قد تكون من غرائب المفارقات اللبنانية ان تأتي المناخات والاجواء والاستعدادات الجارية لاستحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية، الذي يشكل متنفساً ديموقرطياً ملحاً أكثر من أي وقت مضى، لتزيد التعقيدات أمام حل المطامر والشروع في انهاء ازمة النفايات. واذا لم يكن من الجائز والانصاف في أي شكل تغطية تبعة القصور والعجز الحكوميين والتواطؤ والفساد السياسي بكل احماله المتراكمة بالمناخات الاهلية التي ترفض اساسا حل المطامر لعدم تهيئة القوى السياسية الارضية الملائمة له فان ما ابرزته الجهود المحمومة الجارية في الاسابيع الاخيرة عكست صعود العامل الانتخابي بدوره في تعقيد الحل اذ بات من الصعوبة بمكان تجاهل هذا العامل الذي تتداخل فيه الاعتبارات التنافسية مع العوامل الطائفية والمذهبية بما اقتضى نوعا آخر من المعالجات التي تصارع عامل التأخير الكبير الذي أوقع الحكومة في لحظة التوقيت السيئ لتمرير حل المطامر المصطدم مجددا بجدار المجتمع الاهلي.
هذا العامل، الى "الازدواجية " التي تطبع مواقف قوى سياسية من الحل المطروح، استدعيا استنفاراً سياسياً في الايام الاخيرة مع ما أبرزه رئيس الوزراء تمام سلام من ايحاءات وصفت بانها جادة للغاية حيال اتجاهه الى الاستقالة. ولم يكن أدل على جدية اتجاه سلام الى الاستقالة من ايفاد رئيس "اللقاء الديموقراطي " النائب وليد جنبلاط ليل الاحد الماضي وعقب التظاهرة الكبيرة التي حصلت في اقليم الخروب رفضا لاقامة مطمر في المنطقة الوزيرين أكرم شهيب ووائل ابو فاعور في مهمة عاجلة لاقناع رئيس الوزراء بالتريث افساحا لمزيد من الجهود، خصوصا ان معلومات توافرت عن اتجاه سلام في حال تجنبه اعلان استقالة الحكومة الى الامتناع عن توقيع المعاملات عبر اعتكاف طويل. كما ان العودة السريعة للرئيس سعد الحريري من الرياض الى بيروت ليل الاحد ساهمت في احياء دورة جديدة من المساعي الناشطة اذ كرّس الحريري معظم اتصالاته امس لهذه المشكلة والتقى لهذه الغاية وزير المال علي حسن خليل وتناول البحث، على ما علمت "النهار"، جوانب تتعلق بالمعالجات والحوافز التي ترافق حل المطامر. ثم اجتمع الحريري مساء بالوزراء شهيب وأبو فاعور ونهاد المشنوق في حضور السيد نادر الحريري وتركز جانب أساسي من البحث على معالجة عقبات حل المطامر. وافادت معلومات لـ"النهار" ان ملامح ايجابية برزت في الساعات الاخيرة حيال معالجة العقبات التي تعترض الحل في بعض المناطق وان الساعات الـ48 المقبلة قد تحمل تطوراً ايجابياً.
وعبّر النائب جنبلاط في تغريدة عبر "تويتر" عن استيائه من اجواء المزايدات السائدة حيال حل هذه الازمة اذ قال: "على سبيل اخذ العلم والأخبار، ليس هناك أي مشروع لمطمر نفايات في إقليم الخروب، فكفى تقاذف اتهامات وشعارات".
واضاف في تلميح الى المزايدات الطائفية والمذهبية السائدة : " من المحزن والمعيب ان يختزل شعار الشهيد الكبير جبران تويني بهذه الطريقة".
وأبلغ الوزير شهيب لـ"النهار" ان "هناك عدداً من رؤساء البلديات يتصرف كأن الانتخابات البلدية غداً وعددأ آخر لا يمانع في ان تبقى النفايات في الشوارع". واسف لتظاهر ثلاثة آلاف شخص ضد المطامر " فيما هم موافقون على المكبات العشوائية". وشدد على ان القضية لا تقتصر على استخدام المطامر "بل يقوم الحل على معالجة النفايات وطمر ما تبقى منها وهذا ما نطرحه بالاتفاق مع القيادات السياسية والبلديات وخدمة للاخيرة". ولفت الى ان العملية متكاملة " فاذا لم نوجد البديل من موقع الاقليم ماذا نفعل؟ لم نترك وسيلة إلاّ جربناها".
بري وسلام والمملكة
على الصعيد السياسي والديبلوماسي المتصل بأزمة العلاقات اللبنانية – الخليجية، علمت "النهار" ان رئيس مجلس النواب نبيه بري والسفير السعودي علي عواض عسيري تناولا في لقائهما أمس في عين التينة تفاصيل ما وصلت اليه الامور بين لبنان والمملكة العربية السعودية. وحمل بري السفير عسيري رسالة شفوية الى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز من غير ان يكشف مضمونها.
وفي المقابل، أكد الرئيس سلام ان لبنان لن يخرج عن الاجماع العربي، داعياً الامين العام لـ"حزب الله " السيد حسن نصرالله الى عدم مهاجمة المملكة العربية السعودية ودول الخليج. وقال في حديث الى محطة "العربية" مساء أمس: "نحن نسير في حقل الغام والحكومة تعاني كثيراً، وان حزب الله يتدخل في شؤون خارج لبنان ونتمنى ان يعود الى الوطن وأدعو السيد حسن نصرالله الى عدم مهاجمة السعودية ودول الخليج وأتمنى ان يأخذ دعوتي هذه في الاعتبار". كما طالب العرب "بالا يتركوا لبنان" داعياً "الجميع الى عدم أخذ لبنان الى ما لا طاقة له على تحمله".
ويشار في هذا السياق الى ان وزير البيئة محمد المشنوق الذي مثل لبنان في القمة الاسلامية في جاكرتا، التقى أمس وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، وجاء في بيان أصدره المشنوق عن اللقاء انه "لمس ان لا تصعيد سعوديا مرتقبا وان التوتر بين لبنان والمملكة بات وراءنا".
قهوجي
وسط هذه الاجواء، برز موقف لافت لقائد الجيش العماد جان قهوجي أمس تناول فيه موضوع الاستقرار الامني. وطمأن خلال توقيع اتفاق للتعاون بين الجيش والجامعة اللبنانية الى ان "الجيش اليوم هو اقوى من اي وقت مضى وان الامن على الحدود وفي الداخل تحت السيطرة". ونفى "الشائعات المغرضة التي تطفو على السطح بين الحين والاخر حول احتمال اهتزاز الاستقرار في لبنان"، مشدداً على ان "قرارنا حازم في منع تدحرج كرة النار الاقليمية الى لبنان وسنضرب بيد من حديد أي محاولة تهدف الى أحياء مشاريع الفوضى والتفرقة والتقسيم".