ثلاثة مؤشرات إيجابية عدلت المزاج السياسي في البلاد، على الرغم من وطأة الضغوطات الاقتصادية على البلاد، والمخاوف من رياح أمنية تهب من الشمال تصدى لها الجيش اللبناني، أمس، في رأس بعلبك، والإجراءات المترتبة على الأزمة التي تسبب بها «حزب الله» بين لبنان والمملكة العربية السعودية:
1- البشارة التي زفها الرئيس سعد الحريري، إلى اللبنانيين ليل أمس، بأن النفايات ستزال من الشوارع خلال أيام، في ضوء اجتماعات اللجنة الوزارية المكلفة معالجة هذه الأزمة، والتي قطعت ثلثي الطريق أمس إلى الحل، وتستكمل البحث في الثلث المتبقي في جلسة تعقد اليوم، وهي دخلت في سباق مع تظاهرة الحراك المدني غداً، على ان يتم اليوم بذل جهد استثنائي لإنجاز التفاهم الحكومي على توزيع المطامر، تمهيداً لدعوة مجلس الوزراء لإقرار صيغة الحل.
2- ارتفاع منسوب الآمال على إنهاء الشغور الرئاسي فإذا لم يكن في جلسة 23 الحالي، أي بعد حوالى أسبوعين فيمكن ان يكون في الجلسة التي تلي حتى ولو كانت في نيسان، وفقاً لما قاله الرئيس الحريري، في المقابلة التي أجرتها معه المؤسسة اللبنانية للارسال L.B.C.I الليلة الماضية، والتي خصص القسم الأكبر منها لشرح الدوافع التي أدّت إلى مبادرته لترشيح النائب سليمان فرنجية، معلناً التزامه بهذا الترشيح، واصفاً اياه بأنه «ترشيح توافقي لا كسر عضم فيه ولا استفزاز لأحد»، وهو أحد المرشحين الأربعة الذين اتفق عليهم لقاء بكركي باعتبارهم المرشحين الاقوياء في البيئة المسيحية المارونية.
واعتبر الرئيس الحريري ان نزول 72 نائباً إلى مجلس النواب في آخر جلسة له كان يمكن ان يرتفع ليقارب النصاب، في ما لو شارك نواب كتلة المرشح فرنجية (4 نواب)، مسجلاً على هذا الصعيد ثلاث نقاط مفصلية: اعتبار النصاب 86 نائباً كما حدده الرئيس نبيه برّي، تفهمه لغياب فرنجية عن الجلسة السابقة وإن كان من الأفضل لو شارك، وإعلانه رفضه المطلق ان يطلب أحد منه تأمين أصوات للنائب ميشال عون.
ورفض الرئيس الحريري ان يكون هو المسؤول عن عدم انتخاب عون للرئاسة «فالمشكلة ليست عندي وهناك الرئيس برّي والنائب وليد جنبلاط وحلفائه من مسيحيي 14 آذار»، منتقداً بقاء البلد في الكارثة، حيث ان كل مرسوم يحتاج إلى توقيع 24 وزيراً، وبالتالي فإن انتخاب الرئيس أفضل بمرات من بقاء الفراغ قائماً.
3- وضع استقالة الحكومة جانباً، الأمر الذي يريح الأوساط السياسية، باستثناء «التيار الوطني الحر» الذي أعلن وزيره الياس بو صعب قبل اجتماع السراي ان على الحكومة ان تستقيل إذا لم تحل أزمة النفايات في غضون أسبوع.
وإذا كان وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق اعتبر ان الحل لا يكون بالقوة، في إشارة إلى الجيش وقوى الأمن، بل بالحوافز، معتبراً ان البحث ما يزال ينحصر في توزيع المطامر على المناطق ومصير نفايات العاصمة، أوضحت مصادر وزارية شاركت في اجتماع السراي أمس لـ«اللواء» ان إعادة فتح مطمر الناعمة لا يزال الأفضل صحياً، في إطار الحل السريع المتمثل برفع النفايات من الشوارع وطمرها على الفور.
واملت مصادر وزارية ان يكون اجتماع اللجنة اليوم هو الأخير قبل دعوة مجلس الوزراء للاجتماع، وقالت انها باتت أقل تشاؤماً من المرات السابقة، لكنها حذّرت من ان المشكلة تكمن في التفاصيل، رافضة الإفصاح عنها.
العلاقة مع حزب الله
ومع هذه المؤشرات الإيجابية، التي لعب الرئيس الحريري دوراً رئيسياً فيها، قالت مصادر سياسية واسعة الاطلاع لـ«اللواء» ان المواقف التي اعلنها أمس، لا سيما من «حزب الله» من شأنها ان تفتح الباب امام استمرار الاتصالات السياسية لتعزيز مناخات الاستقرار وابعاد شبح التداعيات السورية، بصرف النظر عن مسار جنيف السوري والمرشح ان ينعقد في بحر أسبوع بدءاً من الاثنين المقبل.
وكان الرئيس الحريري ناشد الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله بإعادة النظر بادائه السوري والخليجي قائلاً: «انا عدت إلى لبنان واتمنى ان تعود ايضاً»، مشدداً على ضرورة ان يولي السيّد نصر الله مصلحة لبنان على ما عداها، فلبنان قبل سوريا، موجهاً اللوم إلى «حزب الله» على عدم نزوله إلى مجلس النواب لانتخاب الرئيس، ومعلناً بما لا يقبل الجدل انه ليس في معرض الدفاع عن حزب الله الذي قام بأعمال نظرت إليها دول الخليج بأنها إرهابية.
وإذ اعتبر حزب الله مكوناً اساسياً في البلد من الضروري المحاورة معه والمشاركة معه في السلطة، مشيراً إلى انه اذا أثبتت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ان المتهمين الخمسة الذين ينتمون إلى الحزب هم الذين قتلوا الرئيس رفيق الحريري فإن ذلك سيكون «وصمة عار للحزب»، داعياً إياه إلى تسليم هؤلاء إلى المحكمة الدولية، مدافعاً عن الحوار مع الحزب، لأن الحوار يكون مع الخصم وليس مع المتفق معه في السياسة، مشيراً إلى أن الحوثيين ذهبوا إلى الرياض للتفاهم على مفاوضات تضع حلاً نهائياً للحرب اليمنية،معرباً عن اعتقاده بأن لا شيء يمنع اللقاء مع نصر الله «إذا كان في ذلك مصلحة للبنان»، داعياً الحزب لبناء الثقة، إبتداءً من إنتخاب رئيس للجمهورية، مذكّراً الحزب بأنه لم يتضامن معه عندما وصفه النظام السوري بأنه إرهابي لأنه يدعم الثورة السورية، واصفاً أعمال حزب الله بأن 60 ألف مرّة خطأ.
وأكد الرئيس الحريري، في مجال متصل، أن لبنان يعود إلى العرب عند انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة فعّالة وتعزيز الحوار الوطني، واصفاً الإجراءات الخليجية ضد حزب الله بأنها أحرجت كل اللبنانيين، وأن كل اللبنانيين متضررون منها، معتبراً أن «حزب الله» إذا نظر إليها بأنها لا تعنيه فإن في الأمر مشكلة.
ورداً على ما قاله الوزير جبران باسيل من أنه بين الوحدة الوطنية والإجماع العربي يفضّل الوحدة الوطنية، تساءل الحريري: عن أي وحدة وطنية يتحدث إذا كان حزب الله يقوم بأعمال عسكرية خارج البلاد، فنحن ضد حرب حزب الله في الخارج، ولا أحد «يحكينا» بالوحدة الوطنية، فهذا كذب.
ورداً على سؤال آخر، أكد الحريري «أنا خارج الدم، واجبي تجنيب البلد أزمة»، معيداً إلى الذاكرة كيف أن الحرب دمّرت بيروت، مؤكداً عدم تخليه عن الشعب السوري، متهماً الرئيس السوري بشار الأسد بأنه دمّر سوريا.
وفي ما يتعلق بـ14 آذار أكد عدم تخليه عن تحالفاته مع هذه القوى، متوقفاً عند العلاقة التي تشكّلت بينه وبين رئيس الكتائب النائب سامي الجميّل، نافياً الخلاف مع رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع عدا موضوع انتخاب الرئيس.
وفي ما خص لملمة «البيت السنّي» رحّب الحريري بزيارة للرئيس نجيب ميقاتي لبيت الوسط في أي وقت، كاشفاً أن لقاءه مع الوزير السابق عبد الرحيم مراد جرى التحضير له منذ فترة طويلة، مؤكداً أن هذا البيت لن يُغلق في وجه أحد.
وشدّد على أن الانتخابات البلدية في بيروت ستكون مناصفة، وفي طرابلس بالتوافق، تاركاً أمر انتخابات صيدا لنائب المدينة بهية الحريري.
معركة رأس بعلبك
ميدانياً، وفي خطوة مفاجئة اعتمدت عنصر المباغتة، نفّذت فجر أمس، وحدة من قوات النخبة في الجيش اللبناني عملية نوعية وخاطفة خلف خطوط المجموعات الإرهابية في منطقة جرود رأس بعلبك، وهي تنتمي إلى تنظيم «داعش» كانت تتمركز على مسافة ثلاثة كيلومترات من مراكز الجيش الأمامية وفقاً لبيان مديرية التوجيه في الجيش.
ونعت القيادة جندياً هو الشهيد محمّد حسام السبسبي الذي شيّع في بلدته ببنين عكار، مشيرة إلى إصابة ثمانية عسكريين بجروح، ومقتل خمسة من «داعش» وعشرات الجرحي، بالإضافة إلى تدمير منشآت المركز المعادي.
وكانت قيادة الجيش تابعت وقائع العملية من اليرزة، حيث أكد قائد الجيش العماد جان قهوجي في لقاء مع كبار الضباط أن الجيش لن يترك كرة النار الإقليمية تتدحرج إلى لبنان، وهو سيواجه أي محاولة تهدف إلى إحياء مشاريع الفوضى والفرقة والتقسيم أو الإطاحة بصيغة العيش المشترك والوحدة الوطنية.