فيما يتخبط لبنان في أزماته المزمنة، من الرئاسة الشاغرة الى النفايات المتراكمة وما بينهما، أطلت أمس برأسها، من نافذة اجتماع لجنة الاعلام والاتصالات النيابية، فضيحة إضافية «ثلاثية الابعاد»، قانونية وامنية ومالية، ضحيتها خزينة الدولة وسلامة اللبنانيين.
فقد أفضت نقاشات اللجنة برئاسة النائب حسن فضل الله، وبحضور وزير الاتصالات بطرس حرب، الى كشف النقاب عن وجود «مافيات» تستبيح خدمات الانترنت، بشكل صارخ، عبر محطات إرسال ولواقط غير خاضعة لرقابة الدولة، يتولى أصحابها شراء سعات دولية بكلفة رمزية من خارج الشبكة اللبنانية (قبرص او تركيا)، ثم يبيعونها إلى المشتركين اللبنانيين بأسعار زهيدة، من دون تجاهل احتمال الدخول الاسرائيلي على الخط، من خلال تقديم عروض تجارية للمتورطين في هذه القرصنة، لاستمالتهم، وبالتالي اختراق شبكة الاتصالات بواسطتهم.
وعلم ان أعمدة شاهقة واجهزة تقنية غير شرعية زرعت خلسة في بعض الجرود اللبنانية، منها جرود تنورين والضنية، كما تردد وجود شبكة أخرى في صنين والزعرور.
وتُشرّع هذه المعطيات الباب امام مخاطر عدة، من ابرزها:
ـ احتمال حصول خرق امني مخابراتي لخدمات الانترنت غير الشرعية وغير المرخصة، باعتبارها تفتقر الى أدنى مقومات الحصانة ومعايير الرقابة، ما يؤدي الى انكشاف امن اللبنانيين وبياناتهم أمام جهات خارجية، قد تكون اسرائيل احداها.
ـ هدر الاموال على خزينة الدولة المثقوبة اصلا، وتشير التقديرات المتداولة في هذا السياق إلى أن تهريب خدمات الانترنت من خارج الاطر الشرعية والقانونية يكلف الخزينة ما يزيد عن مليوني دولار شهرياً.
ـ تضرر الشركات المرخصة لانعدام التكافؤ والتوازن في شروط المنافسة.
وتفرض هذه القضية المستجدة طرح التساؤلات الآتية:
ـ كيف زُرعت تجهيزات تقنية بحجم كبير وظاهر في المرتفعات اللبنانية من دون ان يتنبه لها أحد، خصوصا القوى الامنية؟
ـ كم مضى من الوقت على استخدام تلك الاعمدة والاجهزة، وهل يوجد مثيل لها في أماكن أخرى؟
ـ من يقف وراء عملية القرصنة هذه، وهل ثمة جهات تغطي او تحمي المرتكبين؟
ـ لماذا لم تبادر الاجهزة الامنية المختصة الى ازالة المخالفات فورا ووضع اليد عليها، بمجرد ان تم الكشف عنها، وقبل انتظار نتائج التحقيق القضائي، خصوصا ان الارتكابات موصوفة وثابتة، واي تأخير في ضبطها قد يسمح لاصحابها بطمس بعض المعطيات الحساسة؟
الوزير حرب اكد لـ «السفير» أن التحقيقات ستستمر حتى تبيان كل التفاصيل المتعلقة بالشركات المخالفة وأصحابها، موضحا أنه أبلغ الأجهزة الأمنية المعنية بالواقعة، كما قدم شكوى إلى النيابة العامة المالية والنيابة العامة الاستئنافية.
وابلغ النائب فضل الله «السفير» ان هذا الملف يولّد العديد من علامات الاستفهام والتعجب، مشيرا الى ان الملابسات المحيطة به تثير الريبة، ومنبها الى أن شبكات الانترنت غير الشرعية قد تكون قابلة للاختراق من قبل العدو الاسرائيلي، او حتى من قبل اي جهة تريد ان تتجسس على لبنان.
ولفت الانتباه الى انه لن يصدر أحكاما مسبقة في شأن الخلفيات الامنية المحتملة، في انتظار ظهور نتائج التحقيق، لكنه شدد على ان هناك تدابير حازمة يمكن اتخاذها على الفور من الجهات المختصة لتفكيك تلك الشبكات بعدما ضبطت بالجرم المشهود وهي تخالف القانون.

لبنان.. وامتحان عربي جديد
على صعيد آخر، وقبل ان يجف حبر قرار مجلس التعاون الخليجي ووزراء الداخلية العرب بتصنيف «حزب الله» منظمة ارهابية، سيجد لبنان نفسه غدا امام اختبار جديد، قد لا يخلو من الدقة، خلال اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة، والذي سيشارك فيه الوزير جبران باسيل.
وبرغم ان جدول الاعمال المعلن عادي ولا يتضمن بندا اشكاليا من حيث المبدأ، إلا ان ايا من الحاضرين يستطيع ان يطرح من خارج جدول الاعمال ما يرتئيه مناسبا، الامر الذي يعني ان الملف اللبناني، من زاوية السياسة الخارجية والموقف حيال «حزب الله»، قد يقتحم الاجتماع في أي وقت.
ووفق أجواء وزارة الخارجية، فان باسيل سيتوجه الى اجتماع مجلس الجامعة العربية متسلحا بثوابت لبنان وحكومته على قاعدة التنسيق مع رئيس الحكومة حول الموقف الرسمي الذي سيعلن في الجلسة، ومنطلقا من ضرورة انضباط الجميع تحت سقف هذه الثوابت، ومن ان وزارة الخارجية ليست مستقلة عن الحكومة، وإن كانت تسعى الى بناء سياسة خارجية مستقلة قدر الامكان عن التجاذبات العربية.
وأكدت مصادر «الخارجية» ان الاستراتيجية التي يعتمدها باسيل تقوم على قاعدة «تمغيط» حبل الدبلوماسية اللبنانية ومرونتها حتى حدود المصلحة اللبنانية التي لا يمكن القبول بالمساومة عليها او المجازفة بها، مشيرة الى انها تشكل المعيار الوحيد الذي يبني على أساسه باسيل مواقفه وخياراته.
وشددت المصادر على ان «الخارجية» لا تريد للبنان ان يكون في حالة صراع مع الجامعة العربية، بل تتطلع الى ان يتكامل معها حيث يستطيع، وان ينأى بنفسه حيث يكون هناك تناقض.
وتبعا لأجواء «الخارجية» فان هناك اجماعا لبنانيا على رفض تصنيف «حزب الله» بانه ارهابي، وهذا أمر لا يحتمل الاجتهاد والنقاش، وبالتالي فان وزير الخارجية لا يمكن ان يوافق على اي طرح من هذا النوع في المحافل العربية والدولية، انسجاما مع سياسة الحكومة وتطبيقا لها.

واشنطن ممتعضة من الرياض
الى ذلك، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن أن واشنطن أعربت للرياض عن قلقها من وقف السعودية المساعدات للقوات المسلحة اللبنانية، معتبرة أن المساعدات الدولية للبنان أساسية في الحد من نفوذ «حزب الله».
وقال المتحدث باسم الوزارة جون كيربي، في مؤتمر صحافي في واشنطن: «لقد أعربنا للسلطات السعودية عن قلقنا من تقارير وقف المساعدات»، مضيفاً «لن أتحدث عن التفاصيل».
وتابع كيربي أن «مساعدة القوات الأمنية اللبنانية والمؤسسات الشرعية الأخرى أمر ضروري من أجل المساعدة في تقليص دور حزب الله وداعميه الأجانب». وشدد على أن المساعدة الأميركية للقوات الأمنية اللبنانية ستتواصل، موضحاً «لن نترك الساحة لحزب الله أو من يدعمه».