أقامت جمعيّة المبرّات الخيريّة احتفالات عديدة لمناسبة عيد المعلّم في مؤسساتها التربويّة والتعليميّة والرعائيّة كافة. وفي المناسبة وجّه مدير عام جمعيّة المبرّات الخيريّة د.محمّد باقر فضل الله رسالة للمعلّمين دعاهم فيها إلى اعتماد "الرعاية المهنية عبر تعلم كيفية بناء قدرات الآخر من خلال التعلم المهني المبني على المعرفة والممارسة والموقف والتعلم بالتجربة ومن صلب الممارسة اليومية". وشرح الدكتور فضل الله معنى الرعاية المهنية فقال: "هي احتضان للتلميذ وللزميل، معلماً كان أم منسقاً أو مشرفاً رعائياً أو إدارياً، كلّ بحسب موقعه بتوجيه ومساندة وبناء ثقة وإرشاد نحو تطوير ذاتي مستقل، إنها مهمة رسالية تتمثل بمساعدة الآخر على التقدم عبر شراكة تتسم برابط من الثقة والاحترام وتقديم الإرشاد والتشجيع". وأضاف: "الراعي المهني لا بد له أن يفهم طبيعة حاجات الشخص متلقي الرعاية وأن يعبر له عن التوقعات الإيجابية منه، أن يخلق له مساحة آمنة من النموّ، أن ينخرط معه بحوار وتفكر مشترك حول الممارسات والانفتاح على التعبير عن نقاط الضعف، رعاية تتسم بالعفوية ولكنها هادفة نحو التعلم من أجل التغيير". ودعا فضل الله إلى "تأصيل الممارسات الوظيفية بما يحيل التطوير الإداري تطويراً خارجاً من أطر التنظير عبر خطط الاستراتيجيات القريبة والبعيدة المدى إلى حركة لا في المنظور العملي فحسب بل التطبيقي أيضاً".
مشيراً إلى "أن حاجتنا ماسة جداً إلى تحديد البعد النظري للرعاية المهنية من خلال بيان مفاهيمها وما يرتبط بها من ممارسات، والحاجة أكبر لأن نعيَ الأصول الرعائية في إعداد القائد وثلّة الخلّص، وكذلك إعداد كل أفراد المجتمع وفق ما تقتضيه المصلحة العامة وبما يتلاءم مع المسار الإنساني". وشدّد على ضرورة آليات اعتماد الرعاية المهنية قائلاً: "يعمد الراعي المهني إلى مضغ المهمة بذاته ليقدم عصارتها لمرؤوسه، فإذا ما تم النمو في أطواره بنيةً ونفساً تركه في معترك العمل وحده وقد امتهن صناعة القرار، وأحسن إدارة دفة الضغوط، وأتقن إدارة الوقت، وتجلبب التخطيط الفريقي، وعلاوة على ذلك كلّه لم يبخل عليه بالتمكين من مهارة التواصل الاجتماعي على أن يكون هو قبل ذلك قد "دوزن" صوته، وشنّف للإصغاء سمعه، وأخرج من شفتيه حسن الكلام وزناً ومعنىً وشكلاً متخيراً من الألفاظ أفضلها لأداء الغاية ومن المواعظ أحكمها، ومن النغمات أرقّها وألطفها.
ودرّبه على التفكير الناقد". ولفت إلى الراعي المدير قائلاً: "الراعي المدير بمختلف أبعاده التربوية هو مشرف المنسقين تدريباً وتطويراً وإصغاء لاحتياجات المعنيين بالرعاية وتقديراً لجهودهم، وتفهماً لظروفهم المعيشية والنفسية وعجزهم عن إيجاد حلول أو رزحهم تحت ضغوطات عملية أو منسق يعيش صراعات المعلم وشجونه، يدرك صعوبة أن يمازج بين الرقابة والحنان حين يطرق باب المعلم ليدخل مساعداً ويكتب تقريره مفصلاً بنيّة التطوير لا تسجيلِ الحضور أو تعداد الأخطاء والكبوات".
وتحدّث عن الراعي المعلّم فقال: "المعلم مدرساً أم مشرفاً مربياً، هو قاعدة الهرم ورأسُه، فهو المتعلم الذي يستفيد كل حين من صعوبات التعلم لدى تلاميذه ليعيد تحضيره وهو وحده على تماس مع تلك الأنفس في احتياجاتها، وهو الفقير دوماً لأن يستمد من الحياة قوة الصبر والحلم والتحمل.. يستشعر الخوف من نظرة قاسية سبقته وكلمة مسيئة تسللت من بين شفتيه، هو المراقِب المراقَب، وهو المسؤول من قبل الجميع ممن هم فوقه وهو اللصيق بزملاءٍ همومهم همومه، يشاركهم التجربة والنصح، ويمد لهم يد العون بمبادرة لا تبتغي شكراً ولا أجراً". وأضاف: "المعلم هو الراعي الأول، هو الذي من شأنه صناعة الأنفس في بداية نشأتها وهو الذي يبين الصفات الخلقية والثقة الذاتية، هو الذي يبث روح الحب لله، للعطاء، للإنسانية، وهو الذي يخلق من البكم أبجدية اللفظ صوتاً مكتوباً، ومن جميع الأرقام حسابها، ومن العلوم اكتشافها، ومن الخيال جناحين يرفرفان لاعتلاء الفضاء الأعلى، جناحان يُحلّقان إبداعاً فلا حرمة لسؤال، ولا منع لتصوّر، ففي الغيوم تشكلات أسود وأشجار وغزلان ومع الجياد حوار طويل وعلى ضفة النهر ألحان موسيقى ولقاء مسائي مع بلبل وقمر ونجوم". وأشار فضل الله إلى أن: "الراعي المهني هو من وطّد في الزمالة المهنية شراكة وتكاملاً، وفي الولاية لمن دونَه سياسة مداراة حكيمة في بناء فريق عامل يحدوه الشغف للتصدي مبادرة وإخلاصاً، انطلاقاً من صفات شخصية قد عُجنت بالحب الرعائي حتى استقامت ثباتاً فلا تلوّن بعدُ ولا تزلزل ولا عواطف متناقضة، وإنما توازن نفسي في معرفة الذات ونقدها، ونضج عقلي في تحمل المسؤوليات وفق مهارات، بحسب اختصاصات التميّز".
وتوجه في ختام رسالته بالشكر للمعلمين في المبرّات قائلاً: "لن أستأذن قلوبكم الطيبة لأدخل في أعماقها من أجل أن أبثكم ما يخالجني من مشاعر المحبة والمودة ولأعبّر لكم عن عظيم اعتزازنا بكم، بجهودكم، بإنجازاتكم، بنجاحاتكم المقرونة بالتعب والصبر والأناة وبكل صدق أقول لكم أنتم المبرات بكل ما في البرّ من معنى، المبرات ليست هذه البناءات أو تلك المترامية حجراً وألواناً زاهية في الامتدادات الشاسعة من هذا الوطن.. أنتم المبرات والمبرات أنتم، لأنكم تجسدون بالفكر والقول والعمل قيم البرّ التي تمثل رسالة المبرات، والمبرات خط مستقيم رسمه على اسم الله سماحة السيد(رض) ليكون صراط العبور لمجتمعنا ولأهلنا ولأبنائنا ولأجيالنا من موقع الألم إلى شاطئ الأمل، من الوهن إلى العزيمة ومن الضعف إلى القوة ومن الاهتزاز إلى الثبات في حركة الحياة".
الدائرة الإعلامية