آخر الصفات التي انتحلها نظام آل سعود، هي العروبة مع ادعاء «الإجماع» على قراراته. في مواجهته، خرجت في مصر وتونس والجزائر وسوريا وباقي الدول العربية مواقف قوى لا يمكن الزعم أنها تمثل غالبية، لكن تجمَع أكثريتَها قيمُ التحرر ورفض التبعية والابتعاد عن الطائفية. المعادلة بسيطة: شرفاء العرب ينتهجون الخيار العربي المقاوم، في مواجهة إجماع آل سعود
ينتحل النظام السعودي، وحلفاؤه، منذ عشرات السنين، صفات متعددة، لتحقيق هدف رئيسي: مواجهة حركة التحرر في العالم العربي، كونها تمثّل خطراً على أنظمة السلالات الحاكمة في الجزيرة العربية وخارجها، ومعها عدد من الأنظمة التي ارتضت لنفسها تأدية وظيفة خدمة المستعمر، مهما كانت هويته. كان الإسلام هو الشعار عندما كانت القومية العربية هي رافعة التحرر والمقاومة.
ثم صار انتحال العروبة هو السبيل إلى طعن المقاومة، بعدما زال «خطر الشيوعية والاشتراكية والعلمانية». جديد النظام السعودي هو الزعم بأنه يمثّل الإجماع العربي. ما شهدته تونس، بعد قرار «مجلس التعاون الخليجي» بإدراج حزب الله على لائحة المنظمات الإرهابية، ثم بيان مجلس وزراء الداخلية العرب الذي تبنى وصف الحزب بالإرهابي، يحمل أهمية خاصة كونه يفكك سردية النظام السعودي بشأن «الإجماع».
نصرالله: حماية إسرائيل
ومعاداة المقاومة ضمانة لعروش الأنظمة
فتونس، هي حالياً، الدولة الوحيدة التي تمكّن شعبها، بعد انطلاق «الربيع العربي» منها، من التعبير عن مواقفه السياسية بأوسع قدر من الحرية، مقارنة بباقي الدول العربية. هي، في الزمن الحالي، تحتل أعلى «مراتب الديموقراطية» في العالم العربي. كما أنها، صاحبة السجل العلماني الأنصع (أيضاً، مقارنة بباقي الدول العربية)، والأقل تأثراً بالدعاية السعودية والرجعية بصورة عامة. من هذه الخلفية، أتت الاحتجاجات التونسية على قرار «التعاون الخليجي» وبيان «الداخلية العرب». ففي تونس، جاهرت قطاعات واسعة من القوى السياسية والنقابية بتأييد الخيار العربي المقاوم، في مواجهة أنظمة الرجعية والتبعية. واللافت أن أكثر تلك القوى، شديد التمسك بعلمانيته. وعندما اتخذت موقفاً من الحدث المطروح أمامها، لم ترَ في نظام آل سعود وحلفائه سوى حامل لمشروع طائفي تقسيمي يخدم العدو الصهيوني. واعتبر عدد من القوى السياسية التونسية في معركة المقاومة ضد الإرهاب في المشرق العربي امتداداً لمقاومة إسرائيل. بمعنى أوضح، لم تجد القوى التونسية العلمانية والمتحررة من التبعية، في مشروع آل سعود الطائفي الرجعي سوى امتداد للمشروع الاستعماري الذي يهدف إلى حماية إسرائيل.
ما جرى في تونس كان المثال الأقوى. لكنه لم يكن الوحيد. ففي مصر، والجزائر، وفلسطين وعدد من الدول العربية الأخرى، خرجت قوى سياسية ونقابية لتعلن دعم المقاومة في وجه الهجمة التي تنتحل صفتَي العروبة والإجماع. والجامع بين غالبية هذه القوى، هو التحرر من التبعية والطائفية، وتحديد العدو الحقيقي للأمة (إسرائيل) وإدراك خطورة التنظيمات الإرهابية بصفتها امتداداً للحرب الاستعمارية على المنطقة.
من هنا، حمل خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أمس شكراً لهذه القوى، التي رأى في موقفها (مع عدد من الحكومات العربية كالجزائر وتونس وسوريا والعراق)، دليلاً على تهافت ادعاء النظام السعودي بتمثيله «الإجماع العربي».
وفي كلمةٍ ألقاها في الاحتفال التكريمي للشهيد علي فياض (علاء البوسنة) في بلدة أنصار، قال إنّ «قيمة صرخة التضامن مع حزب الله عالية جداً في ظل سطوة التكفير الديني والسياسي»، موضحاً أنّ إسرائيل تلقت رسالة «هي أنها ستبقى العدو ولن يستطيع أي نظام عربي التطبيع معها».
ورأى أن من يراهن على إجماع عربي وجامعة الدول العربية «يراهن على سراب ووهم». وأشار إلى أن بعض هذه الأنظمة «كانت تحرض على العدوان في تموز 2006»، حيث لم تنفِ هذه الأنظمة ما قيل عن أنها طالبت إسرائيل باستكمال حربها في لبنان وغزة. وأكد نصرالله أن «ضمانة عروش هذه الأنظمة هي الدفاع عن إسرائيل وعدم المس بوجودها، لذلك كانت دائماً تقف في الجبهة المعادية للمقاومة»، مضيفاً أن ما يحصل اليوم «استمرار للاستراتيجية القديمة».
من يواجه السعودية في
سوريا هو المدافع الحقيقي
عن المصالح اللبنانية
وعن تدخل الحزب في العراق، أشار نصرالله إلى أن هذا التدخل جرى عبر تقديم المساعدة بالقادة والخبرات والتدريب، وبإدارة العمليات ضدّ خطر «داعش»، الذي سيطر على مناطق واسعة في العراق، وهو «خطر استشعر وجوده كل الشعب العراقي». وأضاف أن الحزب أرسل مجموعة كبيرة من قادته إلى العراق «وقاتلنا تحت قيادة عراقية»، مؤكداً أن «من يغير المعادلة في العراق اليوم هم العراقيون أنفسهم، من بينهم الحشد الشعبي». وقال «لو حاربنا في العراق تحت قيادة أميركية لما وُصفنا بالإرهاب»، موضحاً «ما زلنا في العراق تحت قيادة الحشد الشعبي». وتوجه إلى الأنظمة العربية قائلاً: «لولا الحشد الشعبي لكان داعش في قصوركم وعروشكم وسبى نساءكم وهتك أعراضكم».
وعن سوريا، قال نصرالله إن المشاركة في القتال في سوريا هي «الحد الأدنى من الواجب» وهي مبنية على دراسة عميقة، وعن قرار وإرادة وفهم ووعي، وأشار إلى أن الحاج علاء من أوائل الذين ذهبوا إلى سوريا، وبقي حتى اللحظة الأخيرة في الميدان.
في هذا الإطار، شكر نصرالله وقوف سوريا والجمهورية الإسلامية في إيران إلى جانب المقاومة واحتضانها ودعمها، متسائلاً في هذا الإطار عن علاقة الكثير من الدول العربية بإنجازات المقاومة التي لم تُدعم لا سياسياً ولا مالياً ولا بالتسليح. مضيفاً أنه «ما من نظام عربي يجرؤ على أن يعطي إمكانات عسكرية للمقاومة، باستثناء النظام السوري».
في الختام، تحدّث نصرالله عن قرار «مجلس التعاون الخليجي» إعلان حزب الله منظمة إرهابية، وقال إن غضب السعودية نابع من فشلها في اليمن وسوريا ولبنان، مشيراً إلى أن حسابات السعودية سقطت في سوريا، حيث فشلت توقعاتهم ورهاناتهم على «الناتو» والأميركيين. وأكد أن الأمر عينه حصل في اليمن، حيث اعتقد السعوديون أن بإمكانهم أن يفرضوا قيادتهم على العالم العربي، لكنهم فشلوا، مشيراً إلى أنّ السعودية ساهمت في إفساح المجال للإرهابي داعش والقاعدة للسيطرة على مناطق واسعة في اليمن وارتكاب مجازر، آخرها كان في دار للمسنين.
وقال «نحن شاكرون تحميلنا مسؤولية فشل السعودية السوري اليمني اللبناني البحريني، فهذا يعني إحباطنا هذه المشاريع، وهو أمر نفتخر به في الدنيا والآخرة». وأكد نصرالله أن «من يواجه السعودية في سوريا هو المدافع الحقيقي عن المصالح اللبنانية»، مضيفاً أنه ليس بإمكان للسعودية ابتزاز اللبنانيين بعملهم، وأن نترك بذلك «القاعدة تسيطر في سوريا. هذا ابتزاز غير مقبول».
وعن وضع «حزب الله» على لائحة الإرهاب، رأى نصرالله أن ردود الأفعال العربية الشعبية والرسمية، وفي تونس خصوصاً، تعبير عن حقيقتهم وحقيقة الأمة، شاكراً كل من تضامن مع المقاومة ضد القرار الخليجي. ورأى أن أهمية ما حصل أنه «يعبّر ويشير إلى مكانة المقاومة عند الشعوب العربية ومكانة فلسطين»، موضحاً أن «هذه الصرخة التي سمعناها قيمتها عالية» في وجه «الغضب الملكي»، وخصوصاً أن السعودية «لن تسامح من يرفضون قرارها»، لذا فهذه «صرخة في وجه سلطان متسلّط مهيمن بالمال والإعلام والتكفير الديني والسياسي».
وتابع نصرالله: «أهمية ردود الأفعال الرسمية والشعبية خصوصاً أنها رسالة قوية لإسرائيل التي تقدم نفسها صديقة لأهل السنّة»، مضيفاً «لا تحلموا بأن يأتي يوم يصبح فيه وجودكم طبيعياً، لا يمكن أن تصبحوا أصدقاء، أنتم أعداء، إرهابيون، ستبقون كذلك في نظرنا». وأكد: «أنتِ إسرائيل العدو وستبقين العدو، ولا يستطيع أي نظام عربي أن يطبّع مع إسرائيل»، مشيراً إلى أنه حتى عبر التحريض الطائفي والأكاذيب لا يمكن أن يجري التطبيع مع إسرائيل «حتى في مصر، التي تملك علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، اتُخذت إجراءات بحق النائب الذي استقبل السفير الإسرائيلي وضربوه بالأحذية في مجلس النواب». وأوضح نصرالله أن «من يريد أن يرفعكم أيها القتلة سيسقط معكم»، خاتماً أن السعودية ستكتشف أنها «تخوض معركة خاسرة».
«الحاج علاء» من البوسنة إلى «القوات الخاصة»
بدأ السيد حسن نصرالله كلمته، أمس، بذكر محطّات من مسيرة الشهيد الحاج علي فياض، من المقاومة في الجنوب وصولاً إلى سوريا. وأشار إلى أنّ «الحاج علاء» كان إلى جانب الشهيد عماد مغنية «من قادة بناء القوّة، قوة المقاومة والردع»، مضيفاً أنه أوكلت إليه مهمّة «بناء القوة الخاصة التي نمت وأصبحت قوة حقيقية يحسب لها العدو ألف حساب». وأردف أن «الشهيد علاء يعبّر عن جيل من الشباب اللبناني آمن بخيار المقاومة»، موضحاً أن هذا الخيار، الذي اعتمده حزب الله وحركة أمل وأحزاب وطنية لبنانية وفصائل فلسطينية، لم ينتظر الإجماع العربي، ولا جامعة الدول العربية، ولا استراتيجية عربية موحدة، مؤكداً أن «خيارنا لتحرير أرضنا كان وما زال المقاومة». وأضاف أن «الشهيد علاء من جيل آمن بأن ما يحمي لبنان أرضاً وكرامةً وسيادةً هو القوة الذاتية». وفي ما يتعلّق بعمل فياض، في البوسنة والهرسك، قال «ذهبنا إلى البوسنة لمساعدة أُناس يُذبَحون كل يوم. والحاج علاء غادر بلدته وعائلته وأرضه ليقاتل دفاعاً عن المسلمين». وقال: اسمحوا لي، ذهبنا للدفاع عن المسلمين من أهل السنّة والجماعة في البوسنة والهرسك، وكان ذلك بالتنسيق مع الحكومة البوسنية والرئيس علي عزّت بيغوفيتش، وسقط لنا في البوسنة شهيد هو الشهيد رمزي مهدي. فهل في ذلك عمل إرهابي؟