على الأغلب سيحاول الإرهابيون الناشطون في سوريا، تقويض الهدنة الهشة المعلنة هناك. كما سيحاول هؤلاء العثور على فرصة للانتقام من العالم كله.
حول ذلك، لفتت الخبيرة السياسية الروسية، يلينا سوبونينا، في مقالة نشرتها وكالة "نوفوستي" الى أن المكالمات الهاتفية المكثفة التي أجراها الرئيس فلاديمير بوتين مع زعماء بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا تدل على استمرار القلق بخصوص الوضع في سوريا وعلى أن الخلافات حول ذلك، بين روسيا والغرب، لا تزال قائمة.
من بين المشاكل التي لم تحل بعد، تحديد من هو الإرهابي ومن هو المعارض المعتدل. هذا الموضوع في غاية الأهمية. إنه موضوع حياة أو موت، وبه يتعلق تحديد، مع من يمكن التحاور ومن الذي يجب أن يجتث من جذوره، بما في ذلك عن طريق ضربات توجهها روسيا والولايات المتحدة وحلفائها.
طبيعي أن انتهاكات الهدنة المعلنة في سوريا متعددة. ويتبادل الجانبان الاتهامات حول من يقف وراء هذه الانتهاكات. وكان ذلك موضوع الخلاف خلال الحديث الهاتفي المذكور أعلاه. وفيما يشدد الأوربيون على ضرورة قيام موسكو بالضغط على الأسد، يرد الكرملين بأنه يجب على الغرب أن يلجم من يدعمهم في سوريا.
ومما يلفت النظر، في الوقت الراهن، أن نشطاء المعارضة يعربون عن امتعاضهم وغضبهم على الولايات المتحدة لأنها. فحسب رأيهم، اتفقت واشنطن مع بوتين و" باعت المعارضة"، وستدفع ثمن ذلك.
ومن جانبها، حذرت الخارجية الأميركية لتوها من إمكانية اندلاع موجة جديدة من الإرهاب في كل العالم، وخاصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا وأوروبا. وتحدث سلطات بريطانيا وألمانيا وبعض الدول الأخرى عن هذه المخاطر.
لا شك في أن الهدنة في سوريا في غاية الهشاشة، والتفاؤل الذي يبديه ستيفان دي ميستورا يبدو على الأغلب من ضرورات اللباقة الدبلوماسية ولا يعكس الواقع الحقيقي للأمور. ولهذا السبب، كان يجب إجراء المباحثات العاجلة عبر الهاتف على أعلى المستويات.
من الواضح أن الأوربيين يخشون على أمنهم. وأحد الأسباب الداعية للقلق، وجود خطر وقوع عمليات إرهابية منظمة وهجمات مسلحة فردية في بلادهم. والسبب الثاني، تدفق اللاجئين وخاصة نحو أوروبا. وهناك، دون شك، ارتباط وثيق بين هاتين المشكلتين. فمع اللاجئين قد يتسرب كثير من المتطرفين والعناصر المجرمة.
ويشير المراقبون والخبراء إلى أن طرفي الهدنة يستغلان وقف النار لترتيب الأوضاع وتجميع القوى من جديد. في هذا المجال، يجب القول إن "داعش" فقدت فعلا كثيرا من نفوذها، فيما عززت " جبهة النصرة"، فرع القاعدة في سوريا، مواقعها. وعند المقارنة بين المنظمتين، نرى جذورا محلية قوية لدى "جبهة النصرة"، في حين تكتظ "داعش" بالمرتزقة الأجانب. وهو أمر يقلق كثيرين من المسلحين السوريين، ولذلك فهم يميلون أكثر نحو" النصرة" التي تمكنت من إقامة علاقات وثيقة مع معظم الفصائل المسلحة الأخرى في سوريا، بما فيها تلك التي يعتبرها الغرب " معارضة معتدلة".
قبل عدة أيام، عرضت قناة " سي إن إن" الأميركية شريطا تحت عنوان "لماذا لم تعد داعش أخطر الفصائل في سوريا؟"، جرى خلاله الحديث عن "جبهة النصرة". وهناك، جرى الاعتراف، بأنه لا يمكن مهاجمة هذه المنظمة بشكل مباشر وصريح، دون القضاء في الوقت نفسه على فصائل مسلحة أكثر اعتدالا في سوريا، وذلك بسبب الارتباط الوثيق بين "النصرة" وهذه الفصائل. وفي الفترة نفسها، صدر تعليق حول الموضوع عن محطة إذاعة "صوت أميركا"، ذكر فيه دبلوماسي أوروبي، يعمل في تركيا، أن مجموعات كبيرة من المسلحين تنتقل من مختلف الفصائل إلى "جبهة النصرة"، في الأسابيع الأخيرة، بسبب الخيبة وفقدان الأمل بالحصول على دعم عسكري من الولايات المتحدة. وقال الدبلوماسي: "يعتبر المسلحون الآن أن العالم كله عدوهم".
ويؤكد كثير من المعارضين السوريين أن أمريكا باعتهم "مرتين على الأقل بشكل كبير". في العام 2013، عندما تراجع الرئيس أوباما عن الوعد بضرب الجيش السوري، على أثر الاتفاق حول التخلص من الترسانة الكيميائية السورية. والمرة الثانية، عندما اتفق كيري مع لافروف، في 11 و12 شباط الماضي، في ميونخ حول الهدنة.
وعلى الرغم من أن تعداد مسلحي " النصرة"، وفقا لتقديرات مختلفة يتراوح بين 5 و 10 آلاف شخص، وهي تتمركز في إدلب بشكل رئيس، إلا أن صعوبة مواجهتها تكمن في أنها تتوخى الحذر، ولم تحاول قط فرض سيطرتها على مساحات واسعة من الأراضي، كما فعل داعش، بل تفضل حرب العصابات والانتشار بين المدنيين المتعاطفين. ولذلك، فقصفها يؤدي إلى سقوط ضحايا مدنيين، وهو ما يثير ردود فعل دولية سلبية. والغرب، وعلى الرغم من اعتباره "النصرة" منظمة إرهابية، إلا أنه لا يطرح أي استراتيجية واضحة لمحاربتها.
على خلفية ما سبق كله، يبدو مخادعا، وكالضحك على الذقون، طلب الغرب من روسيا عدم قصف المعارضة المعتدلة. كيف يمكن ضرب الإرهابيين إذا كانت الدول الغربية نفسها تقر بصعوبة تمييزهم عن المسلحين الآخرين؟ وفي الوقت ذاته، تبدو ضربا من المثالية مطالبة الجانب الروسي للقوى المعتدلة في سوريا التنصل من التنظيمات المحظورة. ويجب ألا ننسى احتمال تقديم الدول الإقليمية المعادية للأسد مساعدات خفية لهذا الجماعة. وهنا، تتوجه الشكوك بشكل خاص نحو تركيا.
لا شك في أن الإرهابيين سيحاولون تقويض الهدنة الهشة، والانتقام من العالم كله خارج حدود سوريا. كما يبدو واضحا أن الضربات الجوية والصاروخية لا تكفي للقضاء عليهم، ويجب تنفيذ عمليات فعالة على الأرض. ولكن من الذي سيقوم بذلك كله؟
(روسيا اليوم)