ببشرى زفّها إلى كلّ اللبنانيين وأكد فيها أنّ أزمة النفايات باتت «في نهاياتها وستزال عن الطرقات خلال الأيام الثلاثة المقبلة»، استهلّ الرئيس سعد الحريري إطلالته المتلفزة مساء أمس، مسطّراً خلالها جملة مواقف وطروحات وطنية جامعة همّها الأساس إنقاذ البلد ومد جسور الوحدة بين أبنائه تحت راية الدولة و«حقّها الدستوري» الذي لا يعلو عليه أي حق سياسي أو فئوي أو شخصي. فبعدما أضاء على واقع الأخطار الاقتصادية والاجتماعية والحياتية والإنمائية والمعيشية والمؤسساتية تحت وطأة استمرار الفراغ الرئاسي، جدد الحريري التزامه دعم ترشيح النائب سليمان فرنجية، مذكراً بأنّ الخوف من الفراغ كان الدافع الرئيس وراء إطلاق مبادرته الرئاسية، ومشدداً على كون المعطلين لجلسات انتخاب الرئيس إنما يريدون استمرار الفراغ. وفي رسالة مباشرة بالغة الدلالة في التحذير من مغبة إمعان «حزب الله» في التدخل العسكري والأمني في الشؤون الداخلية العربية لما لذلك من انعكاسات ملموسة على مصالح الوطن وعموم اللبنانيين، توجّه الحريري إلى أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله بالقول: «عُد إلى لبنان، عليه أن ينظر إلى مصلحة الوطن قبل مصلحة أي دولة أخرى، لبنان بحاجة إلى رئيس جمهورية وإلى استقرار ولا ينفع الترقيع الذي يحصل».

الحريري، وفي مقابلة مباشرة على الهواء مع الزميل مارسيل غانم عبر شاشة «أل. بي. سي»، شدد على أنّ «بناء الثقة» يكون بانتخاب رئيس للجمهورية، جازماً في مقابل ما يُنشر عن إحصاءات حول تمثيل المرشحين لسدة الرئاسة الأولى بأنّ «100% من اللبنانيين يريدون رئيساً (...) ومن لا ينزل إلى مجلس النواب هو من يريد الفراغ». ولفت الانتباه إلى أنّ جزءاً من دعمه مرشحاً من 8 آذار يعود إلى رغبته في «مد اليد إلى الفريق الآخر للقول إنّ البلد لا يُبنى إلا مع بعضنا البعض»، مضيفاً رداً على سؤال: «أنا لا أوقف انتخاب العماد ميشال عون فليذهبوا إلى المجلس وإذا فاز أنا أول شخص سأقول له أنت رئيس جمهوريتي مبروك».

وعما يُقال عن «حق دستوري» لتبرير مقاطعة جلسات الانتخاب، سأل: «أين الحق الدستوري عندما يذهبون إلى سوريا واليمن والبحرين والكويت؟»، وشدد على أنّ «الكرة في ملعب «حزب الله» لأنه هو من يمنع الانتخابات»، لافتاً إلى أنّ «المشكلة تكمن في وجود فريق لا يريد إلا التعطيل والفراغ ومنذ العام 2007 كان همهم (حيازة) الثلث المعطل». وفي إطار نفيه أن يكون «مستقتلاً» على تولي سدة رئاسة الحكومة، أشار إلى أنّ من يتحدث عن «سلة» متكاملة تشمل الحكومة وقانون الانتخابات النيابية «لا يريد انتخاب رئيس فيضع أمراً تعجيزياً»، معرباً في المقابل عن ثقته بقرب انتخاب الرئيس وموافقاً في هذا المجال رئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع على توقعه إنجاز الاستحقاق في شهر نيسان المقبل.

وإزاء توصيف «حزب الله» بالإرهابي من قِبل دول مجلس التعاون الخليجي، سأل: «يذهب إلى اليمن ويهدد الأمن السعودي ويذهب إلى الكويت والبحرين والإمارات ويلعب بالأمن الخليجي، ماذا تريد من الناس أن تقول عنه؟ ماذا يمكن أن يكون هذا العمل غير عمل إرهابي؟»، واستغرب كيف أنّ الحزب يُطالب بالتضامن معه اليوم بينما لم يقل أي أحد من «حزب الله» ولا من 8 آذار كلمة واحدة للدفاع عن سعد الحريري حين قال عنه النظام السوري إنه إرهابي. وتساءل كيف يمكن أن يصبح قتال «حزب الله» في اليمن أشرف من قتال إسرائيل «وأشرف من تحرير أرضك وناسك؟ ماذا يقول لكل الذين استشهدوا على الأراضي اللبنانية؟». وأردف في الموضوع نفسه: «لا يمكن لحزب الله أن يقوم بما يقوم به في الخليج وهو غير حاصل على الإجماع اللبناني (...) يذهب ويفعل «العشرة وذمتها» ويقول «بدك تدافع عني لا حبيبي ما رح دافع عنك»، ما تفعله خطأ و60 ألف خطأ، عندما ذهب «حزب الله» إلى اليمن والبحرين والكويت هل فكّر بالوحدة الوطنية؟». 

وعن اعتبار وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أنّ «حزب الله» هو من يحكم لبنان، أجاب: «بالفيتو الذي يفرضه الحزب في البلد يعطي انطباعاً بذلك ولكن ليس «حزب الله« الذي يدير البلد«، كما علّق على قول الجبير إنّ إطلاق المجرم ميشال سماحة ليس مؤشراً لاستقلال الجيش اللبناني مكتفياً بالقول: «هناك جلسة في 7 نيسان وسنرى حينها أين سيصل هذا القرار وعندها لكل حادث حديث»، مشيراً إلى أنّ ضباط المحكمة العسكرية الذين أصدروا قرار تخلية سماحة جرى تبديلهم من قبل قيادة الجيش.

أما موضوع الحوار مع «حزب الله» فوضعه الحريري في إطار الحوار مع الخصوم وتنفيس الاحتقان السني - الشيعي، ونوّه بمساعي رئيس مجلس النواب نبيه بري للحفاظ على الاستقرار في البلد، قائلاً: «الرئيس بري قمة الاعتدال يحمي لبنان بكل وسيلة بيده، وفعلاً حتى الآن هو العنصر البناء لنصل إلى بعض الحلول السياسية». وعن رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط أكد الاتفاق معه «على أن نستمر معاً في السراء والضراء».

ورداً على سؤال حول إمكانية عقد لقاء بينه وبين نصرالله أجاب: «رأيتُه سابقاً لكن أنت اليوم تقول لي هل اليوم سأذهب لرؤيته؟ لا، هناك أمور يجب أن تتم كي نبني الثقة»، مشيراً إلى أنّ أولى خطوات إعادة بناء الثقة تكون بانتخاب رئيس للجمهورية.

الحريري الذي جدد التأكيد على متانة علاقاته مع الحلفاء ونبّه من مغبة الاستماع إلى ما يقوله المصطادون في الماء العكر ولا سيما بعد زيارته الأخيرة لزحلة، جزم عشية ذكرى الرابع عشر من آذار بأنّ «مشهد 14 آذار لا أحد يمكنه إنهاؤه»، وأضاف: «لا شك أنّ هناك بعض الاختلافات في المواقف السياسية لكنني أقول إنّ الناس ما زالت في هذه الساحة وروح 14 آذار ستبقى (...) وفي مكان ما علينا أن نحقق وحدة اللبنانيين ويجب أن نجتمع كلنا حتى نعود ونبني لبنان».

وفي حين رفض رفضاً قاطعاً طرح وزير الخارجية جبران باسيل التفاوض مع الحكومة السورية بشأن موضوع النازحين، ذكّر الحريري بأنّ بشار الأسد «مجرم يقتل شعبه ولا نريد أن نرسل الناس كي تُذبح»، وأعرب عن ثقته بأنّ الأسد سيسقط عاجلاً أم آجلاً ومثلما فشل الإيرانيون و«حزب الله» في إنقاذ النظام السوري «سيحصل مع الروس الشيء نفسه لأنه لا يمكن لأحد اضطهاد 23 مليون سوري».

وختم الحريري، موجّهاً كلمة إلى كل اللبنانيين فقال: «لا تفقدوا الأمل، يجب أن ندافع عن البلد بكل ما نملك».