نحو 1800 ميغاوات، هو رقم العجز الكهربائي، الذي سيتوقف عنده المسؤولون عن قطاع الكهرباء، خلال الصيف المقبل. وهو موسم سيواجه أزمة تقنين حادة، في حال لم تبادر وزارة الطاقة والمياه والمعنيون بالقطاع، الى لجم التدهور الحاصل على مستوى الهدر والعمل على زيادة منسوب الانتاج الى 2500 ميغاوات، مع زيادة الطلب على الاستهلاك بسبب عودة المغتربين واستعمال وسائل التبريد التي تستهلك طاقة كبيرة، بالاضافة الى المنتجعات، وبالتزامن مع وجود نحو 1.2 مليون نازح سوري. ومن المعلوم أن هناك زيادة سنوية مضطردة في الطلب على الطاقة في لبنان، كما في دول العالم كافة، إلا ان عامل النزوح زاد من حدتها بشكل كبير خلال السنوات الثلاث الأخيرة. فنمو الطلب يقدر بنحو 2,3 في المئة سنوياً، مع الابقاء على 15 في المئة كاحتياط.
وتوقعت مصادر معنية بالقطاع لـ"المستقبل"، ألا يتوفر أكثر من 1700 ميغاوات، في حال سارت الأمور على ما يرام، لجهة صيانة الشركة الجديدة "برايم ساوث" الأميركية. وهي الشركة التي فازت بعقد صيانة وتأهيل معملي دير عمار والزهراني لـ5 سنوات. لكن يبدو ان هذه الشركة ستواجه أزمة صيانة نحو 4 وحدات «بوليتزر» في كلا المعملين. إذ لن تقل التكلفة المقدرة لهذه الصيانة بأقل من 60 مليون دولار، وهو مبلغ سيكون من ضمن قيمة العقد الذي فازت على اساسه شركة "برايم ساوث" على مواطنتها الأميركية "آتش بي آي" وعلى الشركة الهندية "باورماك". وبلغت قيمة العقد الخاص بـ"برايم ساوث" نحو 339 مليون دولار بفارق عشرة ملايين دولار عن القيمة التي دفعتها "آتش بي آي".
نحو 300 ميغاوات بالامكان أن توفرها وحدات الانتاج الأربع، التي ينبغي صيانتها في السنة الأولى كما ينص العقد، إلا ان هذا يبقى غير كافٍ. ومن المعلوم ان الشركة الماليزية (YTL) لم تسلم المجموعة البخارية رغم نفاد مدة عقدها وحلول "برايم ساوث" مكانها، لكن العقد يفرض على الشركة الماليزية إكمال مهمة صيانة وتأهيل هذه المجموعة التي كان يجب الانتهاء منها قبيل تسلم الشركة الجديدة.
نحو 1400 ميغاوات تنتجها كافة المعامل ومعها الباخرتان التركيتان "أورهان بيه" و"فاطمة غول" الآن. فمعملا دير عمار والزهراني ينتجان نحو 750 ميغاوات من أصل 900 ميغاوات. أما معملا الجية والزوق فلا ينتجان أكثر من 300 ميغاوات بأحسن الأحوال من اصل 900 ميغاوات. ولا تنتج المعامل الصغيرة: الحريشة وبعلبك وصور أكثر من 60 ميغاوات من اصل نحو 170 نظراً للتكلفة العالية للانتاج. علماً أنه لا يتم تشغيل هذه المعامل إلا في حالة الضرورة القصوى. اما الباخرتان التركيتان فقد زادتا انتاجهما نحو 100 ميغاوات ووصلتا الى 380 ميغاوات. ويستعيض المواطن بالنقص الفاضح في الكهرباء من خلال مولدات الكهرباء الخاصة والتي تبيع ما لا يقل عن 1100 ميغاوات، بأسعار تفوق ضعفي تكلفة انتاج الكيلوات ساعة، التي تنتج بها المعامل والتي وصلت الآن مع تراجع اسعار المشتقات النفطية الى نحو 9 سنتات، فيما لا تزيد عن عشرة سنتات بالنسبة الى البواخر.
في ظل هذا المشهد القاتم للكهرباء، فإن الدولة أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الذهاب الى بناء معامل جديدة، أو التعويض من خلال استجرار باخرة تركية بإمكانها رفد الشبكة بما لا يقل عن 450 ميغاوات. وكانت أخبار قد سربت بهذا الشأن، إلا أن شيئاً لم يتقدم في هذا المجال بانتظار القرار الفصل بشأن معمل الجية الذي بات فعلياً بحكم المنتهي، بعد توصية اللجنة الفرعية للأشغال والطاقة والمياه، ببناء معمل بديل. فمعمل الجية الحالي هو معمل مكلف من كل النواحي التشغيلية والبيئية والصحية، وقد طلبت اللجنة من مجلس الانماء والاعمار أن يسرع في انجاز الدراسة اللازمة المتعلقة بتفكيك المعمل الحالي، وبالتالي الاسراع في اعداد ملف تلزيم تفكيك المعمل الحالي. وتقترح اللجنة أن تكون قدرة المعمل الانتاجية نحو 450 ميغاوات.
القرار الصائب الذي اقترحته اللجنة، جاء بعد انحدار انتاج المعمل المذكور من 300 ميغاوات الى أقل من النصف. إلا ان المسألة تبقى رهن توفير التمويل اللازم لانشاء المعمل الجديد، وهل سيكون من خزينة الدولة ام من القطاع الخاص، ام من الصناديق العربية والدولية بقروض ميسرة. إذ إن تكلفة المعمل لن تكون بأقل من 350 مليون دولار بأحسن الأحوال.
وتشير مصادر الى ان معمل الزوق بحاجة ايضاً الى التأهيل والصيانة سريعاً، علماً أن وضعه يبقى افضل حالاً من معمل الجية.
وعلى صعيد آخر، قالت مصادر متابعة لملف الكهرباء، إنه بات واضحاً أن مشروع مقدمي الخدمات الذي بدأ قبل ثلاث سنوات وينتهي عقده في نيسان المقبل، سيتوقف، وستعود كل الامور التي كانت مكلفة بها شركات مقدمي الخدمات الى مؤسسة الكهرباء، وذلك بعد معلومات عن قرار اتخذته اللجنة الموكلة بملف الشركات الثلاث، بعدم جدوى استمرار هذا المشروع. هذا بالاضافة الى معارضة يلقاها المشروع من وزارة المالية.
إذا، ورغم انخفاض فاتورة المحروقات لزوم معامل انتاج الكهرباء الى نحو 50 في المئة، من مليارين و200 مليون دولار الى نحو مليار دولار، الا أن الافادة من هذا الانخفاض لم يترجم بزيادة ساعات التغذية، بل إن الأمور تذهب الى صرف المزيد. والسؤال هل الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الطاقة انفقوا لمجرد الانفاق؟
ويبقى أن اللبناني سيواجه خلال الصيف المقبل أزمة تقنين حادة «تبشر» بها كل الوقائع، سيما وان خطة وزير الطاقة السابق جبران باسيل، لم تثمر سوى زيادة في التخبط. فلا ولدت هيئة تنظيم قطاع الكهرباء، ولا تم تطبيق القانون 462.
( المستقبل)