بعث الجيش اللبناني من خلال العملية الاستباقية التي استهدفت، فجر أمس، مواقع «داعش» في «تلة المخيرمية» في جرود بلدتي رأس بعلبك والقاع، رسائل في أكثر من اتجاه، وذلك ترجمة لاستراتيجيته الجديدة في التعامل مع المجموعات الإرهابية «من حيث التقاط زمام المبادرة ومباغتة العدو في أوكاره ومخابئه وعدم انتظاره والوقوف في موقف ردة الفعل» على حد تعبير مرجع أمني واسع الاطلاع.
وهذه الاستراتيجية التي لا تتيح للمجموعات الارهابية لا الاسترخاء في مواقعها الحالية، ولا امتلاك زمام المبادرة الهجومية، انعكست ايجابا ليس فقط على مستوى أهالي منطقة البقاع الشمالي، بل ايضا على مستوى العسكريين المنتشرين على طول جبهة القتال في منطقة الحدود الشرقية.
ومن حسنات العملية أنها أعادت تذكير اللبنانيين جميعا، وخصوصا حكومتهم الغارقة في نفاياتها السياسية و«الطبيعية»، بأن هناك نحو 3 في المئة من أرضهم محتلة (300 كلم2 من أصل 10452 كلم2)، وبالتالي لا يجوز التعامل مع هذا الخطر الارهابي بصورة موسمية، كما حصل في لحظة تبادل الأسرى العسكريين، عندما احتج كثيرون على انتشار أعلام «جبهة النصرة» في جرود عرسال المحتلة أصلا منذ مطلع آب 2014!
ومن حسنات العملية أنها تأتي أيضا على مسافة أقل من شهر من قرار القيادة السعودية بحجب برنامج المساعدات العسكرية المقررة للجيش من خلال هبة الثلاثة مليارات دولار زائدا واحدا، وغداة المواقف التي أطلقها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير وتضمنت سلسلة اتهامات للجيش اللبناني أبرزها «أنه ليس مستقلا عن حزب الله»!
ومن حسنات العملية أنها تقدم أمام الرأي العام اللبناني والعربي، وحتى العالمي، «عينة» عن روح معنوية وقتالية عالية عند الجيش اللبناني، وهي النقطة التي تجعل جنوده يقدمون على ما لا تقدم عليه لا جيوش «التحالف الاسلامي» ولا جيوش «التحالف الدولي»، برغم الشح في الامكانيات.. والأخطر برغم الخطوط الحمراء السياسية التي تجعل الجيش، في عرسال وجرودها، لا يقدم على تنفيذ عمليات نوعية، مخافة أن تفسر بأنها تصب في خانة هذا أو ذاك من معسكرات الاشتباك الاقليمي المفتوح على مصراعيه.
ومن حسنات العملية أيضا أنها لا تجري فقط ضمن الهوامش العسكرية وحتى السياسية المتاحة، بل على قاعدة معلومات استخباراتية دقيقة يملكها الجيش وباقي المؤسسات الأمنية، وهي ان دلت على شيء انما على سعي المجموعات الارهابية الى تكرار محاولات التسلل الى العمق اللبناني، فضلا عن محاولة خطف عسكريين جدد.
وعلم أن مخابرات الجيش، تمكنت في موازاة عملية الأمس، من إلقاء القبض على ثمانية إرهابيين، قدموا مؤخراً إلى لبنان، من الزبداني، للقيام بأعمال إرهابية، على أن يغادروا لبنان، لفترة وجيزة ثم يعودون اليه مجدداً، فيما رصدت محاولات لأمير «النصرة» في القلمون أبو مالك التلي من أجل اعادة استنهاض بعض «الخلايا النائمة» في منطقة الشمال وخصوصا في طرابلس.
وبناء على هذه المعطيات، رفعت القوات العسكرية حالة الاستنفار والتأهب في صفوف وحداتها مع زيادة العديد ورفع الجهوزية الأمنية والعسكرية إلى الحدود القصوى، درءا للخطر.
ولم يقتصر الاستنفار وتكثيف الجهوزية على الشمال والبقاع الشمالي بل اتخذت إجراءات مكثفة في بيروت والضاحية وفي محيط بعض المخيمات الفلسطينية.
عملية الجرود
وأكد مرجع أمني لـ «السفير» أن قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي أشرف من غرفة العمليات العسكرية في قيادة الجيش في اليرزة على عملية جرود رأس بعلبك والقاع الإستباقية، حيث تولى اعطاء أمر الهجوم الذي نفذته قوة من المشاة اقتحمت موقعا لـ«داعش» على بعد أكثر من ثلاثة كيلومترات من مراكز الجيش في الجرود، وتمكنت في سرعة قياسية من اقتحامه تحت غطاء مدفعي وصاروخي كثيف واسناد جوي قامت به طائرات عسكرية مروحية، وكانت المحصلة تدمير مركز الإرهابيين وتحصيناتهم وذلك بعد اشتباك دام معهم أسفر عن مقتل خمسة وجرح العشرات منهم.
وقد سقط للجيش خلال العملية شهيد هو العريف محمد حسام السبسبي الذي شيع عصر أمس في مسقط رأسه بلدة ببنين العكارية، فيما أصيب 15 جندياً آخرون بجروح وتم نقلهم الى مستشفيات منطقة البقاع الشمالي.
قهوجي: لنا توقيتنا
وتعليقا على العملية اعتبر العماد قهوجي أن ما قام به العسكريون أمس هو رسالة للقاصي والداني بان الجيش «يمتلك الإرادة والقرار في هزيمة هذا العدو ومنعه من تحقيق أهدافه بتخريب بلدنا وإقامة إماراته ومشاريعه وإشاعة الفوضى والفتنة فيه».
وأكد قهوجي أن عيون الجيش «يقظة أكثر من أي وقت مضى»، مضيفاً «قلناها ونكررها اليوم: جيشنا قوي أكثر من أي وقت مضى، وأثبت انه من أكثر الجيوش تماسكا وجدارة في قتال الإرهابيين، وهو يمتلك الارادة وزمام المبادرة، ولن نسمح للإرهاب بنسف بيتنا الداخلي أو بتهديد وحدة لبنان وأمنه واستقراره». وأكد ان الجيش «سيضرب الإرهابيين بكل قوة وحزم، وبحسب توقيته». واضاف «نحن لن نتركهم يأتون إلينا، بل سنلاحقهم وسنضربهم اينما تواجدوا في عمق اوكارهم ومخابئهم، هذا هو قرارنا الذي اتخذناه ولا رجعة عنه».
وجدد قهوجي التأكيد ان الجيش «لن يترك كرة النار الإقليمية تتدحرج إلى لبنان، وسيواجه أي محاولة تهدف إلى إحياء مشاريع الفوضى والتفرقة والتقسيم، أو إطاحة صيغة العيش المشترك والوحدة الوطنية».
300 كلم 2 محتلة
يذكر أن تنظيمي «النصرة» و «داعش» يحتلان نحو ثلاثمائة كيلومتر مربع من الأراضي اللبنانية في جرود عرسال ورأس بعلبك والقاع. وتتوزع مساحة الـ 300 كيلومتر المحتلة في الجرود اللبنانية ما بين نحو خمسين كيلومتراً مربعاً مع «النصرة»، و250 كيلومترا مربعاً مع «داعش». وتبعد مواقع التنظيمين بخط تماس يتراوح ما بين 3 إلى 7 إلى 11 كيلومترا عن مواقع «حزب الله» من جهة، وعن مواقع الجيش اللبناني من جهة ثانية.
الحريري: إنهاء الفراغ في نيسان
الى ذلك، وعلى الصعيد السياسي، شدد الرئيس سعد الحريري على وجوب انهاء الفراغ في رئاسة الجمهورية، متوقعا انتخاب الرئيس في نيسان المقبل «ولكن ليس في أوله»، وجدد، في مقابلة مع الزميل مارسيل غانم في برنامج «كلام الناس»، امس، تمسكه بدعم ترشيح النائب سليمان فرنجية، داعيا كل الاطراف للمشاركة في حضور جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، حتى لو ادى ذلك الى انتخاب العماد ميشال عون.
واكد الحريري استعداده للقاء الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله «إذا كانت هناك مصلحة وطنية في ذلك»، داعيا السيد نصر الله الى «العودة الى لبنان» واعطاء الاولوية لمصلحة لبنان قبل أي مصلحة اخرى، مكررا حملته على دور الحزب في بعض الدول العربية، ورأى ان الإجراءات الخليجية أحرجت جميع اللبنانيين