مع بدء هبوط طلائع مقاتلات «السوخوي» في روسيا أمس عائدة من قاعدة «حميميم» السورية، ارتفع منسوب التفاؤل بأن يؤدي الانسحاب الروسي إلى اقلاع قطار الحل السياسي للأزمة السورية، وفيما بادر وفد المعارضة المفاوض إلى اقتراح حكومة انتقالية، طالباً من ممثلي النظام توضيح رؤيتهم في هذا الشأن، باشرت واشنطن تحركاً ديبلوماسياً تنسقه مع موسكو التي يزورها وزير الخارجية الأميركي جون كيري الأسبوع المقبل للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حاملاً معه تفاؤلاً بوجود فرصة كبيرة هي الأولى منذ سنوات لإنهاء الحرب التي أنهكت الشعب السوري بمئات آلاف القتلى، ودول الجوار وصولاً إلى أوروبا بالملايين من اللاجئين.

والتفاؤل بإمكان التوصل إلى حل سياسي أشارت إليه طهران أيضاً، التي اعتبر وزير خارجيتها محمد جواد ظريف أنه ينبغي النظر إلى خطوة روسيا ببدء الانسحاب من سوريا كإشارة إيجابية، وكان مجلس الأمن الدولي رحب كذلك بقرار موسكو هذا.

وقال المتحدث باسم وفد المعارضة المفاوض في جنيف سالم المسلط للصحافيين، إن سحب القوات الروسية يمكن أن يساعد في وضع نهاية لدكتاتورية بشار الأسد وجرائمه، معتبراً أن ما أبقى الأسد في السلطة هو وجود القوات الروسية.

وأعلن المسلط أن المطلب الرئيسي للهيئة العليا للمفاوضات عندما تبدأ أول محادثات رسمية مع مبعوث الأمم المتحدة الخاص ستيفان دي ميستورا، سيكون تشكيل حكومة مؤقتة من دون وجود بشار الأسد، في إطار خريطة طريق ترعاها الأمم المتحدة. وقال «حرصنا أن تبدأ هذه المفاوضات اليوم (أمس).. بمناقشة هيئة الحكم الانتقالي.. هيئة الحكم الانتقالي هي ضمانة لكل السوريين بدلاً من أن تكون حكومة وحدة وطنية«. وأضاف «حكومة وحدة وطنية هي كالحكومة الحالية عبارة عن وزارات، لكن من يملك توجيههم وتعيينهم هو رأس النظام. هذا غير مقبول لدى السوريين». ونقلت وكالة إعلام روسية عن المسلط قوله «لسنا ضد بدء محادثات مباشرة« مع النظام.

وغرّد المعارض السوري برهان غليون على حسابه الرسمي في «تويتر«، معلناً نهاية الحرب السورية، «انتهت الحرب السورية»، مستبقاً بذلك المفاوضات. وجاءت التغريدة بعد قرار الانسحاب الروسي من سوريا والبدء فعلاً بعملية الانسحاب. ولاقت التغريدة استغراباً في المجتمع السوري المعارض وعبّر العديد من النشطاء عن استغرابهم من هكذا تغريدة تعطي آمالاً كبيرة للسوريين قبل حتى أن تظهر وتتضح الصورة بالكامل.

وأعلن البيت الابيض أن روسيا تنفذ على ما يبدو قرارها سحب قواتها من سوريا، إلا أنه من المبكر جداً تحديد تأثيرات هذا القرار.

وصرح المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ارنست أن «المؤشرات الأولية تدل على أن روسيا تنفذ قرارها» بالانسحاب، مع وصول طلائع المقاتلات الروسية التي كانت منتشرة في سوريا الى روسيا. 

وقال إن البنتاغون تحدث عن مشاهدة «عدد من المقاتلات الروسية تغادر سوريا وتعود الى روسيا« لكن ذلك لا يصل الى درجة سحب «أعداد كبيرة من القوات الروسية». 

وتوخى المسؤولون الأميركيون الحذر في تقويمهم لقرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المفاجئ. وقال ارنست إن «روسيا لم تقدم إشعاراً مباشراً مسبقاً« لإعلانها برغم أنه كان من المقرر إجراء محادثة هاتفية مع بوتين. 

وحذر البيت الأبيض من أنه «لا يزال من المبكر جداً في هذه المرحلة تحديد تأثير ذلك القرار على الوضع بشكل أوسع». 

وأشار ارنست الى توتر في دعم روسيا لإنهاء النزاع عن طريق التفاوض ودعمها العسكري للأسد. وأكد أنه «من المبكر للغاية تقويم تأثير ذلك (الانسحاب الروسي) على موقف الحكومة السورية التفاوضي» في محادثات السلام. 

ومن المقرر أن يتوجه وزير الخارجية الأميركي إلى روسيا الأسبوع المقبل كي يستغل ما وصفها بأنها ربما تكون أفضل فرصة منذ أعوام لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا. وقال كيري للصحافيين إنه سيجتمع مع بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف. 

وقال كيري إن وقف الاقتتال متماسك إلى حد بعيد مع استئناف محادثات السلام في جنيف هذا الأسبوع. وأضاف: «اليوم بينما نشهد الذكرى الخامسة لبدء هذه الحرب المروعة.. ربما نحن بصدد أفضل فرصة لاحت لنا خلال أعوام لإنهائها». وأضاف كيري «مع تماسك اتفاق وقف الاقتتال إلى حد بعيد، وإعلان روسيا أنها ستسحب نصف قواتها فوراً بل ربما أكثر من ذلك من سوريا.. ومع انعقاد المفاوضات السياسية هذا الأسبوع في جنيف.. نكون قد وصلنا إلى مرحلة مهمة للغاية في هذه العملية».

وبشأن المفاوضات أيضاً، قال وزير الخارجية الروسي إن موسكو ترى استعداداً من جانب الولايات المتحدة للتأثير على المعارضة السورية في محادثات جنيف للمشاركة لضمان تماسك وقف هش لإطلاق النار في سوريا.

وكان مجلس الأمن الدولي اعتبر ليل الاثنين ـ الثلاثاء الإعلان الروسي عن انسحاب عسكري من سوريا أمراً إيجابياً. وقال الرئيس الحالي للمجلس السفير الأنغولي إسماعيل غاسبار مارتينز: «أخذنا علماً بقرار روسيا بدء سحب جزء من قواتها (...) هذا شيء جيد»، مضيفاً «نعتقد جميعاً أن هذا أمر إيجابي». وأوضح في ختام مشاورات مغلقة حول سوريا في المجلس، أن هذه المبادرة «أصبحت ممكنة بسبب التعاون الجيد بين الولايات المتحدة وروسيا».

وفي كانبيرا، اعتبر وزير الخارجية الإيراني أمس أنه ينبغي النظر إلى خطوة روسيا ببدء الانسحاب من سوريا، كإشارة إيجابية لوقف إطلاق النار.

وبعد لقائه نظيرته الأسترالية جولي بيشوب، قال ظريف إن «حقيقة صمود شبه هدنة في سوريا موضع ترحيب، هذا شيء كنا نطالب به منذ ما لا يقل عن عامين ونصف العام أو ثلاثة أعوام». وأضاف أن «حقيقة أن روسيا أعلنت بدء سحب جزء من قواتها يشير إلى أنهم لا يرون حاجة وشيكة للجوء إلى القوة في الحفاظ على وقف إطلاق النار».

وتابع «هذا في حد ذاته يجب أن يكون إشارة إيجابية. الآن علينا أن ننتظر ونرى».

وأعلنت الأمم المتحدة في جنيف أنها تسلمت من وفد المعارضة السورية وثيقة تتضمن رؤيتها لمرحلة الانتقال السياسي، غداة تلقيها تصوراً مماثلاً من الوفد الحكومي حول سبل حل النزاع الذي دخل اليوم عامه السادس.

وقال الموفد الدولي الخاص الى سوريا ستيفان دي ميستورا إثر انتهاء اجتماعه الرسمي الأول مع الوفد السوري المعارض في مقر الأمم المتحدة في جنيف «تسلمت ورقة من الجانب الحكومي (...) وكذلك من المعارضة»، مضيفاً «سنقوم بتحليلهما ونرى ماذا يمكن أن نفعل بهما».

واستهل دي ميستورا الاجتماع بالوقوف دقيقة صمت على أرواح الضحايا الذين قتلوا خلال النزاع في الذكرى الخامسة لاندلاعه، معتبراً أنه كان يجب «الوقوف 300 ألف دقيقة صمت»، في إشارة الى عدد القتلى الذين تقدر الأمم المتحدة أنهم سقطوا في سوريا خلال الحرب.

وقال عضو الوفد السوري المفاوض جورج صبرة بعد لقاء دي ميستورا، «سلمناه وثيقة ترسم الخطوط العامة والأهداف العامة للمفاوضات التي يمكن أن تحقق الانتقال السياسي». وأضاف «أكدنا على موقفنا من ضرورة تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، أي تنفيذ القاعدة الأساسية التي بنيت عليها عملية الانتقال السياسي في بيان جنيف 2012». 

وكان كبير مفاوضي الوفد الحكومي بشار الجعفري أعلن الاثنين بعد اجتماع مع دي ميستورا أنه قدم الى الموفد الدولي «أفكاراً وآراء بعنوان «عناصر أساسية للحل السياسي«« في سوريا.

وتطرق النقاش بين دي ميستورا والوفد المعارض الى ملفات عدة بينها وفق صبرة خروقات النظام السوري لاتفاق وقف الأعمال القتالية القائم منذ 27 شباط الماضي، وضرورة «عدم استثناء أي منطقة من المساعدات، خصوصاً مدينة داريا» المحاصرة من قوات النظام في ريف دمشق. وقال صبرة إن البحث تناول أيضاً «قضية المعتقلين وهم بعشرات الآلاف... ونعرف أنه ملف صعب لكن له أولوية كبيرة».

وقالت المعارضة السورية بسمة قضماني إن 50 معتقلاً يتم إعدامهم يومياً في سوريا.

وأقر دي ميستورا بأن مجموعة العمل الإنسانية حول سوريا لم تتمكن «من تحقيق تقدم في قضية المعتقلين».

وأعلنت المعارضة استعدادها للدخول في مفاوضات مباشرة مع النظام عبر وساطة دي ميستورا إذا حققت المفاوضات تقدماً. وأشار دي ميستورا الى معلومات عن «رغبة بعض المشاركين باللقاء» وأنه «لن يمنعهم»، لكنه قال إنه يفضل الانتظار حتى تحين «اللحظة المناسبة لهذه المفاوضات المباشرة».

وقال محققو الأمم المتحدة في قضايا حقوق الإنسان بسوريا إنه ينبغي محاكمة الجناة منفذي الأوامر أمام سلطات أجنبية حتى يمكن تقديم الشخصيات السياسية والعسكرية الكبيرة أمام العدالة الدولية.

ووضعت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة والتي وثقت انتهاكات كل الأطراف قائمة سرية بالمشتبه بهم ولديها قاعدة بيانات بها خمسة آلاف مقابلة. وبدأت تقديم مساعدة قضائية للسلطات في الخارج في بعض القضايا.

وقال باولو بينيرو رئيس لجنة التحقيق بشأن سوريا لمجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الدولية «يجب ألا ينتظر اتخاذ الإجراءات التي تمهد الطريق للمحاسبة حتى التوصل إلى اتفاقية سلام نهائية ولا يحتاج إلى ذلك«.

وقالت كارلا ديل بونتي وهي محققة سابقة في جرائم الحرب بالأمم المتحدة وعضو في الفريق للصحافيين إنها تلقت 15 طلباً للحصول على معلومات من دول عدة. وتضمنت القضايا أسماء جناة من منفذي الأوامر أو المقاتلين الأجانب. وتابعت «إنها بداية صوب العدالة الدولية«.

وأوضح مايكل راتني المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا «الولايات المتحدة تدين بوضوح لا لبس فيه الأعمال الوحشية التي ارتكبتها كل الأطراف، لكن يجب ألا ننسى أن الشعب السوري سيتذكر دائماً أن الأسد وحلفاءه كانوا منذ البداية وحتى الآن المصدر الرئيسي للقتل والتعذيب والحرمان في هذه الحرب«. وأضاف أن نشطاء ومحققي الأمم المتحدة المستقلين «يضعون الأساس لمحاسبة مرتكبي الجرائم في المستقبل، وقال «هذه ليست مسألة لو بل مسألة متى».

وأمس نظم استقبال حاشد في روسيا لطلائع الطيارين والطائرات الروسية العائدة من سوريا. وتجمع أهالي الطيارين وعدد من المسؤولين لاستقبالهم في قاعدة جوية جنوب غرب البلاد، وذلك بعد إعلان سحب الجزء الأكبر من الوحدات العسكرية التي أرسلتها موسكو الى سوريا.

وعادت مجموعة أولى من قاذفات «سو 34» وطائرات النقل «تو 154» وعلى متنها فنيون ومعدات عسكرية من قاعدة حميميم الجوية في شمال غرب سوريا، الى روسيا.

وحضر الاستقبال أيضاً ضباط كبار في الجيش الروسي، بينهم قائد القوات الجوية فيكتور بونداريف، الذي قال «خلال العملية في سوريا، لم يكن هناك أي قصف لم يصب هدفه. نشكركم كثيراً على ذلك»، مشدداً على أن «الإرهاب الدولي تكبد خسائر كبيرة».

وفي سياق آخر، قصفت مروحيات روسية مواقع لتنظيم «داعش» في محيط مدينة تدمر في وسط سوريا غداة إعلان موسكو سحب الجزء الأكبر من قواتها من البلاد، وفق ما أفاد المرصد السوري.

وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن «تقصف مروحيات روسية ومقاتلات يرجح أنها روسية مواقع تنظيم «داعش» في محيط تدمر» في ريف حمص الشرقي، مشيراً الى أن قوات النظام السوري حققت تقدماً لتصبح على بعد أربعة كيلومترات من المدينة الأثرية. وقال مصدر ميداني سوري إن «الجيش السوري سيطر على تلة(...) غرب تدمر في ريف حمص الشرقي إثر اشتباكات عنيفة مع مسلحي تنظيم داعش وتحت غطاء الطائرات المروحية والحربية للقوات الروسية»