في مقابلته التلفزيونية أمس، بدا الرئيس سعد الحريري كما لو أنه يتحدّث من السراي الحكومي. بثقة رئيس للحكومة، وعد اللبنانيين بأن النفايات ستُرفع من الشوارع في غضون يومين أو ثلاثة. وكعادته، ربط الأمر بإرادة الله. الرئيس تمام سلام أوصل الامور إلى هذه المرحلة.
تصرّف خلال الأشهر الماضية بصفته وكيلاً لأصيل، هو الحريري. وعلى مدى أكثر من ستة أشهر، ترك الأزمة تتفاقم، وأكوام النفايات تتضخّم بين منازل المواطنين، وفي مراكز التجمع التي تحوّلت إلى ما يشبه القنابل الكيميائية في المناطق المأهولة. بدا سلام مستسلماً، وطلب من القوى السياسية أن تجد له حلاً. وعلى الطريقة اللبنانية، تم توزيع النفايات، كما المغانم، على الطوائف.
لم يكشف المشنوق
وجهة نفايات بيروت التي لن
تُنقل إلى معمل صيدا
ولم يجد أعضاء اللجنة الوزارية المكلفة حل أزمة النفايات حرجاً في القول إنهم ينتظرون جهود الحريري للخروج بحل ينهي الازمة البيئية الأقسى التي أجبرت السلطة اللبنانيين على تحمّلها. بعض الوزراء الذين يعارضون سياسة تيار المستقبل، يقولون إن سلام لم يكن مكتوف اليدين في الأشهر الماضية، وإنه سعى لحل الأزمة بالعديد من السبل، إلا أن فريق الحريري كان يعرقل عمله. ويصل بعضهم في نظريته إلى حدّ اتهام المستقبل بترك المشكلة تتفاقم، وعدم السماح لأحد بحلها، إلا الحريري نفسه، لهدفين: الاول أن يظهر الحريري بمظهر الرئيس الفعلي للحكومة، والثاني أن يُعاقب سلام على كونه حاول الوقوف في وجه «سوكلين». لكن المقرّبين من الحريري لهم رأي آخر. فهم يرون أن المشكلة هي في سلام نفسه، وفي طريقة معالجته للأمور، وعدم مبادرته إلى إيجاد حلول للأزمات، وعدم السماح للآخرين بالمبادرة. ويرى مقرّبون من الحريري أن سلام مقتنع فعلاً بأنه عاجز عن تقديم الإجابات عن الأسئلة التي تواجهها حكومته.
وعدُ الحريري مبنيّ على ما توصلت إليه اللجنة الوزارية المكلفة حل أزمة النفايات. فهذه اللجنة عرضت أمس لآخر ما توصلت إليه الاتصالات بين القوى السياسية بشأن إقامة مطمرين للنفايات، في كل من برج حمود ومنطقة «كوستابرافا» في الشويفات. ورغم كل ما ذُكِر عن عدم التوافق على هذين الموقعين، إلا أن مصادر اللجنة تؤكد أن القضية باتت عالقة عند بند وحيد: ما الذي ستناله البلدات المحيطة بالموقعين من «حوافز» لعدم الاعتراض على إقامة المطمرين. فمجلس الوزراء سبق أن أقرّ مبلغ 100 مليون دولار لمنطقة عكار، لقاء القبول بإقامة مطمر في سرار. ويُطالب ممثلو قضاء المتن الشمالي بالحصول على مبلغ «حرزان» لبعض المشاريع التي يحتاج إليها ساحل القضاء، مقابل إقامة مطمر عند شاطئ مدينة برج حمود، على أن يتضمّن أي مشروع معالجة جبل النفايات الموجود في المنطقة منذ ما يزيد على عقدين من الزمن، أسوة بما جرى في صيدا والنورماندي. كذلك فإن البحث في القنوات الخلفية وصل إلى حدّ محاولة الاتفاق على ملكية الأراضي التي ستُضمّ إلى المدينة بعد معالجة جبل النفايات وردم مساحة واسعة من المياه قبالة الشاطئ الحالي، وكيفية إدارة هذه المساحة مستقبلاً. وما يُبحث بشأن برج حمود، يسري أيضاً على منطقة «كوستابرافا»، حيث جبل الردميات التي رفعت من الضاحية الجنوبية لبيروت بعد حرب تموز ــ آب 2006. وكما بات معلوماً، فإن مطمر برج حمود سيكون مخصّصاً لنفايات جبل لبنان الشمالي، فيما مطمر الكوستابرافا سيستقبل نفايات الضاحية الجنوبية وجبل لبنان الجنوبي، على أن يُعاد فتح مطمر الناعمة لاستقبال النفايات الموجودة في الشوارع وفي مراكز التجميع المؤقتة. يبقى لغز نفايات بيروت، حيث جرى التوافق على نقل أكثر من 200 طن من نفايات العاصمة إلى معمل الفرز في صيدا. أما الكمية المتبقية، فلم يُفصح وزير الداخلية نهاد المشنوق أمس، لزملائه في اللجنة، عن وجهتها. قال لهم: «لا تحملوا همّ نفايات بيروت. بلدية العاصمة ستجد حلاً». وقد جرى الحديث عن عِقار في الشويفات أيضاً، تملكه بلدية بيروت، لاستخدامه لمعالجة نفايات العاصمة، لكن لم يحسم أحد من السياسيين ذلك. كذلك لم يحسم أعضاء اللجنة الوزارية أن جلسة اليوم ستُنتج حلولاً، معبّرين عن خشيتهم من شياطين التفاصيل، وعلى رأسها «الحوافز» التي ستُوَزّع في ساحل المتن الشمالي، ومحيط الكوستابرافا.