في قرار مفاجئ تزامن مع بدء الجولة الثانية من محادثات جنيف غير المباشرة بين النظام السوري والمعارضة، أوعز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بسحب القوات الرئيسية من سوريا بدءاً من اليوم. وقالت سوريا إن الرئيس بشار الأسد اتفق في مكالمة هاتفية مع بوتين على "خفض" حجم القوات الروسية. وصدر القرار بعد خمسة أشهر ونصف شهر من التدخل العسكري الروسي في سوريا الذي ساعد على تحويل دفة الحرب لمصلحة النظام بعد أشهر من المكاسب التي حققتها المعارضة المسلحة في غرب سوريا بدعم إمدادات عسكرية أجنبية منها صواريخ أميركية مضادة للدبابات.
وآخذاً في الاعتبار توقيت القرار، يسعى الكرملين الى الاستفادة سياسياً من التطورات الميدانية التي تحققت بفعل الغارات الجوية الروسية وتفادي تورط عسكري اوسع في الحرب السورية.
وكان لقاء ثلاثي جمع بوتين وشويغو ووزير الخارجية سيرغي لافروف في الكرملين الذي أعلن أن "كل ما خرج به اللقاء تم بالتنسيق مع الرئيس السوري بشار الأسد".
وقال بوتين خلال اللقاء: "أعتبر أنه تم انجاز أكثر مهمات وزارة الدفاع والقوات المسلحة، لذلك آمر وزير الدفاع ببدء سحب الجزء الأساسي من مجموعتنا الحربية من الجمهورية العربية السورية... العمل الفعال لجيشنا هيأ الظروف لبدء عملية السلام". واكد أن القوات المسلحة السورية تمكنت بمشاركة الجيش الروسي "من تحقيق تحول جذري في الحرب ضد الإرهاب الدولي وملكت زمام المبادرة في جميع النواحي تقريباً"، مشيراً الى أن "الجانب الروسي سيحافظ من أجل مراقبة نظام وقف الأعمال العدائية على مركز تأمين تحليق الطيران في الأراضي السورية". كذلك فإن "القاعدتين الروسيتين في حميميم وطرطوس ستواصلان عملهما كما في السابق".
وأمل أن يشكل بدء سحب القوات الروسية من سوريا دافعاً إيجابياً لعملية التفاوض بين القوى السياسية في جنيف. وكلف وزير الخارجية "تعزيز المشاركة الروسية في تنظيم العملية السلمية لحل الأزمة السورية".
وصرّح الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف بأن بوتين تحدث هاتفياً مع الأسد لإبلاغه القرار الروسي، موضحاً أن المحادثة الهاتفية لم تتطرق الى مستقبل الرئيس السوري.
وأعلن المجلس الاتحادي الروسي بلسان رئيس لجنته لشؤون الدفاع والأمن فيكتور أوزيروف، أن سحب القوات الروسية لا يعني الامتناع عن الالتزامات المتعلقة بتصدير السلاح والتقنيات العسكرية للحكومة السورية، فضلاً عن تدريب الخبراء العسكريين.
واعتبر "أنه سنح للحكومة السورية بفضل مساعدة القوات الفضائية الجوية الروسية، امكان للتعامل مع الإرهابيين بقواها الذاتية".
شويغو
الى ذلك، أبلغ شويغو الرئيس الروسي أن القوات السورية يدعمها سلاح الجو الروسي تمكنت منذ بدء العملية الروسية في البلاد من تحرير 400 مدينة وقرية سورية واستعادة السيطرة على أكثر من 10 آلاف كيلومتر مربع من أراضي البلاد.
وقال إن سلاح الجو الروسي نفذ، في إطار عمليته في سوريا منذ 30 أيلول 2015، أكثر من تسعة آلاف طلعة، مشيراً إلى أن القوات الروسية تمكنت خلال هذه الفترة من عرقلة اتجار الإرهابيين بالنفط أو القضاء عليه تماماً في بعض المناطق، كما استطاعت وقف أو تدمير الإمدادات الأساسية لتمويل الإرهابيين ونقل الأسلحة إليهم.
وأضاف أن الطيران الحربي الروسي دمر في سوريا نحو 209 منشأة خاصة بإنتاج النفط، فضلاً عن أكثر من 2000 شاحنة لنقل المنتجات النفطية.
وقتلت القوات الجوية الفضائية الروسية في سوريا أكثر من 2000 مسلح، بينهم 17 قائداً للمجموعات الإرهابية، تسللوا إلى البلاد من أراضي روسيا.
وشدد على أن العسكريين الروس ضمنوا متابعة التزام أطراف الهدنة نظام وقف الأعمال العدائية، وذلك باستخدام طائرات من دون طيار ووسائل استخبارية أخرى ومجموعة الأقمار الاصطناعية الروسية.
دمشق
وجاء في بيان للرئاسة السورية في صفحتها الرسمية بموقع "فايسبوك" للتواصل الاجتماعي: "اتفق الجانبان السوري والروسي خلال اتصال هاتفي بين الرئيسين الاسد وبوتين على خفض عديد القوات الجوية الروسية في سوريا مع استمرار وقف الأعمال القتالية، وبما يتوافق مع المرحلة الميدانية الحالية، مع تأكيد الجانب الروسي على استمرار دعم روسيا الاتحادية لسوريا في مكافحة الإرهاب".
وأضافت ان ذلك يأتي "بعد النجاحات التي حقّقها الجيش العربي السوري بالتعاون مع سلاح الجو الروسي في محاربة الارهاب، وعودة الأمن والأمان الى مناطق عدة في سوريا، وارتفاع وتيرة ورقعة المصالحات في البلاد".
ونفت الرئاسة السورية في بيان ما تردّد عن أن الاعلان الروسي يعكس خلافاً بين البلدين قائلة إن تلك الخطوة جرى التنسيق لها ودراستها منذ فترة.
وأعلن الجيش السوري أنه سيواصل "مقاتلة تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" وغيرها من التنظيمات الارهابية المرتبطة بها بكل حزم واصرار بالتنسيق مع الحلفاء".
المعارضة
ورحبت المعارضة السورية بالاعلان الروسي. وصرّح الناطق باسم الهيئة العليا للمفاوضات سالم المسلط، بأنه إذا كانت هناك "جدية" في تنفيذ الانسحاب، فسيعطي ذلك دفعة إيجابية للمحادثات. وقال إنه إذا كانت هذه خطوة جدية فستشكل عنصرا أساسياً للضغط على "النظام" وستتغير الأمور كثيراً نتيجة لذلك.
واشنطن
وفي واشنطن، افاد مسؤولون أميركيون إنهم لم يتلقوا أي إشعار مسبق بقرار بوتين وعبروا عن دهشتهم من الإعلان المفاجئ الصادر عن موسكو.
وقال مسؤولان أميركيان طلبا عدم ذكر اسميهما إن الولايات المتحدة لا ترى مؤشرات حتى الآن لاستعدادات للقوات الروسية للانسحاب من سوريا.
باريس
وفي بارس، صرّح وزير الدفاع الفرنسي جان-إيف لودريان في مقابلة أجرتها معه صحيفة "الفيغارو" بأن القوات الروسية توقفت عمليا عن قصف المعارضة السورية المعتدلة.
وفي برلين، قال وزير الخارجية الألماني فرانك- فالتر شتاينماير إن الأسد سيكون تحت ضغط للتفاوض على انتقال سلمي لإنهاء الحرب الأهلية السورية إذا سحبت روسيا معظم قواتها من البلاد.