قبل أسبوع، ارتدت نرجس فستاناً أخضر وعقداً من اللؤلؤ في مراسم زفافها التي ميزتها البساطة. لم تختر الأخضر لكونها رسامة متمردة على التقاليد ولأن هذا كان زواجها الثاني، فالسبب وجداني وسياسي في آن. اسمها الكامل نرجس مير حسين موسوي، والأخضر كان تحية لوالدها، زعيم المعارضة الإيرانية المنسي وزميله مهدي كروبي منذ شباط 2011 في غياهب الإقامة الجبرية.
وسط قلة من الأصدقاء والمقربين، احتفلت نرجس، صغرى بنات موسوي والنحاتة والأستاذة الجامعية السابقة زهرا نهراواند، شريكة زوجها في كل شيء حتى الإقامة الجبرية، ببدء مرحلة جديدة من حياتها بعدما تعرضت لضغوط وتهديدات منذ تغييب والديها، ودفَعَ الترهيب زوجها الأول ووالد طفلها إلى تطليقها. الأسلوب نفسه كان مورس قبل سنوات مع شيرين عبادي، الناشطة الحقوقية الحائزة جائزة نوبل للسلام، إذ طُرد زوجها من عمله وأُرغم على الانفصال عنها.
نرجس تُزف، ولم يُسمح للوالد والوالدة بمواكبتها، ولو تحت الحراسة الأمنية. فخلال خمس سنوات من الإقامة الجبرية، لم يغادر مير حسين موسوي مقره إلا للخضوع لجراحة خطيرة في القلب عام 2014، وهو أُعيد إلى المنزل بعدها بـأيام من دون السماح له بالتعافي في ظل رعاية صحية.
حتى صديق العائلة مُنع من الحضور. كان يرغب في أن يقف إلى جوار العروس، محاولاً التعويض عن غياب والديها. وهو كذلك بمثابة أب روحي للعريس، أحد مستشاريه. كان يتهيأ لمغادرة منزله حين أمره رجال أمن بالعودة إلى الداخل.
الصديق هذا ليس إلا الرئيس الأسبق محمد خاتمي الممنوع ذكره في وسائل الإعلام الإيرانية بأمر من السلطة القضائية منذ شباط 2015. أخباره لا تُنشر، وصوره محظورة، ومن يتحدى القرار يُستدعى للتحقيق وقد يُسجن، صحافياً كان أو طالباً وناشطاً. وأكد الناطق باسم السلطة القضائية غلام رضا محسن إيجائي أن الحظر الإعلامي لا يزال قائماً، وأن مصادقة قضائية صدرت على قرار إبقاء خاتمي في منزله ليلة زفاف نرجس موسوي.
وكان الإصلاحيون الذين اكتسبوا زخماً قوياً بدعوته مناصريه والشباب والنساء إلى الإقبال على صناديق الاقتراع في شباط، تحايلوا على المنع غير المبرر بطباعة صور ليده، وفيها خاتمه الشهير. أما هو فتحدى حصاره إعلامياً بنشر أشرطة فيديو على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. قال إنه على الناخبين الاقتراع بكثافة، و"على الحكومة والأجهزة الأخرى في النظام تلبية حاجات الشعب، خصوصاً ما يتعلق بقيام فورة اقتصادية ومناخ سياسي صحي ومفتوح".
وسرعان ما تبين أن العاصمة طهران، بكل ما فيها من ثقل اقتصادي وسكاني، منحت الإصلاحيين وأنصار الرئيس حسن روحاني ثقتها كاملة لتمثيلها في مجلسي الشورى والخبراء. وأثبتت صناديق الاقتراع أن الإصلاحيين، وبرغم الإقصاء الممنهج عبر مجلس الرقابة على الدستور، وسجن الزعماء وتهميشهم، لا يزالون قوة شعبية راسخة.
لكن نظام المحافظين والمتشددين يجيد احتواء الصدمات دفاعاً عن مصالحه. دعا خاتمي، صاحب نظرية "حوار الحضارات" لا تصادمها، إلى انفتاح سياسي، فجاءه الرد بأن عليه ملازمة منزله، كأنه هو أيضاً في إقامة جبرية.
نبأ الزفاف بالثوب الأخضر وتغييب الرئيس الأسبق نشرته مواقع المعارضة الإيرانية على الانترنت وتلقفته كل من "النيويوركر" و"النيويورك تايمس"، وسط مخاوف على مصيره، خصوصاً أنه ممنوع من السفر. ففي 2010 أوقفت رحلته إلى اليابان للمشاركة في مؤتمر دولي والمحاضرة عن مخاطر التسلح النووي. وعام 2013، وبعدما ألقى بثقله لانتخاب روحاني، أُبلغ بعدم جواز مشاركته في تشييع زعيم جنوب أفريقيا نلسون مانديلا.
ومن غير المستبعد أن يزداد وضع خاتمي سوءاً وأن يُمنع تالياً من التوجه إلى مكتبه والاتصال بمعاونيه، وأن يصير هو أيضاً رهينة إقامة جبرية تتكرس يوماً بعد يوم، على ما أورد موقع "إيران واير" المعارض.
المؤشرات مقلقة، وقد حاول روحاني اختراقها، فلم يفلح. فبعيد الأداء القوي في الانتخابات، زار الرئيس الإيراني الاثنين مدينة يزد، مسقط خاتمي. وأمام كاميرات البث المباشر، ذكر روحاني أنه دخل مجلس الشورى في الوقت نفسه مع "أخي العزيز السيد محمد خاتمي"، واصفاً إياه بأنه "أحد أبطال إيران المساهمين في عظمتها"، ومقراً بدوره في دفع المواطنين إلى صناديق الاقتراع لـ"رسم ملحمة عظيمة عبرها". وبينما ارتفعت هتافات الحضور تحية لخاتمي، توقف الصوت فجأة في النقل التلفزيوني. يا للتوقيت والمصادفة!
كأن روحاني أُسكت حين تطرق إلى المحظور. تخيلوا لو كان سمى موسوي وكروبي، هل كان قُطع البث التلفزيوني برمته حينها؟ تكاد ولايته توشك على الانتهاء، ولم يستطع تحقيق وعده الانتخابي الأهم، وهو رفع الإقامة الجبرية عن الزعيمين.
النظام الإيراني الذي ينفتح على العالم ويستعد لطي صفحة الخصومة التاريخية مع "الشيطان الأكبر" أميركا والغرب عموماً، يزداد عداء لمعارضيه في الداخل. وهم، للمفارقة، من رموزه التاريخية، فموسوي رئيس سابق للوزراء، وكروبي رئيس سابق لمجلس الشورى، وخاتمي هو رئيس لولايتين. ومعهم أولاد الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني يتعرضون للملاحقة بين الفينة والأخرى، والكثير من الصحافيين والشعراء والسينمائيين والموسيقيين والناشطين الذين يواجهون السجن والجلد.
أوان الإصلاح و"الأخضر" لم يحن، يا للأسف، في إيران، ولا مكان له بعد على أرض الواقع خارج صناديق الاقتراع.