كما كان قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدخوله العسكري الى سوريا في ايلول مفاجئا للعالم فان قرار انسحابه شكل مفاجأة اكبر حيث تناقلت وسائل الاعلام العالمية الخبر بشكل سريع مع طرح مئات الاسئلة عن الخطوة الروسية ومفاجآت بوتين وما هي خلفياتها واسبابها وتأثيرها على الصراع في سوريا والرئيس السوري بشار الاسد وموازين القوى العسكرية في سوريا التي «مالت» الى جانب النظام السوري وحلفائه في حلب واللاذقية وحمص ودمشق، حيث تعرض المسلحون لضربات كبيرة.
الخطوة الروسية كانت مفاجأة وبررتها بان المهمات التي كلفت بها القوات الروسية في سوريا تم انجازها.
لكن من المعلوم، ان الرئيس بوتين اكد في ايلول ان القوات الروسية ستبقى في سوريا حتى القضاء على المجموعات الارهابية من داعش والنصرة وغيرها. وهذا الامر لم يتم حتى الان، كما ان القرار جاء قبل ساعات عن اعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف انه لا مانع لروسيا من مشاركة الطيران الاميركي الى جانب الطيران الروسي في تحرير الرقة من مسلحي داعش وبالتالي فان السؤال الاساسي ما هي الاسباب التي دفعت بوتين لاتخاذ هذا القرار المفاجئ.
سلسلة من الاسئلة رافقت الخطوة الروسية وهل تمت بالتنسيق مع الادارة الاميركية وهل هناك توافق اميركي روسي على الوصول الى حل سياسي للازمة السورية من خلال مباحثات جنيف عبر ضغط موسكو على النظام السوري وضغط واشنطن على المعارضة في ظل حديث روسي - اميركي عن الوصول الى تفاهمات معينة بينهما حول مستقبل سوريا وبالتالي اعطاء روسيا دفعاً للمفاوضات ودفع النظام والمعارضة الى تقديم تنازلات للحل؟ كما عزا البعض الخطوة الى ظروف اقتصادية صعبة تعاني منها موسكو جراء انخفاض اسعار النفط بينما العملية العسكرية مكلفة جدا، وان روسيا ربما اقتنعت انه لا يمكن حسم الامور عسكريا على الارض من خلال القصف الجوي فقط ولذلك اعلنت روسيا الانسحاب حاليا وباستطاعتها القول للشعب الروسي انها انتصرت في سوريا عبر خلق توازنات جديدة على الارض وان سلاح الجو الروسي اثبت فاعليته الحربية، وبات الشعب الروسي يستطيع الاطمئنان الى قوة روسيا وحماية الاراضي الروسية. كما برر البعض الخطوة الى خلاف عسكري - روسي - سوري في ظل اصرار دمشق على الاستمرار بعمليتها العسكرية للقضاء على الارهاب فيما ترى موسكو ان العملية السياسية هي الحل، خصوصا ان روسيا دولة لها مصالحها الشرق اوسطية التي تختلف كليا مع نظرة سوريا؟ وهناك من يشير الى تباين روسي - ايراني حول الوضع في سوريا، وتحديدا بعد اعلان المسؤول الايراني امير حسين عبد اللهيان ان الامام خامنئي يعتبر ان الاسد خط احمر ولا يقبل برحيله، فيما روسيا تريد حكومة انتقالية ومسار سياسي تتفق عليه مع واشنطن؟ في حين ان الاحاديث الروسية ودي ميستورا عن الفيدرالية في سوريا ردت عليها ايران بالحديث عن وحدة الاراضي السورية؟
كما اشارت معلومات ان الخطوة الروسية ربما له علاقة بعودة التصعيد على الجبهة الاوكرانية وكذلك حشد القوى الاسلامية المتطرفة قواتها في الجمهوريات الاسلامية على حدود روسيا وهذا ما يفرض اجراءات واسعة؟
كما طرح البعض اسئلة حول تخوف بوتين من الغرق في المستنقع السوري وعدم تكرار سيناريو افغانستان؟ اما المعارضة السورية فتحدثت بايجابية عن الخطوة وقالت اذا كان الانسحاب الروسي جاداً فسيعطي محادثات السلام دفعة ايجابية ورأى قياديون في المعارضة، ان الخطوة الروسية تؤكد استحالة بقاء الرئيس بشار الاسد في السلطة بعد احاديث وزير خارجية سوريا وليد المعلم ان الاسد خط احمر وكذلك مندوب سوريا في الامم المتحدة بشار الجعفري، ان الذين يتحدثون عن رحيل الرئيس الاسد هم واهمون.
ـ الموقف الاميركي ـ
ونقلت «وكالة رويترز عن مسؤولين اميركيين اشارتهم الى ان واشنطن لا ترى حتى الان اي علامات للتحضير لانسحاب القوات الروسية من سوريا.
العقدة الروسية جاءت مع بدء المفاوضات الجدية في جنيف وطرح مخارج للحلول وربما بطمأنة اميركية - روسية بعدم انهيار واسع لاتفاق اطلاق النار في ظل صمود الهدنة، ومن الطبيعي ان تبقى هذه الخطوة موضع متابعة دولية وعربية.
ـ بوتين يأمر بسحب القوات الروسيةـ
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمر ببدْء سحب القوات الاساسية من سوريا اعتبارا من اليوم مع إبقاء عديد القوات والمعدات العسكريةِ اللازمة في قاعدتَي حميميم الجوية وطرطوس، ويقر في اتصال مع نظيره السوري ، بأن الهدنة أسهمت في تراجع حاد لوتيرة سفك الدماء وأن الجيش السوري وحلفاؤه قلبوا المعادلة وهم يمسكون بزمام المبادرة العسكرية.
وأوعز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لوزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، بسحب القوات الرئيسية من سوريا بدءاً من اليوم.
جاء ذلك عقب لقاء ثلاثي جمع بوتين بشويغو ووزير الخارجية سيرغي لافروف، امس في الكرملين.
واعلن الكرملين أن «جميع ما خرج به اللقاء (الثلاثي) تم بالتنسيق مع الرئيس السوري بشار الأسد».
واعتبر بوتين أن «المهمات التي كلفت بها القوات الروسية في سوريا تم انجازها»، وان قرار سحب القوات الأساسية إتخذ بعد تحقيق العملية العسكرية أهدافها الرئيسية في إلحاق هزيمة بالارهاب وإطلاق العملية السياسية في سوريا.
وقال خلال اللقاء: «أعتبر أنه تم تنفيذ أغلب مهمات وزارة الدفاع والقوات المسلحة، لذلك أمر وزير الدفاع ببدء سحب الجزء الأساسي من مجموعتنا الحربية من الجمهورية العربية السورية»، منوها بأن «الجانب الروسي سيحافظ من أجل مراقبة نظام وقف الأعمال القتالية على مركز تأمين تحليق الطيران في الأراضي السورية».
وأكد بوتين كذلك أن «القاعدتين الروسيتين في حميميم وطرطوس ستواصلان عملهما كما في السابق»،مؤكداً على وجوب تأمين القاعدتين بشكل محكم من البحر والبر والجو.
كما كلف بوتين وزير الخارجية «بتعزيز المشاركة الروسية في تنظيم العملية السلمية لحل الأزمة السورية».
وفي اتصال هاتفي أجراه بوتين مع نظيره السوري بشار الأسد، أقر الجانبان بأن الهدنة أسهمت في تراجع حاد لوتيرة سفك الدماء في سوريا، وتحسن الوضع الإنساني في البلاد، وتهيئة الظروف المواتية لبدء عملية التسوية السياسية للنزاع تحت إشراف الأمم المتحدة.
وأشار الرئيسان إلى أن عمل سلاح الجو الروسي سمحت بتحقيق نقلة نوعية في محاربة الإرهابيين وتشويش بنيتهم التحتية وإلحاق بهم خسائر بشرية جسيمة، حسبما جاء في بيان صدر عن الكرملين.
وقال الرئيس الروسي إن الجيش السوري وحلفاءه قلبوا المعادلة ويمسكون بزمام المبادرة العسكرية في سوريا.وأن القوات المسلحة الروسية قد نفذّت المهمات الرئيسية التي كلفت بها، وتم الاتفاق على سحب الجزء الأكبر من مجموعة الطيران الحربي الروسي من سوريا، مع إبقاء مركز مكلف بضمان تحليقات الطيران في سوريا، وذلك بهدف مراقبة تنفيذ شروط وقف الأعمال القتالية.
وقال بيان الرئاسة السورية بعد اتصال بوتين بالاسد إنه «بعد النجاحات التي حقّقها الجيش العربي السوري بالتعاون مع سلاح الجو الروسي في محاربة الإرهاب، وعودة الأمن والأمان لمناطق عديدة في سوريا، وارتفاع وتيرة ورقعة المصالحات في البلاد.. اتفق الجانبان السوري والروسي خلال اتصال هاتفي بين الرئيسين الأسد وبوتين على تخفيض عديد القوات الجوية الروسية في سوريا، مع استمرار وقف الأعمال القتالية، وبما يتوافق مع المرحلة الميدانية الحالية، مع تأكيد الجانب الروسي على استمرار دعم روسيا الاتحادية لسوريا في مكافحة الإرهاب».
وجاء في البيان أن الرئيس السوري أشاد بمهنية وبطولة الجنود والضباط الروس الذين شاركوا في الأعمال القتالية، وأعرب عن امتنانه العميق لروسيا على إسهامها الكبير في محاربة الإرهاب وتقديم مساعدة إنسانية إلى السكان المدنيين السوريين.
وقالت الرئاسة السورية إن روسيا تعهّدت بمواصلة دعم سوريا لمحاربة الارهاب، كما أشار بشار الأسد إلى استعداد دمشق لبدء العملية السياسية في البلاد أسرع ما يمكن، معرباً عن أمله أن تثمر المفاوضات التي بدأت في جنيف بين الحكومة السورية وممثلي المعارضة بنتائج ملموسة.
وعدد الرئيس الروسي لأهم الانجازات الميدانية في سوريا فقال إنه تم انشاء قوة عسكرية ضاربة في سوريا خلال فترة زمنية قصيرة، فضلاً عن «نظام حديث جدا للدفاع الجوي يضم مجمعات اس 400 التي لا مثيل لها».
وأضاف، «استخدمنا احدث المعدات العسكرية التي اثبتت فعاليتها، لا سيما الصواريخ المجنحة التي أطلقت من السفن والغواصات ومن بحار عالمية مختلفة».
من جهته، كشف وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أنه قد تم تحرير حقول النفط والغاز في محيط تدمر وتسليمها للسلطات السورية وهي بدأت العمل بشكل طبيعي».
وأضاف أن القوات الجو - فضائية دمرت 209 منشأة نفطية غير شرعية وثلاثة الاف ناقلة نفط كان يستخدمها داعش، كاشفاً أن القوات الروسية ساعدت على تحرير 400 بلدة وما يقارب عشرة الآف كم مربع من الأراضي السورية.
وفي ردود الفعل، قالت وسائل إعلام اسرائيلية إن إعلان بوتين سحب قوات من سوريا فاجأ كل دول العالم بما في ذلك اسرائيل، في حين قالت القناة الإسرائيلية الأولى إن الخط الساخن بين اسرائيل وروسيا سيعمل قريباً لمعرفة حجم القوات التي ستغادر سوريا.
بدورها أفادت وكالة إنترفاكس الروسية إن الناطق باسم الهيئة العليا للمفاوضات لوفد الرياض رحّب بقرار موسكو بدء سحب قواتها من سوريا.واعتبرت المعارضة السورية أن «انسحاب روسي حقيقي من سوريا سيزيد الضغط على السلطات ويفضي الى التغيير»، وقال المتحدث باسم المعارضة السورية أنه «إذا كان الانسحاب الروسي جاداً فسيعطي محادثات السلام دفعة إيجابية».
ـ بقاء الف جندي روسي في سوريا ـ
واكد رئيس لجنة الدفاع والامن لمجلس الاتحاد الروسي فيكتور اوزيروف انه من الممكن ان يبقى في سوريا حوالى الف عسكري روسي بما فيهم العاملون في قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية، وفرقة الحرس البحري بالاضافة الى عدد من طائرات الاستطلاع، واشار الى ان قرار الرئيس بوتين قد يكون له اسباب سياسية وليست عسكرية فحسب، وقال ان روسيا قادرة على العودة الى سوريا في غضون يوم واحد وبجهوزية تامة في حال تطلب الامر، واننا لا ننوي احراق جميع الجسور والانسحاب من عملية احلال السلام في سوريا، لا سيما لمكافحة الارهاب. واشار انه لا يعلم عن مصير منظومات «اس - 300» الروسية لكنه اشار الى ان الرئيس بوتين امر بضمان امن حميميم جواً وبراً وبحراً.
بالمقابل اكد وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لوداريان ان روسيا توقفت عملياً عن قصف المعارضة السورية المعتدلة، فيما رحب وزير الخارجية الالماني بالقرار الروسي واعتبر ان ذلك سيؤدي الى الضغط على الرئيس الاسد لبحث انتقال سياسي سلمي في جنيف.
اما الرئيس السوداني عمر حسن احمد البشير فقال ان الرئيس السوري بشار الاسد لن يرحل وانما سيقتل.
ـدي ميستورا ووفد الحكومة السوريةـ
وفي المقابل، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن الاقتراحات بشأن قيام نظام فدرالي في سوريا، تأتي في إطار المزايدات فقط، مشددا على أن الشعب السوري هو وحده من يختار نظام الدولة.
ولفت لافروف خلال مؤتمر صحفي مع نظيره التونسي خميس الجهيناوي في موسكو ، إلى أن وقف إطلاق النار في سوريا لا يزال مستمرا، رغم بعض الخروقات.
كما أشار الوزير الروسي إلى أن التصريحات الراديكالية لبعض الأطراف المشاركة في الحوار السوري السوري في جنيف لا تساعد في التوصل إلى اتفاق، مضيفا أن التسوية السياسية للأزمة في سورية يجب أن تراعي مصالح كل الأطراف بالتوافق بين الحكومة السورية وجميع المعارضين.
قال رئيس الوفد السوري إلى مفاوضات السلام في جنيف، بشار الجعفري، إن لقاء الوفد مع المبعوث الدولي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، كان «إيجابيا وبناء».
وفي تصريح صحفي أدلى به عقب اللقاء، ، قال الجعفري:» ناقشنا في هذه الجلسة أهمية وضرورة الإعداد الجيد من ناحية الشكل بما يسمح لنا بالانطلاق على أسس صلبة لمناقشة المضمون والجوهر».