أنهت الحرب السورية أمس عامها الخامس من غير أن تظهر بارقة أمل حقيقية في أمكان التوصل الى حل قريب للصراع الذي أسفر عن مقتل أكثر من 270 ألفاً وشرد ملايين السوريين في الداخل والخارج. ولا تزال الهدنة الهشة التي فرضها اتفاق اميركي - روسي الشهر الماضي، هي بصيص النور الوحيد فيما لا تزال المحادثات الجارية في جنيف في مراحلها الاستكشافية ولم تتطرق بعد الى جوهر المسائل الخلافية.
وأمس، عادت الدفعة الاولى من المقاتلات الروسية المقرر سحبها من قاعدة حميميم في ريف اللاذقية بغرب سوريا الى قاعدة جوية قرب فورونيج في جنوب غرب روسيا. ومع تأكيد واشنطن ان روسيا التزمت سحب مقاتلاتها كما أمر به الرئيس فلاديمير بوتين الاثنين، يتوجه وزير الخارجية الاميركي جون كيري الى موسكو الاسبوع المقبل للبحث في اعطاء دفع جديد لمحادثات السلام الجارية في جنيف. وطالبت دمشق التي قالت إن الخطوة الروسية تمت بالتنسيق معها، واشنطن بممارسة الضغط على الأطراف الذين يعارضون عملية السلام في سوريا.
وبث التلفزيون الروسي لقطات تظهر الدفعة الأولى من طائرات "سوخوي-34" وهي تعود من سوريا وتهبط في القاعدة الروسية.
واستقبل ما بين 200 و300 من العسكريين والصحافيين والنساء الطيارين العائدين ملوحين بالورود والأعلام الروسية والبالونات الحمر والبيض والزرق وهي ألوان علم روسيا. وشارك اثنان من الكهنة في الاستقبال أيضاً.
وشوهد ستة طيارين على الأقل يعتمرون خوذاً بيضاء ويرتدون سترات طيران وهم يترجلون من ثلاث طائرات. وأحاط بهم المستقبلون قبل أن يقذفوهم عالياً في الهواء احتفالاً بعودتهم. وعزفت فرقة موسيقية عسكرية أناشيد وطنية.
وأعلن القائد الأعلى للقوات الجوية الفضائية الروسية الجنرال فيكتور بونديريف خلال مراسم الاستقبال أن "قوات الجيش السوري والتحالف والمعارضة كافية لمواصلة تدمير قوى الإرهاب".
ليس ضغطاً على الأسد
ومع تزايد التكهنات عن الأسباب التي حدت بوتين الى إتخاذ قرار سحب القوة الجوية الروسية الرئيسية من سوريا، نفى الكرملين أن يكون القرار يستهدف ممارسة الضغط على الرئيس السوري بشار الأسد، مؤكداً أن الرئيس الروسي لم يناقشه مع نظرائه الدوليين.
وصرح الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف رداً على سؤال عما إذا كان قرار بوتين يشير إلى عدم ارتياح موسكو الى موقف الرئيس السوري: "لا ليس الأمر هكذا... إنه قرار اتخذه الرئيس الروسي والقائد العام للقوات المسلحة الروسية، اعتماداً على نتائج عمل القوات الروسية في سوريا".
وأضاف أن قسماً من العسكريين الروس سيبقى في قاعدتي حميميم وطرطوس. وكشف أن عدد طلعات الطيران الروسي في سوريا تراجع بمعدل الثلثين، ولا داعي للحفاظ على القوات الروسية في سوريا بحجمها السابق. ولفت الى أن الرقابة على وقف النار في سوريا مهمة صعبة جداً، وأن العسكريين الروس يتولون هذه المهمة مع العسكريين الأميركيين.
وأوضح أن المهمة الرئيسية لموسكو في سوريا في المرحلة الراهنة تكمن في المساهمة بمنتهى الفاعلية في عملية التسوية السلمية.
الى ذلك، قال كبير موظفي الكرملين سيرغي إيفانوف أن القوات الروسية المتبقية في سوريا ستحظى بحماية جيدة، بما في ذلك منظومة "إس-400" للدفاع الجوي.
الموقف الأميركي
وفي واشنطن، صرح الناطق باسم البيت الابيض جوش ايرنست بان "المؤشرات الاولية تدل على ان روسيا تنفذ قرارها" بالانسحاب، مع وصول طلائع المقاتلات الروسية التي كانت منتشرة في سوريا الى روسيا.
وقال إن وزارة الدفاع الاميركية "البنتاغون" تحدثت عن مشاهدة "عدد من المقاتلات الروسية تغادر سوريا وتعود الى روسيا" لكن ذلك لا يصل الى درجة سحب "اعداد كبيرة من القوات الروسية".
وتوخى المسؤولون الاميركيون الحذر في تقويمهم لقرار بوتين.
وأكد ايرنست ان "روسيا لم تقدم اشعاراً مباشراً مسبقاً" باعلانها، على رغم انه كان مقرراً اجراء محادثة هاتفية مع بوتين.
وتحدث عن توتر في دعم روسيا لانهاء النزاع من طريق التفاوض ودعمها العسكري للاسد. واعتبر انه "من المبكر جداً تقويم تأثير ذلك (لانسحاب الروسي) على موقف الحكومة السورية التفاوضي" في محادثات السلام.
ويتوجه كيري إلى روسيا الأسبوع المقبل كي يغتنم ما وصفه بأنه ربما كان أفضل فرصة منذ سنوات لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا. وأبلغ الصحافيين أنه سيجتمع مع بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف في موسكو. وأضاف: "اليوم بينما نشهد الذكرى الخامسة لبدء هذه الحرب المروعة... ربما نحن في صدد أفضل فرصة لاحت لنا خلال سنوات لإنهائها". ولاحظ انه "مع تماسك اتفاق وقف الأعمال العدائية إلى حد بعيد وإعلان روسيا أنها ستسحب نصف قواتها فوراً بل ربما أكثر من ذلك من سوريا... ومع انعقاد المفاوضات السياسية هذا الأسبوع في جنيف... نكون قد وصلنا إلى مرحلة مهمة للغاية في هذه العملية".
دمشق
وفي دشق، نقلت وكالة الإعلام الروسية عن مستشارة الأسد بثينة شعبان أن دمشق تتوقع أن تمارس الولايات المتحدة مزيداً من الضغوط على الأطراف الذين يعارضون عملية السلام في سوريا.
وقالت إن انسحاب القوات الروسية من سوريا خطوة طبيعية وإن دمشق ترحب بالتنسيق بين الولايات المتحدة وروسيا.
وفي علامة على أن الطائرات الحربية الروسية لا تزال ناشطة في سوريا، وردت أنباء عن دعم روسي جوي كثيف لمساعدة الجيش السوري على تحقيق مكاسب عسكرية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) قرب مدينة تدمر الأثرية.