروس ومن رؤسائهم العسكريين.
الى ذلك، عادت بعض الطائرات الحربية الروسية إلى قاعدة جنوب موسكو بموجب قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، انما في الوقت ذاته تستمر الطائرات الروسية بتنفيذ غارات في عدة مناطق سورية حيث اكد نائب وزير الدفاع، نيكولاي بانكوف إن القوات الجوية الروسية ستبقى في سوريا قائلا «حققنا بعض النتائج الإيجابية، ولكن من السابق لأوانه الحديث عن انتصار على الإرهاب. وستبقى قوات جوية روسية في سوريا لمواصلة الغارات على منشآت الإرهابيين». وقد وصلت بعض هذه الطائرات من قاعدة حميميم في ريف محافظة اللاذقية بشمال غرب سوريا علما ان بعض الطائرات ستظل في تلك القاعدة حيث أن روسيا كانت قد أبرمت عقدا مع النظام السوري تستأجر بمقتضاه القاعدة لمدة 25 عاما، كما ينص الاتفاق على إعفاء العسكريين الروس من أي ملاحقات قضائية داخل سوريا. اضف على ذلك، ستُبقي روسيا أيضا على منظومة الصواريخ «إس 400» حتى تتأكّد من تطوّر الأوضاع في سوريا، حسب ما قاله رئيس لجنة الدفاع والأمن بالمجلس الفدرالي الروسي الى جانب بقاء المستشارين العسكريين الروس سيستمرون في عملهم من أجل تقديم الدعم لكوادر الجيش السوري، فيما يتعلق بالتدريب والمساعدة.
وفي السياق ذاته، نفى الكرملين أن يكون قرار سحب القوات الروسية الأساسية من سوريا يستهدف ممارسة الضغط على الرئيس السوري بشار الأسد، مؤكدا أن الرئيس الروسي لم يناقش هذا القرار مع نظرائه الدوليين.
بموازة ذلك، تتواصل محادثات السلام في جنيف بين الحكومة السورية والمعارضة، من أجل التوصل إلى حل للنزاع الدموي في سوريا اذ رحب مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، ستيفان دي مستورا، بالقرار الروسي واصفا اياه بأنه «تطور مهم» معتبرا ان ذلك سيساعد العملية السلمية بسوريا وسيساهم في الانتقال السياسي.
وفي نطاق المفاوضات، اشار وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف إن روسيا ترى استعدادا من جانب الولايات المتحدة للتأثير على المعارضة السورية في محادثات جنيف، للمشاركة في المفاوضات، وضمان تماسك وقف هش لإطلاق النار في سوريا.
من جهته، اعلن المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات سالم المسلط ، إن المعارضة ليست ضد «المحادثات المباشرة مع الحكومة السورية» وامل بأن يدفع أصدقاء سوريا باتجاه إنجاح محادثات جنيف مشددا على رفض بقاء الأسد، قائلا: «نحمل معنا قرار الشعب السوري الرافض لبقاء الأسد في المستقبل».
عن إعلان روسيا انسحاب قواتها جزئياً من سوريا تمنى المسلط أن نرى إيجابية تلك الخطوة بتطبيقها على الأرض» غير انه اعتبر أنه لا يمكن التنجيم بما يحمله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في عقله متابعا: «نتمنى أن تكون العلاقة جيدة مع الشعب الروسي ونأمل بتصحيح الخطأ الفادح الذي ارتكبته روسيا في سوريا». وكانت المعارضة السورية قد اعتبرت ان الخطوة التي اتخذها الرئيس بوتين يمكن ان تمهد لطريق نهاية للحرب التي بدأت قبل اكثر من خمس سنوات.
وفي سياق متصل، اكد المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات التي تمثل المعارضة السورية في محادثات جنيف ان وفد المعارضة السورية في جنيف والمعارضة بمختلف أطيافها يؤكدون على وحدة التراب السوري.


الى ذلك، ستتوجه اليوم قافلة مساعدات منفصلة الى بلدة بلودان في ريف دمشق كما ستحاول قوافل مساعدات انسانية غدا ايصال إمدادات ضرورية للحياة إلى بلدات سورية محاصرة بحسب المتحدث باسم الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ينس لايركه. ويذكر ان القوافل لم تتمكن من ايصال المساعدات الإنسانية إلى بلدات الزبداني والفوعة وكفريا ومضايا السورية المحاصرة، يوم الاثنين الماضي بسبب «مخاوف أمنية».

 

ـ العسيري:سنحارب داعش في سوريا ـ

اعلن مستشار وزير الدفاع السعودي، أحمد العسيري امس أن القوات البرية السعودية ستحارب تنظيم «داعش» في سوريا غير انه لم يربط ارسال القوات السعودية بالانسحاب الجزئي الروسي قائلا: «لا علاقة لذلك بالانسحاب الروسي... نحن ذكرنا أن القوات التي تذهب إلى سوريا، ومنها التحالف الدولي، هي لمحاربة داعش». و اشار الى أن موعد إرسال أي قوات برية إلى سوريا، في إطار التحالف الدولي، لم يحدد بعد، مؤكدا على أن الجانب الأميركي هو من يتولى قيادة هذا التحالف، وهو الذي يحدد الموعد.

ـ فرنسا ترحب بالقرار الروسي بحذر ـ

رحبت الخارجية الفرنسية، بحذر، بقرار روسيا سحب قواتها من سوريا حيث قال المتحدث باسم الوزارة رومان نادال : «أخذنا بعين الاعتبار ما أعلن عنه الرئيس بوتين. وإذا تلته أفعال فسيكون ذلك تطورا إيجابيا. وكل ما يسهم في التخفيف من حدة التوتر في سوريا يجب تشجيعه».
وأوضح أن ذلك يعني ضرورة أن «تسكت الأسلحة كي تبدأ مفاوضات حقيقية حول الانتقال في سوريا».
بدوره، قال رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا سيرجيو باولو بينيرو أن خطوة موسكو «تشير بوضوح إلى أن بوتين ملتزم بضرورة دعم المفاوضات».


ايران:الانسحاب الجزئي الروسي ايجابي


دعا وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الى اعتبار خطوة روسيا ببدء الانسحاب من سوريا، إشارة إيجابية لوقف إطلاق النار قائلا:«أنهم لا يرون حاجة وشيكة للجوء إلى القوة في الحفاظ على وقف إطلاق النار».

ـ حزب الله ينفي انسحابه من سوريا ـ

دعا الاعلام الحربي التابع لحزب الله الى عدم الانجرار الى الشائعات التي عمدت الجماعات المسلحة لترويجها منذ صدور قرار روسيا بالانسحاب الجزئي من سوريا مثل «انسحاب جزء من مقاتلي حزب الله» واعلان «جبهة النصرة» الارهابية بتحضير «هجوم كبير على سوريا خلال 48 ساعة». وقال الاعلام الحربي لحزب الله انه تبقى الكلمة الفصل للميدان السوري الذي يحرز تقدما يوما بعد يوم في عزل الارهابيين وتخبط الدول الداعمة لهم.

ـ انجازات التدخل الروسي في سوريا ـ

قال نائب وزير الدفاع الروسي نيكولاي بانكوف أن العمل القتالي للطيارين الروس وأفراد وحدات الإمداد والتموين الروسية سمح بإحباط خطط الإرهابيين لتوسيع نفوذهم في مناطق جديدة، بما في ذلك في سوريا. وذكر بأن نتائج عمل الطيارين الروس نالت تقديرا عاليا من جانب القائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس فلاديمير بوتين ووزير الدفاع سيرغي شويغو.
وتابع بانكوف أن الغارات الروسية ساهمت أيضا في تكثيف عمليات الجيش السوري وتمكينه من تحرير ما يربو على 200 بلدة سورية من ايدي الإرهابيين.
الى ذلك، أفاد المركز الروسي للمصالحة في سوريا في بيان برصد 15 خرقا لوقف القتال في البلاد امس