وسط مشهد سياسي وحكومي يزداد تقهقراً وتراجعاً يوماً بعد يوم وترسم عجائب المد والجزر في أزمة النفايات معالمه الأشد قتامة وسواداً، عادت التطورات الميدانية على الحدود الشرقية اللبنانية - السورية أمس لتحدث اختراقاً في هذا المشهد وربما أعادت تذكير اللاهين بالألاعيب السياسية العقيمة بخطر لا يزال ماثلاً في كل لحظة. لكن العامل الايجابي الوحيد الذي أبرزه التطور الميداني الجديد أمس تمثل في اثبات الجيش تكراراً قدراته المتنامية في القيام بعمليات استباقية ضد مواقع تنظيم "داعش "الذي بات في الفترة الأخيرة يتفوق على منافسته "جبهة النصرة" في احتلال الخط المواجه للانتشار العسكري من جهة الحدود وبعضها الآخر المتداخل مع الحدود اللبنانية. واكتسبت العملية الاستباقية الجديدة للجيش فجر امس والتي جاءت بعد نحو شهر من عملية مماثلة نفذها الجيش وأدّت آنذاك الى مقتل ستة ارهابيين من "داعش" وتوقيف 16 آخرين من التنظيم أبعاداً بارزة لجهة اثبات القدرة العملانية للجيش على منع مضي التنظيم في تحصين مواقعه الاستراتيجية المشرفة على مواقع عسكرية وعلى المنطقة الجردية في رأس بعلبك وحتى خلف خطوط المواجهة. وعلمت "النهار" ان الجيش قام بالعملية التي استهدفت احدى التلال في منطقة خلف في جرود رأس بعلبك بعدما رصد تكثيفاً للتحركات المشبوهة لعناصر "داعش" ومحاولات تسلل عدة في اتجاه مراكز الجيش، كما توافرت معلومات امنية عن عزم "داعش" على تنفيذ عمل أمني ضد مراكز الجيش انطلاقاً من المنطقة التي تعرف بـ"تلة 64" والتي تعتبر الأكثر تهديداً من موقعها الاستراتيجي لقربها من مراكز الجيش.
وفي ظل هذه المعطيات نفذت وحدات من الفوج المجوقل هجوماً فجر أمس استهدف مواقع "داعش" في هذه المنطقة تحت غطاء مدفعي وصاروخي كثيف وبمساهمة من مروحيات الجيش وأدت العملية الى سيطرة الجيش على الموقع بعد اقتحام تحصيناته وأوقعت خمسة قتلى في صفوف المسلحين وعشرات الجرحى وتدمير منشأت المركز والآليات الموجودة فيه واستشهد في العملية الجندي محمد حسام السيد السبسبي.
وأعلن قائد الجيش العماد جان قهوجي ان العملية هي "رسالة للقاصي والداني ان الجيش يمتلك الارادة والقرار في هزيمة هذا العدو"، مؤكداً "اننا سنهزمه وسنمنعه من تحقيق أهدافه في تخريب بلدنا واقامة اماراته ومشاريعه واشاعة الفوضى والفتنة فيه". وقال: "لن نسمح للارهاب بنسف بيتنا الداخلي"، متعهدا ضرب الارهابيين "بكل قوة وبحسب توقيت الجيش لاننا لن نتركهم يأتون الينا بل سنلاحقهم أينما وجدوا".

الحريري
اما على الصعيد السياسي، فاكتسبت الاطلالة التلفزيونية للرئيس سعد الحريري عبر برنامج "كلام الناس" من "المؤسسة اللبنانية للارسال" دلالات بارزة وخصوصاً لجهة المواقف والاتجاهات التي عبر عنها الحريري في الملف الرئاسي. ذلك ان الحريري أبدى تفاؤلا لافتاً بامكان انتخاب رئيس للجمهورية في وقت قريب انطلاقا من حركته الضاغطة التصاعدية من اجل تحقيق هذا الهدف. واذ شدد مرات عدة على أولوية انتخاب الرئيس، قال إنه يوافق رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع على انتخاب الرئيس في نيسان، لافتاً الى "اننا كنا في الجلسة الأخيرة 76 نائباً ويمكن ان نصل بسهولة في الجلسة المقبلة الى 81 نائباً وقد نصل الى نصاب الجلسة القانوني قريباً". وأعرب عن "عدم تشاؤمه بامكان انتخاب الرئيس في الجلسة المقبلة أو التي تليها"، معتبراً ان انتخاب رئيس الجمهورية "هو مفتاح لعودة لبنان الى الحضن العربي".
وأكد استمرار الحوار بين "تيار المستقبل" و"حزب الله"، داعياً الحزب الى النزول الى مجلس النواب، خصوصاً أن المرشحين للرئاسة اليوم هما من 8 آذار "ويكفي تحجج في هذا الموضوع ويجب احترام الدستور أولاً وأخيراً". وفي موضوع تورط "حزب الله" في الصراعات العربية توجه الحريري الى الامين العام للحزب قائلاً: "أنا عدت الى لبنان واتمنى ان تعود أنت أيضاً الى لبنان". اما في أزمة النفايات فبدا الحريري واثقاً من وصول الازمة الى نهاياتها "وستزال النفايات عن الطرق في هذين اليومين أو الثلاثة المقبلة".

 

نص نص؟
في غضون ذلك، لم يؤد الاجتماع الثاني للجنة الوزارية المكلفة ملف النفايات أمس الى نتائج حاسمة مرة جديدة على ان تعود الى الاجتماع بعد ظهر اليوم. وأبلغت مصادر وزارية "النهار" ان الأمور واقفة عند مطمر الكوستابرافا، مشيرة الى ان الجهود ستستمر اليوم لإنجاز الحل. وأوضحت ان الكلام عن أجواء سلبية جاء في القسم الاول من اجتماع اللجنة، لكن الصورة تغيّرت لاحقاً. وأضافت ان تهديد رئيس الوزراء تمام سلام بالاستقالة لم يعد وارداً، مشيرة إلى ان حل النفايات يقطع الطريق على التصعيد غداً السبت. وذكر بأن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي-مون سيصل الى لبنان قبل نهاية الشهر مما يستدعي وجود حكومة تجري محادثات معه.
وأوضح وزير الداخلية نهاد المشنوق ان اللجنة انهت ثلثي الحل وكل القوى تعمل بجدية لمعالجة العقد. وأفادت معلومات ان اجواء الجزء الاول من اجتماع اللجنة امس كانت مشحونة لدى البحث في المطامر ومواقعها والحوافز الواجب إعطاؤها للبلديات التي ستستضيف مطمراً بعدما تقرّر فتح الباب أمام كل البلديات الراغبة في معالجة نفاياتها وبعدما تجاوز البحث ثلاثة مواقع. وترافق هذا التخبُّط في التفاصيل مع حال من الاستياء بلغها رئيس الوزراء الذي لن يستقيل كما يقول زواره بل علّق الجلسات الى حين معالجة النفايات.
وعلم ان المطروح بدلاً من الكوستابرافا قطعة أرض في الشويفات داخل حي السلم وقريبة من البيوت وبلدية بيروت صاحبة العقار ترفض تحويلها الى مطمر أو معمل للمعالجة.
وفيما خاض المجتمعون في تفاصيل إيجاد المطامر والحوافز الواجب إعطاؤها للبلديات، بقي التباين قائماً بين من يقول بالحسم من جانب الحكومة وبتأمين الحماية للمطامر ولشاحنات النقل، ومن ينتظر تأمين التوافق أو الإجماع غير المتوافرين وغير الممكنين في ظل المزايدات والمغالطات التي سادت لدى الرأي العام وبات من الصعب تبديلها. لكن النقاش افضى الى فتح باب المرونة على قاعدة توفير القرار السياسي والقرار المالي بحيث توزع نفايات بيروت على كل المطامر كما يجري العمل على مخرج للكوستابرافا وبرج حمود والاستعانة موقتاً بالناعمة. وفهم ان ثمة اتجاهاً الى تكثيف الحوافز بما يرفع الكلفة للحل الذي سيعتمد خصوصا وسط الاتجاه الى استعجال الحل قبل حلول الطقس الحار.