بعد إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان لتيار المستقبل انطلاقة قوية تمثلت في تشكيله عصب قوى الرابع عشر من آذار التي نجحت في تحقيق تغيير سياسي كبير أفضى إلى طرد ما أطلق عليه بالوصاية السورية الأمنية والعسكرية من لبنان تحت وطأة زخم شعبي عارم غير مسبوق مترافقا مع تأييد عربي ودولي لهذه الخطوة.
إلا أن التيار لم يستطع الاحتفاظ بهذا المنسوب الكبير من التأييد الشعبي الداخلي ومن الدعم العربي وخصوصا الخليجي. بل أنه شهد حالة من التراجع والانكفاء بسبب سلسة من الأخطاء على المستوى الداخلي وعلى مستوى العلاقة مع دول الخليج. ولعل أبرز هذه الأخطاء أن تيار المستقبل يتعامل مع إرث الشهيد رفيق الحريري بوصفه رصيدا لا ينضب ولا ينفذ مهما تم الصرف منه ببذخ، وهذا غير واقعي وغير صحيح. فالرئيس سعد الحريري اعتاد في كل خطاب وفي كل مناسبة على تكرار القول أنه يسير على درب الرئيس الشهيد.
لكن الهالة الرمزية التي كان يمثلها رفيق الحريري لم تنتقل بالوراثة إلى سعد الحريري الذي بات مطالبا في كل لحظة بتحقيق إنجازات تضاهي او تقارب ما كان أنجزه الرئيس الشهيد وهو ما لا يبدو أنه قادر على تحقيقه. وإصرار سعد الحريري على إعتماد سياسة الاعتدال لم يستطع توظيفها لمصلحة تيار المستقبل بل على العكس جاءت في نهاية الأمر في مصلحة حزب الله. إذ ان الحزب استطاع من خلالها اختراق الساحة السنية وتأسيس تيار مسلح يدين له بالولاء في قلب البيئة السنية هو/سرايا المقاومة /.
كذلك تمثل السير بسياسة الاعتدال والحرص على صيانة السلم الأهلي بالقبول بأي سلوك من حزب الله على كافة المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية ما دام يضمن عدم الانزلاق إلى مواجهة تتسبب بحرب أهلية هو بغنى عنها. فكانت النتيجة أن حزب الله أحكم السيطرة على كل مرافق البلد الاقتصادية وعلى كافة التوجهات السياسية فضلا عن الامساك بالمنظومة الأمنية والعسكرية للبلد، لدرجة أن لبنان يعيش عمليا ما هو أسوأ بكثير من حالة الحرب الأهلية التي لم تصل في أكثر فصولها تدميرا إلى القدرة على خلق مشهد تغرق فيه العاصمة بيروت بجبال من النفايات مع عجز واضح عن إيجاد حل لهذه المشكلة.
وسياسة الاعتدال التي اعتمدها التيار الأزرق أدت إلى أزمة كبرى يعاني منها اليوم فريق الرابع عشر من آذار وتيار المستقبل خاصة، وتكمن في فقدان الصلة بالزخم الشعبي وجمهور اللحظة التي انطلق على أساسه.
هذا الجمهور المستاء اليوم من توالي التنازلات تحت عنوان تجنب المواجهة بحيث تحول تيار المستقبل من حالة ترعرت ونمت في احضان الحراك الشعبي إلى حالة مكتبية بيروقراطية يديرها او يتحكم بها مجموعة من الموظفين والإداريين الذين يفتقدون إلى الخبرة في التعامل مع سلسلة الوقائع المتسارعة، على ان أخطر ما يواجهه تيار المستقبل هو أنه نمت على ضفاف التيار الأساسي فاعليات لها من التأثير في الساحة السنية والساحة الوطنية بحيث أنها تستطيع ان تشكل حالات سياسية قادرة على استقطاب شرائح شعبية واسعة وهذه بالطبع ستكون على حساب الرصيد الشعبي للتيار الأصلي.
واليوم يبدو وبكل وضوح ان هناك ثلاث حالات تتصارع في تيار المستقبل وهي حالة وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي يسره وصفه بأنه أبرز صقور المستقبل حيث يسعى للاستفادة من ظروف محلية وإقليمية لركوب موجة الترشح لرئاسة الحكومة كبديل مقبول من سعد الحريري، والحالة الثانية هي حالة وزير العدل المستقيل من الحكومة أشرف ريفي الذي يسعى لاستقطاب شرائح شعبية في الشارع السني وخصوصا في الشمال. بالإضافة إلى إلى الحالة الأم التي يمثلها الرئيس سعد الحريري الموروثة عن الرئيس الشهيد رفيق الحريري.