انعدام الضمير وعدم القدرة على استيعاب الواقع، كانا السبب في البحث له عن عروس تجهل الحقيقة المظلمة لشخص قد يبدو طبيعياً لفترة طويلة، لكن في لحظة ظهر مرضه الذي جعله يتخيل أموراً قاسية، فبرّر له عقله المريض ارتكاب جريمة بشعة راح ضحيتها بريء.
مشهد مفجع
دماء تسيل على درجات سلّم منزل حيث تجمّع الجيران ليكتشفوا الكارثة المفجعة. طعنات مزقت جسد رجل في منتصف الخمسينات من عمره، فشوهت ملامحه لدرجة أصبح من الصعب معها التعرف إليه. في الجانب الآخر، وقف شخص يجول بنظرات زائغة نجحت في بث الخوف والرعب في قلوب الجميع، خاصة أنه ما زال يمسك بالسكين أداة الجريمة، مما جعلهم يلتزمون أماكنهم خوفاً من أن يسدد إليهم طعنات عشوائية. بقي المشهد على حاله إلى أن وصل رجال الشرطة.
سيطرة على الجاني
عبر عقار مجاور، تمكن أحد عناصر الشرطة من دخول المنزل والاقتراب من المتهم من دون أن يشعر، فنجح في الإمساك به من الخلف وانتزاع أداة الجريمة من بين يديه. في حي الدرب الأحمر في غرب القاهرة، دارت فصول الجريمة منذ بدايتها، حيث كان صلاح يعيش مع أسرته في سلام وهدوء، قبل أن يصاب بمرض نفسي استدعى إدخاله الى أحد مستشفيات الأمراض النفسية والعصبية، ومكث فيه أكثر من عام إلى أن سُمح له بالمغادرة، لكن مصطحباً وصفة طبية مليئة بالمهدئات، فُرض عليه تناولها طيلة حياته، ليستمر في حالة نفسية مستقرة.
تحذيرات عدة وجّهها الأطباء الى أسرة صلاح قبل أن يسمحوا له بالخروج، كان أهمها إبعاده عن أي ضغط نفسي قد يتسبب في انتكاسته مرة أخرى، فقد يؤدي الحزن الشديد أو الفرح الزائد الى تفاقم حالته. تناسى الجميع أحداث الماضي، ومن دون تفكير في العواقب، انصاعوا وراء رغبة صلاح في الزواج، رغم خطورة ذلك على صحته النفسية، وما قد يترتب عليه من تداعيات.
عروس غريبة
تحقيق هذا المطلب كان يقتضي البحث عن عروس لا تعرف أي تفاصيل عن حالة صلاح. تلك التفاصيل التي كان لزاماً على الجميع إخفاؤها حتى يحظى طلب الزواج بالموافقة، وبالفعل تم الاستقرار على فتاة رقيقة تقيم مع أسرتها في محافظة السويس، كان قد تعرف إليها صلاح من خلال صورة قدمتها له "خاطبة". سافر صلاح بصحبة أسرته لخطبة العروس، بعدما أجاد الجميع إخفاء السر الرهيب الذي يحتفظون به من أجل إنجاح الزيجة. وخوفاً من حدوث أي شيء يجعلها تكتشف الحقيقة، فتهرب من جحيم سيكتب عليها، تم الاتفاق على إتمام الزواج في غضون ثلاثة أشهر فقط. كانت العروس في قمة السعادة وهي تنتقل للعيش مع عريسها في العاصمة، تشاهد نظرات الغيرة في عيون صديقاتها اللواتي لا يدركن الكارثة مثلها تماماً، حتى كان ما كان.
جنين يتحرك
مر العام الأول سعيداً على العروس المخدوعة عبر مجموعة من المهدئات واظب الزوج على تناولها، لئلا يظهر مرضه، حتى جاء الخبر الذي كان ينتظره عندما همست في أذنه بأنها حامل في شهرها الثاني، فطار فرحاً وقد بدأ حلمه بتكوين أسرة يكتمل. تناسى الجميع تحذيرات الأطباء بأن الفرح الزائد أو الحزن الشديد قد يتسبب في انتكاسة لصلاح، وهو ما كان، حيث بدأت أعراض المرض تظهر على العريس، ليتدخل أهله بإرساله إلى مصحة نفسية من دون أن تعلم زوجته الحقيقة، حيث أبلغوها أنه سافر في مأمورية عمل.عاد صلاح إلى منزله وتحدوه رغبة في عدم مغادرته مرة أخرى، فانتظم في تناول الدواء وتحسنت حالته مع قدوم مولودته الأولى، لتشهد حياته تغيرات بررتها زوجته بأنها ضغوط الحياة، من دون أن يخطر في بالها وللحظة واحدة أنها تعيش مع شخص مريض نفسياً!
الهروب
ثماني سنوات مرت على الزوجة كان مرّها أكثر من حلوها، مما جعلها لا تطيق العيش معه، فحملت صغيرتها وهربت إلى منزل أسرتها تستغيث بهم من جحيم رجل يشكك في أدنى تصرفاتها ويتهمها بالخيانة. تركت الزوجة المنزل من دون أن تعلم حقيقة إصابة زوجها بمرض نفسي، وأن جارهم الذي يسكن في الطابق العلوي هو من سيدفع حياته ثمناً. بدأ رجال المباحث يحررون محضراً بواقعة مقتل أسامة محمد أبو الوفا، 55 سنة، موظف في المحافظة، على يد جاره صلاح عبدالعزيز حامد، 38 سنة، موظف، بعدما مزّق جسده بالطعنات، وقد أُلقي القبض عليه متلبساً وفي يده السكين المستخدم في الجريمة.
اعترافات صادمة
قبل إحالته الى النيابة العامة لتباشر التحقيق في الجريمة، كان لزاماً على ضابط المباحث أخذ أقوال القاتل في محضر رسمي، لتأتي اعترافاته الصادمة بأنه فعل ذلك لوجود علاقة بين القتيل وزوجته وطفلته، التي لم تتجاوز سنواتها الست بعد!لم تتوقف أقوال المتهم عند هذا الحد، حيث أكد أنه ذهب إلى المغدور لاستعادة زوجته بعد هروبها والطفلة للعيش في منزله، ليبدي رجال المباحث عدم استيعابهم لما يقول، فكيف يدّعي ذلك وهو من أكد في البداية أنه في حالة نفسية سيئة بسبب ترك الزوجة البيت وسفرها إلى أهلها. بدأت الحقيقة تتكشف بأن المتهم يعاني مرضاً نفسياً جعله يتصور وجود علاقة بين المجني عليه وزوجته وطفلته أيضاً، فقرر الانتقام منه وقتله، فقصده حاملاً سكيناً وسدد إليه طعنات عدة بمجرد أن فتح الباب له. ارتكب صلاح جريمته رغم العلاقة الطيبة التي تربطه بالمجني عليه منذ سنوات عدة، لكنه أمام ما يعاني من اضطراب نفسي تناسى كل هذا.
لم تتخيل الزوجة أنها كانت تعيش مع شخص مريض نفسياً لمدة ثماني سنوات، وهو ما تأكد من خلال شهادات تفيد بإيداعه مستشفى للأمراض النفسية أكثر من مرة، وأنها نجت من الموت الذي فُرض على جارها، بأعجوبة، لتقرر النيابة إعادته إلى المستشفى للتأكد من مدى سلامة قواه العقلية.
(لها)