شي ما يحصل في خطابات السيد حسن نصرالله عما عهدناه من قبل، بالرغم من حفاظه على ظاهر المبنى الخطابي وقوة الحضور اللغوي، وجمالية العبارة، ودقة الالفاظ، إلا أن تهافتا واضحا يصيب عمق الحجة وقوة الدليل ومتانة الفكرة، مما يفقد إطلالات السيد الاخيرة وبالخصوص مع انفتاح باب المواجهة مع السعودية على مصراعيه، أي عمق يخدم الحجة والغايات الدعائية المعهودة.
هذا ما يكاد يجمع عليه معظم المراقبين والمحللين وبالخصوص منهم المقربين من أجواء الحزب والمحسوبين عليه، لدرجة أن واحداً منهم قال لي بعد خطاب الامس في ذكرى أسبوع شهيده القائد علي فياض ( علاء البوسنة )، صار يجب على حزب الله الطلب من السيد الاقلال من ظهوره الاعلامي وخطاباته العامة في هذه المدة، ولم أخف من ناحيتي بسمتي " الشريرة " وجوابي له : بالعكس لازم كل يوم يطل وبالعودة الى الخطاب المذكور أعلاه، فلا شك انه كان بمثابة خطاب إدانة لحزب الله وهذه المرة بلسان أمينه العام نفسه عندما حاول السيد جاهدا أن يبرر تدخل الحزب عسكريا وأمنيا على الاقل بكل من البوسنة والعراق واليمن وسوريا!
وساق لأجل ذلك ما تيسر له من حجج وبراهين " انسانية ودينية " من وجهة نظره، من دون أن يلتفت أو التفت لا أدري أنه يعطي خصومه ولأول مرة إقرارا رسميا يدينه أمام كل العالم، لأنه وباعترافاته هذه فإنه يكشف ليس عن سلوكيات حزبه وحسب، بل على ما هو أخطر من ذلك بكثير، أنه يكشف عن عمقه الفكري وثوابته الاديولوجية التي تتحكم بمسار خياراته التي حرص على إخفائها طيلة الفترة الماضية وهنا بالذات يعتبر مكمن الخطورة .
فالعالم كل العالم عندما يتحدث مثلا عن خطورة امتلاك السلاح النووي فانه لا يلحظ فقط حجم الخطر الممكن إحداثه من نفس هذا السلاح، بقدر ما يأخذ بعين الاعتبار وبشكل أولي لفكر الجماعة أو الدولة التي تتحكم بأزرار هذه التكونولوجية المدمرة والاديولوجية التي تقف خلفها.
ومن باب الطرافة هنا فإن أحد الديبلوماسيين الاوروبيين كان يقول بعد كل خطاب من خطابات أحمدي نجاد الرئيس الايراني السابق وتهديداته العلنية بازالة اسرائيل من الوجود: " كيف تريدون منا أن نسمح لنظام لا يمتلك سلاح نووي بعد ويريد أن يزيل دول وشعوب من الوجود بأن يمتلكها ؟" لقد أقر بالامس سماحة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وبكل وضوح أنه إنما ينتمي هو وحزبه الى منظومة عقائدية وفكرية لا تجد أي حراجة ولا تقيم أي اعتبار للقوانين الدولية ولا تلحظ بثقافتها وأدبياتها أي معيار لا للحدود المعترف بها دوليا ولا لسيادة الدول ولا لانظمتها ولا للقوانين المعمول بها عالميا ولا معنى للمواثيق والاعراف والمعاهدات الدولية ( على عكس ايران التي تؤكد دائما احترامها للقوانين الدولية )، ولا يوجد في قاموس حزب الله أي مفردة من الادبيات السياسية المنتمية لأيامنا هذه، بل هو يتصرف وفق الموازين والمصالح التي يقررها هو وحده وينطلق على ضوئها، وكأنه لا يزال يعيش في القرون السالفة والعهود القديمة زمن القبائل والعشائر.
وبغض النظر عن نقاش تفاصيل ما أورده السيد في خطابه الأخير، والمبررات التي أوردها في معرض دفاعه عن تدخله في الدول الاخرى، لأن النقاش الحقيقي هو المربع الاول الذي يطرحه السؤال البديهي : هل يحق لك التدخل في شؤون الاخرين من دون أي وازع قانوني ؟ وبدون الرجوع إلى الانظمة في لبنان أولا وفي العالم ككل ثانيا ؟؟؟؟ وهنا اول الكلام ، ولان الجواب الغير مباشر والواضح جاء أمس بالايجاب ، فإن هذا الجواب هو بحد ذاته يعتبر أول سمة من سمات المنظمات التي يطلق عليها بأنها منظمات إرهابية ...
وأن السعودية التي تبذل وبذلت جهود من خلال تسريبها للفيديو الذي يوثق تورط الحزب باليمن مثلا، فيأتي السيد ليقدم لها خدمة لا أتصور أنها كانت تحلم بها، وعليه فإنه عندما حاول أن يدافع عن نفسه بخطاب الأمس إنما هو أدانها وأدان الحزب معه بكل تأكيد ...