إستراتيجية واحدة للمبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا: كسب الوقت، وتأجيل المواجهة بين وفد الرياض والوفد الحكومي السوري، في الجولة الثانية من «جنيف 3»، وانتظار أن ينجز الروس والأميركيون بأنفسهم عملية جنيف، من دون إرهاق الأمم المتحدة.
وحده دي ميستورا وجد أرضية مشتركة يمكن البناء عليها في مفاوضات جنيف، فيما لا يزال السوريون بطرفيهم، الحكومي والمعارض، يراوحون في المكان الذي لم يغادروه منذ إخفاق جولات جنيف الماضية بإحداث أي اختراق، بل إن أحداً من الوفدين لا يعلم، إلا عبر ما سلف من مواقف، أين يقف الوفد الآخر.
ومن الواضح أن الوسيط الأممي ستيفان دي ميستورا يحاول قدر الإمكان، في غياب الأفكار والمبادرات العمل على كسب الوقت، إذ تجنب حتى الأمس، كما يجدر بالديبلوماسي الذي بات يمتلك ورقتين يعمل عليهما لتحديد مسار «جنيف 3»، تقديم الورقة التي تقدم بها رئيس الوفد الحكومي السوري بشار الجعفري إلى وفد الرياض لمناقشتها أو الاطلاع عليها، والأرجح انه لن يحصل اليوم خلال لقائه الصباحي، والثاني بدي ميستورا على ما جاء به وفد الرياض، في لقاء مسائي دام ساعة ونصف الساعة في قصر الأمم المتحدة.
لكن التفاصيل لما أمكن «السفير» أن تطلع عليه من الشفهي المعارض أو الحكومي المكتوب لا تكفي وحدها لشرح مسحة التفاؤل التي أشاعها دي ميستورا مساء، بعد لقائه الأول بوفد مجموعة الرياض، والتي تبدو من عدة الشغل الديبلوماسي الذي يشكو من فراغ ذات اليد، عندما قال، في مؤتمره الصحافي، إنه من الممكن أن يجد المرء نقاطا مشتركة، حتى بين السوريين عندما يتحدث إليهم.
ذلك أن المفاوضات في «جنيف 3» تبدأ من النقاط التي انتهت إليها كل الجولات السابقة من جنيف، وهو استنتاج يفرض نفسه على ضوء الوثائق نفسها والمحادثات، التي بدأت تنبثق من اجتماعين متتاليين مع وفدي الرياض والحكومة السورية. ذلك أنها لا تفعل سوى إعادة تدوير ما جرى البحث به في جنيف واحد واثنين، وما أدى آنذاك إلى تفجير المحاولتين، من غير المستبعد أن يتكرر، مستدعياً هذه المرة التفاهم الروسي ـ الأميركي للضغط على جميع الأطراف، للإبقاء على دي ميستورا في منصبه وعمله، والتقدم ببطء في ما أصبح من المستحسن تسميته عملية سياسية وليس مفاوضات، لأن الطرفين الحكومي والمعارض، قد يضطران في غياب التوافق على أرضية مشتركة، وهذه وظيفة المفاوضات تعريفاً، وعطب الوساطة الأممية، إلى الانصياع إلى الاملاءات الروسية ـ الأميركية، التي ستظل تفاهماتها محرك وضمانة جنيف ومحل اختبار ما استمرت عملية جنيف.
وتكشف الورقة الرسمية السورية، والمواقف التي تبلّغها الوسيط الأممي، عن هوّة كبيرة يصعب جسرها بين الطرفين. إذ تقول مصادر في جنيف إن بشار الجعفري سلم دي ميستورا ورقة من خمس نقاط، تركز، كما في ما سلف من جنيف، على أولوية مكافحة الإرهاب وإجراء مفاوضات من دون شروط مسبقة، والبحث بحكومة موسعة، وهي احد النقاط الجوهرية التي تستجيب عملياً لخريطة فيينا، والتأكيد على وحدة سوريا وسيادتها، والمطالبة بإغلاق الحدود ومعابر المسلحين من الدول المجاورة، تطبيقا للقرارات 2173 و2178 و2253.
أما وفد الرياض فلا يزال أيضاً يراوح مكانه في «جنيف 2» ومطالبه القديمة. إذ لم يقدم وثيقة مكتوبة، لكنه طرح شفهيا ثماني نقاط، تركز على ما كان جرى البحث به سابقاً، والتي أدت هي أيضا إلى إخفاق جولات التفاوض، لا سيما اعتبار «جنيف 1» مرجعية أي مفاوضات، والبحث في حكومة انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة، والقبول، من دون تفصيل بالقرار 2254، والموافقة على إعلان فيينا.
ورغم أن التفاصيل لم تحضر في اللقاء، ولم يجر الإسهاب في ما اذا كانت فيينا التي يفكر فيها وفد الرياض، تفترض الدخول في العملية المديدة التي تبدأ بحكومة موسعة، وتستمر بتعديلات دستورية، وتنتهي بانتخابات تشريعية ورئاسية خلال 18 شهراً. واشترط الوفد المعارض أن تقوم الحكومة السورية بتأجيل إجراء الانتخابات التشريعية التي حددت لها موعدا في 13 نيسان المقبل، والالتزام بالمواعيد التي حددتها الأمم المتحدة.
ويبدو الروس في قيادة العملية السياسية، أكثر من الحضور الأميركي فيها. فخلال الساعات الماضية، سجل وزير الخارجية سيرغي لافروف محاولة جديدة ولافتة لاستعادة السعودية، كطرف مؤثر ووصي على المعارضة، إلى العملية الجارية، لتأمين استمرارها، بعد أن دفعت روسيا ثمناً سياسياً مسبقاً للضغط السعودي على معارضتها السورية للاشتراك في عملية جنيف، من خلال الإعلان عن انسحاب جزئي لـ «عاصفة السوخوي». وقال لافروف «تعد قائمة الرياض من الأطراف الرئيسية في المفاوضات التي تبدأ بجنيف. ونحن نقدر ما بذله الشركاء السعوديون لكي تعدل هذه المجموعة ما أبدته من المواقف في كانون الثاني الماضي، ويبدو اليوم أنها مصممة على الانضمام إلى العملية السياسية السورية انطلاقاً من ضرورة البحث عن حلول وسط والتوصل إلى اتفاقات على أساس توافق مع الحكومة» السورية.
وأكد لافروف أن قرار موسكو بسحب القوات الأساسية من سوريا جاء ليس من أجل إرضاء أحد، بل لدعم العملية السلمية. وقال «اتخذنا هذه القرارات ليس من أجل إرضاء أحد ونيل ثنائه، بل كنا ننطلق من مصالح الشعب السوري ومنطقة الشرق الأوسط برمّتها وضرورة حشد الدعم الدولي لمحاربة الإرهاب».
وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري «سأتوجه إلى موسكو الأسبوع المقبل للقاء الرئيس (فلاديمير) بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف لمناقشة كيف يمكن أن نحرك العملية السياسية بشكل فعّال، ونحاول الاستفادة من هذه اللحظة».
ولم يحدد كيري موعداً لزيارته، إلا أن المتحدث باسمه جون كيربي توقع ان تتم بعد يوم الثلاثاء المقبل، عندما يعود كيري من رحلة إلى كوبا يرافق فيها الرئيس باراك اوباما.
وأعلن البيت الأبيض أن روسيا تنفّذ على ما يبدو قرار سحب قواتها من سوريا. وقال كيري إن ذلك، إضافة إلى بدء مفاوضات جنيف يفتح نافذة الاحتمالات للتوصل إلى حل تفاوضي للنزاع.
وقال كيري، قبل اجتماعه مع وزير خارجية جورجيا ميخائيل يانليدزي، «مع حلول الذكرى الخامسة على بدء هذه الحرب المروعة، ربما أصبحت أمامنا أفضل فرصة منذ سنوات لإنهائها». وأضاف «وقف الإعمال القتالية لم يكن مثاليا. ولكن لا يوجد حسب علمي أي وقف مثالي لإطلاق النار. وقد أعربنا، ولا نزال نعرب، عن مخاوفنا الجدية بشأن الانتهاكات عند حدوثها، ولكن مع صمود وقف الأعمال (القتالية) بشكل كبير، فان إعلان روسيا بأنها ستسحب نصف قواتها فورا وربما أكثر من سوريا، ومع استئناف المفاوضات السياسية هذا الأسبوع في جنيف، فقد وصلنا إلى مرحلة مهمة للغاية في هذه العملية».