في الحقيقة لم يكن الانسحاب الروسي من سوريا مفاجئا لكل مَن يعرف الوضع الروسي الداخلي , سواء السياسي أو الاقتصادي , بل كانت طريقة دخوله في المعركة هي المفاجأة الكبرى , للمراقبين , وزادت القناعة عند المراقبين أن دخول الروسي في معركة السورية لا أفق لها , وطريقة تحالفاته العلنية والسرية , وخاصة مسألة تنسيقه العسكري مع العدو الصهيوني وعدم تنسيقه مع الحليف الاقوى في المعركة في حلف النظام الذي هو الايراني , ولقد شاهدنا وراقبنا التوترات بين الروسي والايراني , ولا ننسى الاخطاء الروسية في قصف مواقع لحزب الله والايرانيين , وقد برّر يومها الروسي بأنها خطأ عسكري , وقبل منه ذلك الايراني على مضض .
المفاجأة ليست بالانسحاب الروسي , بل المفاجأة كانت بطريقة القصف الروسي الذي لم يكن لمراكز الدولة الاسلامية " داعش " بقدر ما كان يستهدف فصائل المعارضة التابعة للجيش الحر , والتي لا علاقة لها بما يسمى إرهاب أصولي إسلامي .
والمفاجأة الاكبر الذي كان ينبغي على حلف الممانعة أن ينتبه لها هي حماية الطائرات الاسرائيلية التي لم تغادر الاجواء السورية منذ دخول الروسي على ساحة المعركة , وقد ضربت الطائرات الاسرائيلية أكثر من مرة مواقع للجيش السوري ولحزب الله , بحماية روسية , ولم يحرّك الروسي ساكنا .
أما الاستهجان أو الغرابة , هو في التهليل الشيعي الذي وصف بوتين بالمخلّص , والرهان على حصان الكرملن المضمور جوعا , وتأويل كل المواقف الروسية وتبريرها , مع أن الروسي هو الذي صرّح بعدة أساليب , سواء كان مباشرا , أو عبر إصدقائه , بأنه دخل المعركة لتوقيف المد الايراني في سوريا , ومن أجل تحديد بعض المصالح الروسية قبل الاتفاق الاميركي الايراني الذي سوف يضع روسيا على الهامش عند تقسيم الغنائم .
إن هذا القصور أو التقصير الشيعي في فهم الواقع السوري منذ بداية الأزمة , وفي فهم حقيقة السياسة الاميركية في المنطقة , وفي عدم فهم التحالف الروسية الاسرائيلي , هو المستهجن بطريقة تبريره من قِبل حلف الممانعة , وكيف لحليف الاسرائيلي أن يكون مُخلصا لعدو الاسرائيلي .
آن الاوان لحلف الممانعة وعلى راسهم حزب الله ومَن معه , إعادة القراءة السياسية المتفردة بالرأي , ويجب إعادة الحسابات بجرأة , وليس عيبا أن تسمعوا النصيحة , القائلة : الحرب بين الكبار الذين لا يتقاتلون بالفعل , ضحيتها الصغار الذين يتقاتلون نيابة عنهم .