اذا كانت الحكومة كما معظم اللبنانيين تعلقت أمس بحبال الانفراج الموعود لأزمة النفايات الذي لاح ليلا مع اجتماع اللجنة الوزارية المكلفة هذا الملف برئاسة رئيس الوزراء تمام سلام كمؤشر عملي لتذليل أكثر العقبات التي حاصرت اعتماد خيار المطامر، فان ذلك لم يحجب الضغط التصاعدي لأزمة العلاقات اللبنانية – الخليجية التي تبدو أمام مفترق اضافي اليوم.اذ ان السباق اللبناني مع الاجراءات والقيود الخليجية والعربية ضد "حزب الله " والتي يطاول جزء منها لبنان الرسمي، اتخذ مرة أخرى طابعاً مريراً وصعباً عشية بدء اجتماعات مجلس وزراء الخارجية العرب في دورته العادية اليوم في القاهرة حيث لا يستبعد ان يحشر لبنان مجدداً في خانة قرارات عربية تتبنى الكثير من الاتجاهات الخليجية وتعرضه لتجرع الاحراج والحصار الديبلوماسي. وملامح هذا الاستحقاق الاضافي برزت من خلال اتجاهين: أولاً القرارات التي اتخذها امس وزراء الدول الاعضاء في مجلس التعاون الخليجي والاردن والمغرب في الرياض حيث جرى التشديد على التصنيف "الارهابي" لـ"حزب الله" ومن ثم اعتماد وزراء الاعلام العرب اجراءات تقييد للاعلام الموالي أو التابع للحزب في هذه الدول. وثانيا اجتماع رئيس الوزراء تمام سلام مع سفراء دول مجلس التعاون الخليجي في لبنان وابلاغهم رسالة الى دولهم تتمثل بالحرص على "ازالة أي لبس أو شوائب قد تعيق تقدم العلاقات بين لبنان ودول الخليج".
الحوار الساخن
ولكن في انتظار ما سيحمله الاختبار الجديد للبنان في القاهرة على صعيد علاقاته المهتزة بخطورة بالغة مع الدول الخليجية، بدا لافتاً ان تحمل الجولة الاخيرة للحوار التي انعقدت أمس في عين التينة مفاجأة لم تكن في حسبان الكثيرين من اركان الحوار والتي تمثلت في مبارزة حادة ذات دلالات بين رئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية ووزير الخارجية جبران باسيل ممثل العماد ميشال عون في الحوار. فاذا كانت سمة الجولة الحوارية الاخيرة انها عادت الى بنود جدول الاعمال "السياسي" الصرف ونأت بنفسها عن ازمة النفايات تاركة للرئيس سلام معالجتها بالتنسيق مع الرئيس سعد الحريري، فان ذلك شكل حافزا جديدا لاعادة "تشغيل" محركات الحوار حول الازمة الرئاسية.
في ظل هذه الاجواء لم يكن إجتماع طاولة الحوار النيابي امس، كما علمت "النهار" كالاجتماعات السابقة. فقد شهد سجالا هو الاول من نوعه بين النائب فرنجية والوزير باسيل من خلال السياق الاتي:
إقترح وزير الاتصالات بطرس حرب في مداخلة له "إعطاء مهلة شهر للتوافق في شأن إنتخاب رئيس جديد للجمهورية على أن ننزل بعدها كلنا الى مجلس النواب للإنتخاب ونهنئ من يفوز". ثم تحدث رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل فقال: "يتكلمون عن التوافقية وأن هناك إنقساما خطيراً في البلد فيما لا يوجد في الواقع إنقسام طالما أن 14 آذار رشّحت إثنين من 8 آذار.ويتكلمون عن الميثاقية، فأين الميثاقية الطائفية طالما أن المرشحيّن مؤيدان من بيئتهما المسيحية؟ وأين الميثاقية المذهبية طالما أن كل المذاهب تؤيدهما؟"
فرد الوزير باسيل على النائب الجميل: "منذ عام 1990 وأنتم لا تراعون الميثاقية. إنكم تهمّشونا منذ ذلك الحين.لنعد الى الناس لنر أين الاكثرية الشعبية".
عندئذ تحدث النائب فرنجية ووجّه كلامه الى الوزير باسيل: "إن أخطاء عمّك تسببت بالطائف وما أدى اليه في شأن صلاحيات رئيس الجمهورية، لو حصلت تسوية يومها لما كان أصاب المسيحيين اجحاف في حقوقهم". وأضاف: "في التمثيل الشعبي نحن موجودون قبلك ومعك وبعدك. لستم الوحيدين الذين تمثلون المسيحيين ولا قدرة لكم على الغاء الآخرين".
وأبلغ مشاركون في الاجتماع "النهار" أنه بعد هذا السجال ساد صمت إستمر نصف دقيقة وعلا وجوه عدد من المعنيين الوجوم. بعد ذلك تجدّد الحوار وخلاله سأل الوزير باسيل عما يجب عمله في إجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، فكان جواب الرئيس سلام: "ليس هنا المكان المناسب فلنترك الامر للحكومة".
اختراق!
اما في ما يتعلق بأزمة النفايات، فبرزت عبر الاجتماع الذي عقدته اللجنة الوزارية ملامح تقدم عكست في خلفياتها السياسية دعماً قوياً من الرئيس الحريري و"حزب الله" لحل المطامر بغية تجنب بلوغ الرئيس سلام حدود الخيار السلبي الذي يطيح الحكومة. وأكد الحريري الذي زار السرايا قبيل اجتماع اللجنة انه يعمل على هذا الموضوع مع الافرقاء السياسيين مبديا تفاؤلاً بالتوصل الى حل في بضعة أيام. وعلم ان اللجنة طلبت خلال اجتماعها حضور الوزير السابق مروان خير الدين ممثلاً النائب طلال ارسلان وعرضت عليه ثلاثة اقتراحات وافق على واحد منها بديلاً من مطمر الكوستابرافا، والاقتراح يتناول قطعة أرض في الشويفات تملكها بلدية بيروت ومساحتها 50 الف متر مربع صالحة لاقامة مطمر صحي. كما تقدم البحث في موضوع برج حمود. وستعاود اللجنة اجتماعها في الخامسة والنصف بعد عصر اليوم.
تشكيلات المخابرات
وبعيداً من الاجواء السياسية انجزت أمس التشكيلات في مديرية المخابرات بعد تعيين المدير الجديد للمخابرات العميد كميل ضاهر ووقعها قائد الجيش العماد جان قهوجي. وعلمت "النهار" ان هذه التشكيلات روعي فيها عامل التراتبية في تعيين رؤساء الفروع وهي تكاد تكون أضيق التشكيلات، اذ جاءت محدودة وليست بالاتساع الذي درجت عليه سابقاً. ويبدو واضحا ان عامل الارتباط القوي بين العماد قهوجي والمدير الجديد دوراً في المسار الجديد باعتبار ان العميد ضاهر خدم طويلاً مع العماد قهوجي في عدد من القطع العسكرية والاولوية وكان مكلفا مدة طويلة الملفات الامنية الاكثر حساسية. وفي المعلومات ان أبرز التشكيلات جاءت بالعميد مالك شمص نائباً أول لمدير المخابرات والعميد سعدالله حمد نائبا ثانيا (وهو ابن منطقة وادي خالد) وعين العميد جورج يوسف رئيساً لفرع مخابرات جبل لبنان والعميد جورج طعوم (من عكار ايضاً) رئيسا لفرع مخابرات بيروت والعميد علي عواركي رئيسا لفرع مخابرات البقاع، كما عين العميد جورج خميس قائداً لمنطقة جبل لبنان والعميد خالد طربين قائدا لمنطقة البقاع.