لا يشبه 14 آذار 2016 «اشقاءه» في السنوات السابقة.
هذا العام، تأتي الذكرى وقد تشظَّت «قوى 14 آذار» التي فرقتها حسابات رئاسة الجمهورية.. وأشياء أخرى.
لم يبقَ لدى أصحاب المناسبة السنوية سوى «الحنين» وبعض المظاهر الشكلية، أما المشروع السياسي والجسم التنظيمي، فقد تحولا إلى «أشلاء»، تحت وطأة الانقسام بين مكونات هذا الفريق الذي جمعه دم الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وبعثرته المصالح المتضاربة، إلى حد أنه بات لكل من الرئيس سعد الحريري ورئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع مرشحه.. من «8 آذار».
أما العماد ميشال عون الذي يعتبر نفسه مؤسس «14 آذار» الأصلي، والأب الشرعي له برابطة الدم في العام 1989(«حرب التحرير» ضد سوريا)، فسيطل اليوم من على منبر هذا التاريخ، ليقول كلمته بعد فترة من الصمت والتأمل.
اللهجة التصعيدية ستغلب على الخطاب الذي سيَطرح، وفق العارفين، أسئلة وجودية، و «سيقتحم» البنود غير المطبقة من اتفاق الطائف، داعيا إلى تنفيذها، ما دامت هناك خشية لدى البعض من التعديلات الجوهرية، أو من «المؤتمر التأسيسي».
بالنسبة إلى عون، البند الوحيد الذي طُبق بأمانة هو المتعلق بتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، أما ما عداه فقد خضع إلى الاستنسابية حتى حدود التشويه والتأويل، وصولا إلى تهميش الدور المسيحي وضرب الميثاقية.
ولا يفوت «الجنرال» أن يستعيد، أمام كل منعطف، واقعة أنه كان قد راسل في الماضي زعماء اللجنة العربية التي كانت مولجة بالإشراف على تطبيق «الطائف»، منبها إلى محاذير الخلل في الممارسة ومخاطر الانقلاب على الاتفاق، من دون أن يلقى في حينه الجواب الشافي.
وعليه، حان الوقت، من وجهة نظر «الجنرال»، لاستكمال تطبيق «الطائف» إذا كان يوجد حرص حقيقي عليه، وإلا فإن الاستمرار في اجتزائه سيعني أن مدّعي التمسك به هم «منتحلو صفة»، الأمر الذي من شأنه أن يبرر التساؤل حول جدوى الإبقاء عليه، وصولا إلى المطالبة بالبحث في بدائل عنه، على قاعدة «إذا كنتم لا تريدونه فلماذا نتمسك به نحن»، ولو تطلب ذلك إنتاج عقد اجتماعي جديد يعيد إنتاج قواعد الشراكة الوطنية.
وتحت سقف «الطائف»، سيدعو عون إلى الإسراع في اعتماد اللامركزية الموسعة التي كان رئيس «التيار الحر» الوزير جبران باسيل قد مهَّد لرفع نبرة المطالبة بها، من خلال مداخلته في هيئة الحوار الوطني (الأسبوع الماضي) وفي خطابه أمس أمام كوادر «التيار الحر».
لم يعد مقبولا بالنسبة إلى «التيار العوني» أن تستمر المناطق المسيحية، خصوصا جبل لبنان، في تسديد النسبة الأعلى من الضرائب المستوفاة، لتحصل في المقابل على النسبة الأقل من الخدمات.
وسيشدد عون، في كلمته اليوم، على ضرورة احترام إرادة المكوّن المسيحي في الدولة وصون حقوقه الدستورية، لأنه لم يعد مسموحا أن يكون من هو الأكثر تمثيلا عند السنة والشيعة والدروز شريكا في السلطة، بينما يتم تهميش صاحب الصفة التمثيلية الأوسع عند المسيحيين، ويُمنع من انتخابه رئيسا للجمهورية بذرائع شتى.
وإذا كان «الجنرال» ينادي بهذا الطرح منذ زمن طويل، فإن تفاهمه مع «القوات» التي دعمت ترشيحه، رفد معركته الرئاسية لتصحيح التوازن قيمة مضافة، بعدما أصبح في أعقاب «تفاهم معراب» مرشح الأكثرية المسيحية.
وأغلب الظن، أن عون سيخصص مساحة من خطابه للمصالحة مع «القوات»، وما تركته من مفاعيل على الساحة المسيحية، وربما يرد على التهديدات المباشرة التي وجَّهها تنظيم «داعش» إلى المسيحيين عبر شريط «الفيديو» الموزع مؤخرا.
ولن يهمل عون أهمية الإسراع في وضع قانون انتخاب عادل، يراعي المناصفة الفعلية وشروط الميثاقية، ويقود إلى إنتاج مجلس نيابي تمثيلي يتولى ملاقاة الاستحقاقات الدستورية والوطنية، «وإلا فلتتم الانتخابات النيابية على أساس قانون الستين، إذا لزم الأمر، من أجل وضع حد للمصادرة المتمادية للإرادة الشعبية.»
وسيمهد الخطاب، كما يؤكد المطلعون، لمرحلة جديدة من عمل «التيار الحر»، على قاعدة التدحرج في التصعيد، انتهاء بمعاودة النزول إلى الشارع، للضغط في اتجاه تصحيح الخلل في التوازن والشراكة، عبر انتخاب «رئيس قوي يعكس نبض الأكثرية المسيحية ويحمي حقوقها»، وفق ما تذهب إليه مصادر قيادية في «التيار».
وتفيد المصادر أن نقاشا يدور بين «التيار» و «القوات» حول «خيار الشارع»، وغيره من وسائل الضغط الديموقراطية المشروعة التي قد يكون العصيان المدني من بينها، لافتة الانتباه إلى أن الاحتمالات التصعيدية تُدرس بعناية ودقة، لاستخدامها في الوقت المناسب، متى كان ذلك ضروريا، «إذ إن عون لن يحرق أوراقه، وسيحرص على استعمالها في التوقيت الصحيح.. والمتدرج».
وكان باسيل قد أكد في كلمته في ختام المؤتمر التنظيمي الأول لـ «التيار الحر» أن «التمادي الإلغائي الممنهج لم ولن يدفعنا إلى رد فعل سلبي كالمطالبة بالفدرلة، بل يحثنا على الكفاح السياسي لتطبيق وثيقة الوفاق الوطني لناحية اللامركزية التي نريدها لامركزية إدارية ومالية واسعة. وإننا نعلن أننا بدأنا البحث عن بناء إداري ومالي جديد يخرجنا من واقعنا المعاش، الذي يرقى إلى مستوى الذميّة السياسية، إلى واقع جديد تكون فيه اللامركزية وسيلة للدفاع عن الحقوق ولإرساء قواعد الإنصاف بين مكونات المجتمع».
وشدد على أن «رئاسة الجمهورية تبقى رأس الهرم، وأقل من التماثلية التمثيلية في التعاطي معها يجعلها غير حافظةٍ للميثاق بل مهددة بانفراطه، ويجب أن يكون معلوماً أن انقلاب الهرم هو انفراط للميثاق وللوطن، عندها سيكون حراكنا التياري صاخبا كما في 14 آذار، ونصابنا سيكون شعبياً إذا ما أراد أحد إسقاط نصابنا النيابي والتمثيلي والميثاقي».
الغضب السعودي.. تابع
على صعيد آخر، واصلت السعودية إجراءات تضييق الخناق على كل من يناصر «حزب الله»، سواء كان سعوديا أو مقيما على أراضيها، في عملية «ترهيب» سياسي وفكري، تتعارض مع الشرائع الدولية وأبسط حقوق الإنسان، ما يوحي بأن الرياض مصممة على الاستمرار في حربها ضد المقاومة وبيئتها الحاضنة، بكل أنواع الأسلحة.
وفي هذا الإطار، صرح مصدر مسؤول في وزارة الداخلية السعودية أنه «وإشارة إلى قرار دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية المتضمن أن ميليشيات (حزب الله) بكل قادتها وفصائلها والتنظيمات التابعة والمنبثقة عنها تعد منظمة إرهابية، وأن دول المجلس سوف تتخذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ هذا القرار(..)،
وإشارة إلى إعلان مجلس وزراء الداخلية العرب (إعلان تونس) المتضمن إدانته وشجبه للممارسات والأعمال الخطرة التي يقوم بها هذا الحزب لزعزعة الأمن والسلم الاجتماعي في بعض الدول العربية،
وإشارة إلى البيان الذي سبق أن أصدرته الوزارة بناءً على الأمر الملكي بخصوص الجماعات والمنظمات والتيارات والأحزاب الإرهابية، والعقوبات التي ستطبق على المنتمين أو المؤيدين أو المتعاطفين معها (..)،
بناءً على ذلك، تؤكد وزارة الداخلية (السعودية) أن كل مواطن أو مقيم يؤيد أو يظهر الانتماء إلى ما يسمى (حزب الله)، أو يتعاطف معه أو يروج له أو يتبرع له أو يتواصل معه أو يؤوي أو يتستر على من ينتمي إليه، سيطبق بحقه ما تقضي به الأنظمة والأوامر من عقوبات مشددة بما في ذلك نظام جرائم الإرهاب وتمويله، إضافة إلى إبعاد أي مقيم تثبت إدانته بمثل تلك الأعمال».
من جهته، وصف رئيس مجلس النواب نبيه بري كلام الرئيس سعد الحريري في مقابلته التلفزيونية الاخيرة، بأنه «إيجابي بمجمله»، وقال لـ «السفير» إن أبرز ما استوقفه فيه تأكيد الحريري استعداده للقاء الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، «وهذا موقف ليس بوسعي سوى أن أقدّره، وأسجله له، لأنه ليس سهلا أن يبدي رئيس «تيار المستقبل» مثل هذا الاستعداد في وقت تصنف السعودية «حزب الله» منظمة إرهابية وتعادي السيد نصرالله، وبالتالي فإن من لا يُقدّر ما قاله الحريري على هذا الصعيد لا يريد مصلحة لبنان».