مفاجىء كان قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسحب القوة الأساسية الروسية من أراضي الجمهورية العربية السورية.
التوقيت مباغت جدا والمصدومون كثر. فالرئيس الروسي ماهر بخلق المفاجآت وإختيار توقيتها المناسب. هذا التوقيت الذي خطط له ليكون مصادفا للمفاوضات التي تجري بين وفدي المعارضة والنظام السوري في جنيف في إشارة روسية جادة للمجتمع الدولي بأنها جادة في العمل لإنهاء الأزمة السورية.
منذ بدء الحملة الجوية الروسية، وضع بوتين أهداف واضحة ومعلنة لتدخله في سوريا هي مكافحة الإرهاب وكغيره من القوى المتحاربة في بلاد الشام إستغل إرهاب داعش والنصرة كذريعة للدخول في النار السورية لكنه كان واضحا منذ البداية بأن تدخل روسيا لن يكون مفتوحا زمنيا بل متوقفا على تحقيق الأهداف المعلنة. وقائع الميدان السوري يخبرنا بأن أهداف روسيا لم تتحقق منها شيء.
فداعش والنصرة لا تزالا تسيطران على أكثر من نصف الأراضي السورية ولم تؤثر عليهما الضربات الروسية في حال كان هناك ضربات حقيقية فالجهد الحربي الروسي تركز على ضرب مناطق سيطرة المعارضة المعتدلة وخصوصا في ريفي اللاذقية وحلب حيث حقق حلفاء روسيا تقدما ملموسا على الأرض. وعدم القضاء على الإرهاب لا يعني بالضرورة فشل روسيا بل يعني ببساطة أن أهداف روسيا لم تكن يوما هي ضرب داعش والنصرة اللتان كانتا فقط أهداف معلنة وشماعة أما الأهداف الحقيقية فهي تحقيق نوع من التوازن بين النظام والمعارضة في المناطق السورية المهمة والحساسة كريفي اللاذقية وحلب وحفظ مصالح روسيا الإقتصادية والأمنية والسياسية في سوريا المستقبل.
فالخطوة الروسية بالإنسحاب الجزئي والمهم من العمل العسكري في سوريا يوضح أن الروس أمنوا وحفظوا مصالحهم داخل سوريا ضمن إتفاقية مشتركة مع أميركا تهدف إلى إقامة مرحلة إنتقالية في سوريا يكون فيها حكومة تتسلم كافة الصلاحيات وتؤسس لمرحلة جديدة لسوريا صيغتها الأقرب هي الفيدرالية وتطيح بالأسد كبداية للحل. النقطة العالقة في هذا الحل هي آلية أو وجهة رحيل الأسد والتي حددت ب 18 شهر كفترة زمنية للمرحلة الإنتقالية يتخللها تغيير الدستور وإجراء إنتخابات رئاسية وبرلمانية.
ولعل صيغة الفدرالية هي الحل الأنسب للروس لضمان حفظ مصالحهم في الساحل السوري خصوصا. وأوضحت هذه الخطوة أيضا نجاح رؤية الإدارة الأميركية حول سوريا ومكافحة الإرهاب. فالروس إقتنعوا أن محاربة الإرهاب في سوريا لا يمكن أن يتم إلا من خلال تحالف دولي كالذي تقوده أميركا ومن هنا يفهم الغزل الروسي إتجاه أميركا بالرغبة بعمل مشترك معها لتطهير الرقة السورية من داعش.
لذلك فالخطوة الروسية تقرأ في ضوء العمل على الدفع بإتجاه حل سياسي للأزمة السورية بعيدا عن الخطوط الحمراء حول الرئاسة السورية التي تحدث عنها وزير الخارجية السوري من دمشق وليد المعلم والتي قوبلت بشبه تهديد أميركي من كيري بأن هذه التصاريح ستؤدي إلى نفاذ صبر واشنطن وتعرقل ما إتفقت عليه واشنطن مع أميركا وقبلت به إيران.
لذلك فإن سقف المعارضة السورية تصاعد في المفاوضات الأخيرة ووصل حد التهديد بقتل الرئيس السوري بشار الأسد كما صرح محمد علوش كبير مفاوضي وفد المعارضة السورية إلى جنيف. فهذا التصريح الخطير لم يكسر حدته إلا حجم المفاجأة التي نتجت عن الخطوة الروسية.
فكما فوجىء الجميع بالخطوة قد يفاجئون بالنتائج. لكن ما هو جلي أن قطار الحل السياسي ولأول مرة منذ بدء الأزمة السورية وضع على سكة الجدية والعمل الفعلي.
فهدنة الأسبوعين قد نجحت كبوادر لهذا الحل والخطوة الروسية بالإنسحاب من سوريا توجت هذا النجاح.