الحوزات: جمع حوزة (بفتح الحاء وتسكين الواو وفتح الزاي ثم التاء). جاء في قوله تعالى: ﴿أو متحيزًا إلى فئة﴾[1]معناها "أو مائلًا إلى جماعة من المسلمين وصائرًا إلى حيِّز" [2].
وحوزة من الفعل حاز: "والحوز الجمع، وكل من ضمّ شيئًا إلى نفسه من مال أو غير ذلك فقد حازه... وحوز الدار وحيّزها ما انضم إليها من المرافق والمنافع... وفي الحديث "فحمى حوزة الإسلام" أي حدوده ونواحيه... وفلان مانع لحوزته أي ما في حيّزه. والحوزة فَعلة ومنه سميت بها الناحية، والتحوّز من الحوزة وهي الجانب كالتنحي من الناحية. والحوزة الناحية وحوزة المُلك بيضته"[3].
الحوزة من حيث اللغة هي،إذًا، بمعنى الناحية. أما من حيث المعنى الاصطلاحي فالحوزة مجردة أو بإضافة صفة العلمية إليها لتكون "الحوزة العلمية"، فهي تعني حاليًا معنى مرادفًا لتجمع علمي يضم مدارس عدة تتوافر فيها أعداد مهمة من الأساتذة وطلبة العلوم الدينية الإسلامية الشيعية الاثني عشرية، وعادة ما يكون هذا التجمع العلمي برعاية دينية ومالية وقانونية من المرجعية الدينية.
حين نتكلم عن الحوزة العلمية في النجف أو قم، فإننا لا نقصد مؤسسة معينة أو بناية خاصة أو مدرسة محددة بل هي "الأجواء العلمية والتواصل العلمي التدريسي والشرعي بين الطالب والأستاذ والمرجع في هذه المدينة أو تلك"[4]. لكن معنى الحوزة تعدى ما ذكرناه لأنه صار في السنين الأخيرة يعني المدرسة أو المعهد فنجد بعض المدارس والمعاهد الدينية تسمي نفسها حوزة (حوزة الرسول الأعظم، حوزة المهدي، حوزة القائم، إلخ... في لبنان كما في العراق وإيران وسورية وبلدان الخليج العربي وصولًا إلى السند والهند).
تاريخيًالا يوجد تحديد واضح لزمن اتخاذ "المدارس الدينية الشيعية" عنوان الحوزات العلمية... والثابت أنها استخدام مُحدَث. وبحسب الباحث الدكتور الشيخ فيصل الكاظمي[5] الذي راسل العديد من العلماء والباحثين وسألهم وبحث بنفسه عن مادة حوزة، فإنه لم يجد من ذكَر بداية استعمالها الاصطلاحي المعاصر؛ وأقدم إشارة وجدها وردت في كتاب معارف الرجال لمؤلفه محمد حرز الدين (النجفي المتوفى في عام 1945)، وذلك في ترجمة الشيخ محمد محيي الدين (النجفي المتوفى في عام 1247هـ/1831م) وفيها قوله: "المعروف بين المعاصرين أنه كانت له حوزة علمية من طلاب العرب الأفاضل"[6]. كما وردت الحوزة اصطلاحًا في كتاب لجعفر الشيخ باقر محبوبة (النجفي المتوفى في عام 1958) في ترجمته لبعض العلماء أيضًا إذ يقول عن أحدهم: "وله حوزة حافلة بأهل العلم"[7]. ونشر هذا الكتاب أول مرة في عام 1934[8]. وما يؤكد حداثة المصطلح أن السيد محسن الأمين (العاملي اللبناني المتوفى في عام 1952) في كتابه خطط جبل عامل، حينما يتحدث عن مرافق جبل عامل يذكر في أحد فصول كتابه عنوان: "مدارس جبل عامل قديمها وحديثها"، فلا يمر بمصطلح الحوزة مطلقًا[9].
الغيبة: في الاعتقاد الشيعي أن الإمام الثاني عشر(المهدي) قد غاب غيبتين: الأولى كانت الغيبة الصغرى وكان له سفراء يشكّلون حلقة التواصل بين المهدي وبين شيعته في مختلف الأقطار(وهم أربعة فقط)، فكانوا يحملون إليه رسائل شيعته ومحبيه وأسئلتهم، ثم يأتون إليهم بالجواب، ومن مهماتهم أيضًا أنهم كانوا يستلمون الحقوق الشرعية - الأخماس- ويحملونها إلى المهدي أو يتصرفون بها بحسب ما تقتضيه المصلحة. واستمر عصر الغيبة الصغرى من عام 260هـحتى عام 329هـ. والسفراء الأربعة هم على التوالي: عثمان بن سعيد العمري، وابنه محمد بن عثمان العمري، والحسين بن روح النوبختي، وعلي بن محمد السمري[10].
بوفاة السفير الرابع علي بن محمد السمري؛ انتهى عصر الغيبة الصغرى فبدأ عصر الغيبة الكبرى إذ بدأ الشيعةيرجعون في أحكام الدين والفتاوى الشرعية إلى علماء الدين الذين تصدّوا للمرجعية، واستمر عصر الغيبة الكبرى إلى زماننا الحالي. وأخبر الإمام المهدي(محمد بن الحسن العسكري)شيعته بغيبته الكبرى وأرجعهم إلى الفقهاء العدول الجامعي الشروط، في حديثه المشهور: "وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله"[11].
حين يصل المسلم الشيعيإلى "سن التكليف"[12] يجب عليه أن يعمل بالأحكام الشرعية ويتوصل إلى الحكم الشرعي بإحدى ثلاث طرق:
الاجتهاد: هي رتبة علمية يصل إليها المتخصص بالعلوم الدينية الحوزويةتؤهله لتحديد الأحكام الشرعية وبيانها استنادًا إلى الأدلة المستخرجة من القرآن والأحاديث.
التقليد: أن يقلد أحد المجتهدين ويعمل بفتاواه وما توصل إليه اجتهاداته، وعوام الشيعة هم من المقلدين للمجتهدين، هذا والتقليد يكون في الحكم الشرعي الفقهي فحسب، أما أصول الدين والعقائد فلا يُقلد فيها ويجب على المكلف أن يبحث فيها عن الدليل والبرهان باتفاق جميع المراجع.
الاحتياط: الاحتياط يعني اقتضاء أن ينحو المكلّف طريق الحيطة في جميع أعماله وذلك بأن يأخذ بما يكون موافقًا للرأي الفقهي لجميع مراجع التقليد، وهذا يعني ألا يترك واجبًا أو يفعل محرمًا على رأي أي واحد من المراجع. فيكون بهذا قد عمل بشرائط الاحتياط ويكون على يقين من براءة ذمته في ما يتعلق بتكليفه الواقعي.
المرجعية:هي القيادة الدينية للشيعة ويتبوأ مقعدها أشهر المجتهدين الذين يُرجع إليهم في الأخذ بالأحكام الشرعية، وعادة ما يوجد هؤلاء المراجع في مراكز الحوزات العلمية العريقة وأبرزها اليوم مدينتا النجف وقم.
الوكيل:وهو العالم الذي تنتدبه المرجعية الدينية ليمثلها في المناطق والنواحي. وأحيانًا نسمع مصطلح وكيل عام أو مطلق دلالة على الصلاحيات الواسعة التي يعطيها المرجع لوكيله في بلد معيّن وفي وضع محدد.
مراجع التقليدأو مراجع الشيعة هم من يرجع إليهم الفرد المسلمالشيعيلمعرفة أحكام الدين والفتاوى الشرعية. كان الشيعة – بحسب ما يُنقل عنهم - في القرون الإسلامية الأولى يرجعون إلى أئمة أهل البيتيستفتونهم في مسائل الحلال والحرام، واشتهروا بالجعفرية نسبة إلى الإمام جعفر بن محمد الصادقالذي عاش في النصف الأول من القرن الثاني الهجري.
شرائط المرجعية: الشروط التي يجب توافرها في المرجع المجتهد - على الاختلاف في تحديد هذه الشروط بين فقهاء الشيعة هي:البلوغ.العقل.الإيمان، والمقصود أن يكون شيعيًا اثني عشريًا. الذكورة.الاجتهاد.العدالة. طهارة المولد.الحياة - وفي هذا الشرط اختلاف بين مراجع الشيعةفبعضهم يجيز تقليد الميت.أن لا يقل ضبطه عن المتعارف.الأعلمية، أي أن يكون أعلم من باقي المراجع. فـ"المرجع" إذًاهو "المجتهد المقلَّد" أي الذي يطرح فتاواه ضمن ما يُعرف بالرسالة العملية. وعادة ما يكون المرجع أبرز مجتهدي الحوزات العلمية. فكل مرجع مجتهد ولكن ليس كل مجتهد بمرجع.
الرسالة العملية:هي كتاب فقهي يذكر فيه المجتهد فتاواه للمقلدين. وإذا أصدر مجتهد رسالته العملية فهذا يعني كثرة مقلديه ودعوة إلى تقليده.
[1]القرآن الكريم، "سورة الأنفال،" الآية 16.
[2]أبو القاسم الحسين بن محمد الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، تحقيق محمد سيد الجيلاني (بيروت: دار المعرفة، [د. ت.])، ص 137.
[3]أبو الفضل محمد بن مكرم بن منظور، لسان العرب، ط 3، 15 ج (بيروت: دار صادر، 1994)، ج 5، ص 341-342
[4]فيصل الكاظمي، الحوزات الشيعية المعاصرة بين مدرستي النجف وقم: لبنان نموذجًا (بيروت: دار المحجة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع، 2011)، ص 53-58.
[5]المصدر نفسه.
[6]محمد حرز الدين، معارف الرجال في تراجم العلماء والأدباء، علق عليه محمد حسين حرز الدين، 3 ج (قم: مكتبة آية الله العظمى السيد المرعشي النجفي، 1986)، ج 3، ص 338.
[7]جعفر الشيخ باقر آل محبوبة، ماضي النجف وحاضرها، 3ج، ط 2 (بيروت: دار الأضواء، 1886)، ج1، ص 383.
[8]الكاظمي، ص 55.
[9]محسن الأمين، خطط جبل عامل، تحقيق حسن الأمين (بيروت: دار المحجة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع، 2002)، ص 161.
[10]اكتسب هؤلاء الوكلاء منطقيًا قوة وأهمية، وتألفوا تدريجًا في هيئة مكتملة من المحترفين الدينيين، وقاموا بدور في تجاوز الشيعة لمحنة الغيبة من خلال ممارستهم وظيفة القيادة الشرعية التقليدية التي حلت محل الزعامة الكاريزمية للإمام. انظر خصوصًا:Liyakat N. Takim, The Heirs of the Prophet: Charisma and Religious Authority in Shi'ite Islam (Albany: State University of New York Press, 2006), and Wilfred Madelung, «Authority in Twelver Shi'ism in the Absence of the Imam,» dans: George Makdisi, Dominique Sourdel et Janine Sourdel-Thomine, eds., La Notion d'autorité au Moyen âge: Islam, byzance, occident, Colloques internationaux de La Napoule, session des 23-26 octobre 1978; organisés par George Makdisi, Dominique Sourdel et Janine Sourdel-Thomine(Paris: Presses universitaires de France, 1982).
[11]محمد بن الحسن الحر العاملي، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، ط 2، 30 ج (قم: المؤسسة، 1993)، ج 27، ص 140.
[12] التكليف هو إلزام النفس تطبيق الأحكام الشرعية والقيام بالواجبات العبادية كالصلاة، والصيام، والزكاة، والخمس، والحج وسائر العبادات الأخرى في الإسلام. والعمر الشرعي للتكليف بالنسبة إلى الصبي هو سن الخامسة عشرة، وبالنسبة إلى الفتاة هو سن التاسعة. والمقصود بالمكلَّف بأحكام الشريعة في الفقه الإسلامي هو الإنسان الذي يوجَّه إليه الخطاب بوجوب امتثال أحكام الشريعة، وهو من توافرت فيه شروط التكليف إضافةً إلى وجوبه عليه وإلزامه إياه... فالمكلّف هو الإنسان الذي تكون فيه أهلية امتثال الأحكام الشرعية وتحمّل مسؤولياتها، وهو الإنسان "العاقل البالغ القادر" الذي"أُبلغ" بالتشريع الإلهي.