في سياق متطابق مع ما كانت «المستقبل» قد أوردته عشية الحوار، أعاد رئيس مجلس النواب نبيه بري بوصلة النقاش خلال جلسة الأمس إلى جدول الأعمال، لكنه ورغم محاولته الدفع باتجاه البحث في سبل تفعيل العمل النيابي مع ما يقترن به من مواضيع متصلة بالقانون الانتخابي والموازنة العامة، عاد البند الرئاسي ليطرح نفسه بقوة على الطاولة تحت وطأة ما شهدته الجلسة من تكرار الوزير جبران باسيل لازمة «المظلومية» العونية التي تحاول تبرير النهج التعطيلي للاستحقاق بذريعة الإخلال بالميثاقية وتهميش «الأكثرية المسيحية»، الأمر الذي اضطر رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية إلى التصدي بحزم لما بدا في كلام باسيل من محاولة لفرض ميثاقية «إلغائية» على الساحة المسيحية متوجهاً إليه بالقول: «لستم الوحيدين الذي تمثلون المسيحيين، لكم وجودكم ولنا وجودنا ولا قدرة لكم على إلغاء الآخرين». 

وفي التفاصيل، كما نقلتها مصادر المتحاورين لـ«لمستقبل»، أنّ النقاش الرئاسي كان قد استهله رئيس «حزب الكتائب» النائب سامي الجميل حين شدد على وجوب وقف تعطيل النصاب في الجلسات الرئاسية وضرورة احتكام المرشحين إلى اللعبة الديموقراطية بعد دعم قطبين من 14 آذار مرشحيْن من 8 آذار، معتبراً أنّ ذلك أدى إلى كسر الانقسام العمودي بين 14 و8 آذار بشكل بات يؤمن «الميثاقية» اللازمة لإتمام الاستحقاق ربطاً بحيازة كل من المرشحين الحيثية التمثيلية وتلقي كل منهما دعماً متعدد المذاهب والطوائف، في حين طالب الوزير بطرس حرب بإعطاء «مهلة شهر» لتأمين التوافق على أحد المرشحين وإلا النزول إلى مجلس النواب والاحتكام لصندوق الاقتراع. 

على الأثر، طلب ممثل رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» على طاولة الحوار الكلام معتبراً أنّ هناك «محاولة لتصغير الإشكالية الرئاسية»، وقال باسيل: «المشكلة عميقة وتتعلق بالميثاقية المفقودة منذ عام 1990، فما كان يجري قبل اتفاق الطائف الذي انتزع صلاحيات من رئيس الجمهورية يختلف عما يجري اليوم»، بحيث تحدث عن تهميش القيادات المسيحية التي تتمتع بالحيثية الشعبية، مطالباً في المقابل بإجراء الانتخابات النيابية بالتزامن مع الانتخابات البلدية. غير أنه لم يُجب على سؤال نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري عن قانون الانتخاب الذي ستتم على أساسه الانتخابات النيابية.

عندها توجّه فرنجية إلى باسيل بالقول: «ما أوصلنا إلى ما وصلنا إليه عام 1990 يتحمل تيارك (الوطني الحر) مسؤوليته، فلو حصلت تسوية حينذاك لما كان أصاب المسيحيين إجحاف بحقوقهم»، مذكراً إياه بأنّ مواقف «التيار الوطني» هي التي أوصلت إلى إقرار دستور الطائف وأسفرت عن انتزاع جزء من صلاحيات رئيس الجمهورية ومن بينها قدرته على حلّ مجلس النواب. وأردف فرنجية متسائلاً: «منذ العام 2005 وأنتم في السلطة فماذا فعلتم سوى أنكم تشاركون في الحكم وتتصرفون كمعارضة؟». وأضاف: «أما بالنسبة لمسألة التمثيل الشعبي فنحن موجودون قبلكم ومعكم وسنبقى موجودين بعدكم إلا إذا كنتم تعتقدون أنّ اتفاقكم مع «القوات اللبنانية» يستطيع إلغاء الآخرين»، لافتاً انتباه باسيل إلى أنّ «شركة الإحصاءات التي منحتكم 86% من تمثيل المسيحيين هي نفسها كانت قد منحت إميل لحود أكثرية شعبية أيام التمديد لولايته مع العلم أنّ أكثرية اللبنانيين لم يكونوا يؤيدونه».

إزاء ذلك، أشارت المصادر إلى أنّ «حالة من الصمت المدوي» سادت طاولة الحوار بعد مداخلة فرنجية حتى أن باسيل لم يعقب بكلمة على الموضوع واستعاض عن ذلك بإثارة مسألة موقف لبنان الرسمي في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة اليوم طالباً من رئيس الحكومة تمام سلام تحديد ماهية الموقف الواجب اتخاذه حيال بند «التضامن مع لبنان» منعاً لأي لغط جديد في هذا الصدد، فأجابه سلام بأنه موضوع خارج عن سياق النقاش على طاولة الحوار.

ولاحقاً، أوضحت مصادر حكومية لـ«المستقبل» أنّ سلام اتفق مع باسيل على التزام الصيغة نفسها التي سبق أن اعتمدها الوزير نهاد المشنوق في اجتماع وزراء الداخلية العرب في تونس لجهة تقيّد لبنان الرسمي بالإجماع العربي والاكتفاء بالاعتراض على توصيف «حزب الله» بأنه منظمة إرهابية، مشيرةً في ما يتعلق بموقف لبنان من عملية اختيار أمين عام جديد لجامعة الدول العربية بأنه سيدعم مرشّح مصر أحمد أبو الغيط لخلافة الأمين العام الحالي نبيل العربي.

رسالة سلام إلى الخليج

وأمس، برز اجتماع رئيس الحكومة تمام سلام في السرايا الحكومية بوفد سفراء دول مجلس التعاون الخليجي الذي ضم سفراء السعودية علي عواض عسيري، الكويت عبد العال القناعي، الإمارات حمد سعيد الشامسي، قطر علي بن حمد المري وسلطنة عمان أحمد بن بركات آل ابراهيم، وتطرق المجتمعون إلى علاقات لبنان مع دول الخليج. وإثر انتهاء الاجتماع، أوضح القناعي أنه انعقد بناءً على دعوة سلام الذي حمّل الوفد «رسالة واضحة» إلى قادة الدول الخليجية، وقال: «لمسنا جميعاً من دولة الرئيس الحرص الأكيد على أطيب العلاقات مع دول الخليج وعلى تدعيمها وتعزيزها دائماً وتأكيده على إزالة أي لبس أو شوائب قد تعيق تقدم هذه العلاقة«، مشدداً في الوقت عينه على «حرص الدول الخليجية قاطبةً على أمن واستقرار الدولة والمؤسسات في لبنان».

الجبير

تزامناً، لفت أمس إعلان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عقب اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي أن قرار إطلاق سراح الإرهابي المُدان ميشال سماحة من قبل المحكمة العسكرية لم يكن «مؤشراً إيجابياً في ما يتعلق باستقلال الجيش عن نفوذ «حزب الله»، ما جعل المملكة تتخذ قرار إيقاف الهبة الممنوحة للجيش اللبناني وتحويلها للجيش السعودي، وإيقاف الهبة الممنوحة لقوات الأمن اللبنانية وتحويلها إلى قوات الأمن السعودية».

وإذ جدد التأكيد على دعم المطالبة باستقلال لبنان ووحدته وعروبته وأمنه واستقراره، رأى الجبير أنّ «حزب الله الميليشيا المصنّفة منظمة إرهابية باتت تسيطر على القرار في لبنان وجعلته يصوّت ضد إدانة انتهاكات إيران لحرمة السفارة السعودية في طهران في مؤتمري الجامعة العربية ومنظمة الدول الإسلامية«، مشدداً في المقابل على أنّ دول مجلس التعاون الخليجي ستتخذ كافة الإجراءات اللازمة للتصدي لـ«حزب الله» ولمنعه من «أي استفادة بأي شكل من دول الخليج في أي مجال كان».

تجدر الإشارة إلى أنّ وزراء خارجية دول مجلس التعاون ووزيري خارجية الأردن والمغرب أكدوا خلال اجتماعهم أمس على قرار مجلس وزراء الداخلية العرب الذي اعتبر «حزب الله« منظمة إرهابية «لما يقوم به من أعمال خطرة لزعزعة الأمن والسلم الاجتماعي في بعض الدول العربية».