يواجه حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي ضغوطا أميركية كبيرة حول مستقبل الحشد الشعبي في البلاد، كان آخرها تلقيه رسالة من الجانب الأميركي تطالب بضرورة حل الحشد الشعبي في أسرع وقت ممكن وتحجيم دوره نهائيا وتسليم كافة أسلحته إلى الدولة، فضلا عن فرض جملة من الشروط على غرار إقرار قانون الحرس الوطني وتشریع قانون الفيدرالية والأقالیم وإعادة انتشار القوات الأميركية في العراق.
وفي المقابل تمارس قيادات الحشد هي الأخرى ضغوطا كبيرة على حيدر العبادي من أجل عدم الرضوخ للقرارات الأميركية والدفع نحو المزيد من ترسيخ أقدامها، بل وهناك تقارير إعلامية ذكرت أن هناك محاولات دفع نحو إدراج قوات الحشد الشعبي داخل المنظومة الأمنية والعسكرية الرسمية. لكن بعض مجريات الأحداث في العراق اليوم تفيد أن هناك خططا تنجز على مهل بهدف حل هذه القوات، كان آخرها إيقاف صرف رواتبهم طيلة الأشهر الأربعة الماضية، إلى جانب ظهور مؤشرات انقسام داخله رغم محاولات القيادات تهدئة الأمور. وفي هذا السياق طرح معهد واشنطن للدراسات قراءة لواقع الحشد الشعبي في العراق، وخطط الحل، وما يقابله من تحركات خطيرة تحدث في جسم السلطة من طرف القيادات النافذة في الحشد.
تحقيق المكاسب
كانت وحدات الحشد الشعبي بقيادة السياسيين الأقوياء ذوي الخلفيات العسكرية مثل أمين عام “منظمة بدر” هادي العامري وأبومهدي المهندس، قد لعبت في البداية دورا رئيسيا في حماية سامراء وبغداد وكربلاء، وفي تخفيف الحصار عن آمرلي، وتحرير جرف الصخر وحماية طرق الحج، وتطهير مساحات واسعة في ديالى من تنظيم داعش. ومع انحسار التهديد الذي يطرحه تنظيم الدولة الإسلامية لاجتياح المناطق ذات الأغلبية الشيعية في العراق بدأت وحدات الحشد الشعبي بالانقسام.
وتعمل منظمة بدر بقيادة هادي العامري، التي تضم حوالي 20 ألف مقاتل، على إحكام سيطرتها على محافظة ديالى، التي تشكل على نحو متزايد إمارة تابعة لمنظمة بدر تقع جزئياً خارج سيطرة الدولة. وتسيطر المنظمة ببطء على وزارة الداخلية التي يديرها محمد الغبان، أحد مساعدي العامري. وتريد بدر الحصول على حصة كبيرة من مقاعد مجالس المحافظات في الانتخابات التي ستُجرى في عام 2017، وتريد استخدام ذلك كنقطة انطلاق لتحقيق مكاسب في مجلس النواب ومجلس الوزراء في الانتخابات العامة في عام 2018.
وهناك مهمة أكبر تقع على عاتق أبومهدي المهندس، الذي يقود قوة تضم 20 ألف جندي إضافي، وكونه إرهابيا مدرجا على لائحة الولايات المتحدة للإرهاب فإنه يحاول تأمين الموارد اللازمة لتحويل “لجنة” رئيس الوزراء لـوحدات الحشد الشعبي إلى وزارة دائمة، على نحو مشابه لقوات “الباسيج” أو الحرس الثوري الإسلامي في إيران.
وتسعى الجماعات المدعومة من إيران مثل “كتائب حزب الله” و”عصائب أهل الحق” إلى استخدام التعبئة الشعبية كعملية لمحو سمعتها السابقة كعميلة لإيران أو الميليشيات الطائفية والإجرامية.
أما ما تبقى من مقاتلي وحدات الحشد الشعبي، التي يبلغ عددها حوالي 40 ألف جندي -نحو نصف عدد مقاتلي هذه الوحدات- فيركزون على العمل تحت قيادة وزير الدفاع خالد العبيدي. وتشمل هذه الجماعة ما يسمى بـ”قوات الفتوى” التي لم تكن تشكل ميليشيات مسلحة قبل يونيو 2014، وهم المتطوعون في الضرائح المقدسة المجندون من قبل المؤسسات الدينية التي تدفع رواتبهم أيضاً، وميليشيات أصغر حجما تابعة لأحزاب سياسية، وحتى أتباع مقتدى الصدر الذين تمت إعادة تعبئتهم.
وهناك وحدة صغيرة مكونة من أقل من 17 ألف شخص من المقاتلين السنة من وحدات الحشد الشعبي، التي تهدف إلى زيادة عدد أفرادها ليصل إلى 50 ألف شخص من القوات الشبه عسكرية، تدين أيضا بالولاء في الغالب للعبادي والعبيدي.
على مدى عدة أشهر كان رئيس الوزراء حيدر العبادي وشخصيات أخرى في الحكم يدرسون إمكانية تقليص حجم قوات وحدات الحشد الشعبي التي تخضع لقيادة منظمة بدر وأبومهدي المهندس. وفي مارس 2015 شجّع عمار الحكيم، رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، العبادي على قطع رواتب 30 ألفا من مقاتلي وحدات الحشد الشعبي التي يبلغ عدد أفرادها 110 آلاف شخص لاختبار رد الفعل الذي سينجم عن ذلك. وفي الوقت نفسه، وثّق العبادي، وبهدوء، علاقاته مع اللواء الركن عبدالأمير الشمري، قائد عمليات بغداد والمعارض النشط لتوسيع نطاق وجود وحدات الحشد الشعبي الخاضعة لمنظمة بدر وأبومهدي المهندس في العاصمة.
إلا أن هذا الانخفاض المؤقت في تجنيد أفراد وحدات الحشد الشعبي لم يدم طويلاً، فمع التفاوض على الميزانية العراقية لعام 2016 في أواخر العام الماضي، وضع أبومهدي المهندس وهادي العامري، رئيس الوزراء حيدر العبادي تحت ضغوط هائلة للموافقة على ميزانية أكبر لـوحدات الحشد الشعبي تبلغ 2 مليار دولار على الرغم من التخفيضات الشاملة التي تم إقرارها في ظل برنامج التقشف في العراق. وبالتالي، ارتفعت رواتب أفراد وحدات الحشد الشعبي المقررة لعام 2016 لتشمل 120 ألف شخص.
والآن، في أوائل عام 2016، تعمل المؤسسات الدينية والسياسية الشيعية على تنشيط جهودها لتصغير حجم وحدات الحشد الشعبي الخاضعة لمنظمة بدر وأبومهدي المهندس. وفي 28 يناير أصدر قادة الكتل السياسية في العراق تحذيراتهم الأكثر وضوحاً حتى الآن ضد أعمال الجماعات المسلحة الشيعية غير الحكومية التي تقع خارج نطاق السيطرة الرسمية.
ودعا القادة أيضا في تداولاتهم إلى تعزيز الجهود لمحاربة الجريمة المنظمة، وخاصة عمليات خطف العراقيين والأجانب والسرقة والسطو المسلح، كما حرّموا احتجاز الأشخاص من دون مذكرة اعتقال، أو في أماكن غير قانونية، وهي ممارسات تقوم بها وحدات الحشد الشعبي التي تخضع لقيادة منظمة بدر وأبومهدي المهندس. وأخيراً، دعا القادة الحكومة إلى اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان أن تكون القوات الحكومية هي الوحيدة التي تحمل السلاح، وتراقب بيع الأسلحة واستخدامها خارج النطاق القانوني.
فض الحشد بصورة بطيئة
إزاء تنامي الأعمال الإجرامية التي تقوم بها الميليشيات في بغداد والبصرة وديالى وطوز خورماتو وبيجي، ذهب رئيس الوزراء أبعد من ذلك في 15 فبراير عندما دعا إلى إجراء تدقيق في عدد أفراد وحدات الحشد الشعبي، وشكك في ما إذا كان أكثر من 60 ألف مقاتل من هذه الوحدات يشاركون فعليا في القتال، مضيفا “لا بد لي من دعم المقاتلين الحقيقيين في وحدات الحشد الشعبي”. وبعد ذلك بيومين قام العبادي بتعيين الفريق الركن محسن الكعبي، الفريق الأقدم في حرس الحدود العراقي والشرطة الاتحادية، نائباً إداريا له، ليكون من الناحية النظرية مساوياً في منصبه للمهندس. وقد انطلقت هذه المعركة بالفعل الآن، فالعبادي يريد تخفيض من 60 إلى 80 ألفا من عدد أفراد وحدات الحشد الشعبي، في حين أن منظمة بدر وأبومهدي المهندس يريدان قوات مؤلفة من أكثر من 120 ألف مقاتل وميزانية لوجستية مستقلة عن وزارة الدفاع. إن التعافي التدريجي لقوات الأمن العراقية الدائمة بما في ذلك الجيش والشرطة الاتحادية والقوات الخاصة والشرطة، يشكل عاملا آخر قد يسرّع الدعوات لدمج وحدات الحشد الشعبي في إطار القوات المسلحة، في ظل الحديث على أن فعالية وحدات الحشد الشعبي التابعة لسلطة بدر وأبومهدي المهندس على أرض المعركة بدأت تنخفض ببطء على مدى الاثني عشر شهرا الماضية.
إلا أن النجاح في الدفاع عن الأراضي لم يعطِ وحدات الحشد الشعبي القدرة على انتهاك دفاعات تنظيم الدولة الإسلامية في مدن مثل تكريت أو بيجي أو الرمادي أو الفلوجة، ففي معركة تكريت على سبيل المثال، توجب على قوات الأمن العراقية أن تنقذ وحدات الحشد الشعبي التابعة لسلطة بدر وأبومهدي المهندس بدعم مدفعي إيراني بعد أن منيت بأكثر من ألفي قتيل خلال فترة جمود دامت ثلاثة أسابيع. أما الجيش العراقي والشرطة الاتحادية ومتطوعو وحدات الحشد الشعبي من المؤسسات الدينية المدعومة من وزارة الدفاع وبدعم من القوة الجوية للائتلاف، فقد اخترقت دفاعات تنظيم داعش في غضون خمسة أيام فقط بأقل تكلفة ممكنة. لا بد من الإشارة إلى أن الأمر نفسه حدث في مدينة بيجي، حيث استغنت وحدات الحشد الشعبي التابعة لسلطة بدر وأبومهدي المهندس عن جهود مكلفة دامت أربعة أشهر لتطهير المدينة من جانب واحد، الأمر الذي ترك لقوات الأمن العراقية ولقوات التحالف قيادة العملية الناجحة لاستعادة بيجي في أكتوبر 2015. ويُذكر أن هناك اعترافا متزايدا بأن قوات الدولة العراقية المدججة بالسلاح والمدعومة دولياً هي فقط القادرة على استرجاع مدينة الموصل من يد تنظيم الدولة الإسلامية. وعلى خلاف وحدات الحشد الشعبي التابعة لمنظمة بدر وللمهندس، هناك “فرقة العباس القتالية”، التي تم تشكيلها لدمجها ضمن جهود وزارة الدفاع. وتعمل وحدات هذه “الفرقة” بصورة كاملة تحت سلطة وزارة الدفاع، وتتلقى أسلحتها الثقيلة وأوامرها من الحكومة، ولا تسعى إلى التمتع بسلطة الاعتقال، وهي ملتزمة بحل نفسها بناء على طلب الحكومة. وفي مرحلة ما خلال العامين المقبلين قد نشهد نهاية رسمية للفتوى التي تفرض مسؤولية جماعية على التعبئة الشعبية المسلحة، فالمجموعات التي تم جمعها في إطار “فرقة العباس القتالية” هي في وضع جيد يؤهلها للمشاركة في العمليات المدعومة دولياً، في حين أن وحدات الحشد الشعبي التي تخضع لقيادة بدر وأبومهدي المهندس عادة ما تنسحب من مثل هذه العمليات، كما أن عناصر فرقة العباس القتالية في وضع جيد ليتم دمجها في قوات الأمن العراقية الدائمة إذا كانت تريد الانضمام وهي مؤهلة لذلك. |
صحيفة العرب