إشارات للتهدئة الداخلية وضوء أخضر دولي لإنتخاب رئيس و وعودة المظاهرات إلى شوارع سوريا
السفير :
أن يمضي سعد الحريري أيامه في بلده وبين أهله، أفضل بمليون مرة من استمراره مهاجراً، يخاطب جمهوره موسمياً عبر الشاشة ويتلقى الرسائل والشكاوى، الواحدة تلو الأخرى، تعبيراً عن فقر الحال.. وتشرذم «التيار».
هو وقت سياسي ضائع بامتياز، محلياً وإقليمياً ودولياً، فلا رئاسة جمهورية ولا سلة تسوية في المدى المنظور لبنانياً، ولا شيء سورياً يتعدى محاولة وقف النار وتثبيت خطوط الهدنة، بعدما تحولت «المخاطرة» الروسية ـ الأميركية إلى أمر واقع متدحرج ميدانياً وسياسياً، ولا شيء انقلابياً في الواقع الدولي، قبل انجلاء صورة الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخريف المقبل.
كان يمكن لسعد الحريري أن يستمر في غربته المفتوحة، متذرعاً بالخطر الأمني، وفي الوقت نفسه، يمنّي نفسه بلحظة تقرر فيها «المملكة» الإفراج عن مستحقاته المقدرة بمليارات الدولارات، لكن الانتظار طال ولا مؤشرات بانفراج مالي قريب، وها هو «تيار المستقبل» يكاد يتحول إلى «تيارات».. وثمة «مواسم» على الأبواب لا يمكن تفاديها أو الهرب منها.
صارت المعادلة التي نوقشت على مدى أشهر طويلة واضحة: الانتظار واقع ومستمر، لكن أيهما أفضل للحريري، أن يبقى متنقلاً على خط الرياض ـ باريس حصراً، أو يعود الى بيروت؟
حسم الأمر، فكانت «العودة الميمونة» التي أضفت حيوية سياسية منذ ثلاثة أسابيع، لا تقتصر على جمهوره، بل على مجمل الوضع السياسي، وهنا ينبغي أن يسجل للحريري أنه، برغم احتدام اشتباك «المحمدين» وحدّة الاشتباك الإقليمي (تحديدا السعودي ـ الإيراني)، يجهد في محاولة «تحييد» نفسه لبنانياً عن «الهجوم السعودي الكبير» على «حزب الله»، وإلا فكيف يمكن أن يفسر قراره بالمضي في الحوار الثنائي بين «تيار المستقبل» و «حزب الله» (هناك جلسة جديدة الأسبوع المقبل) وكذلك تمسكه بمبادرته المتمثلة بترشيح رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية، برغم كل ما شابها من التباسات وعيوب وبرغم كل ما تعرضت له من نيران صديقة وغير صديقة منذ اللحظة الأولى لتسريب خبر لقاء باريس الأول؟
بهذا المعنى، ألزم سعد الحريري نفسه، حتى الآن، بجدول أعمال لبناني، وحصر مشاركته في الاشتباك الإقليمي، ضمن حدود التعبيرات اليومية التي «تدين» و «ترفض» و «تستنكر» و «تستهول» كل ما يتصل بانخراط «حزب الله» في الاشتباك الإقليمي الكبير!
لم يعد الحريري يملك لا القدرة ولا الإمكانات ولا الوقائع التي تجعله يتبنى خطاب «الساحات» يوم كان يتصرف مع باقي حلفائه، وخصوصاً وليد جنبلاط، بأن القيادة السورية سيكون مصيرها إما السجون أو القبور أو المنفى السياسي!
ترك الحريري «العدة الإقليمية» لمن يتقن لعبة التحدي قولاً وفعلاً، سواء على جبهة الجنوب أو الجبهات المفتوحة في كل نواحي الإقليم. لزعيم «المستقبل» أن ينخرط في اللعبة السياسية الداخلية التي نجح في هز مياهها الراكدة منذ سنوات، بقراره المتمثل بترشيح فرنجية وباعتماد سياسة إدارة الظهر لحليفه المسيحي الأول سمير جعجع وانفتاحه على الرئيس نبيه بري وحزب «الطاشناق» وطلال ارسلان.. والأهم قراره القاضي بإعادة «لمّ شمل السنّة» في لبنان، وهو ما تم التعبير عنه بالانفتاح على نجيب ميقاتي (ولو أن ثمة «تمريك» حول مَن يقوم بزيارة مَن هذه المرة) وعبد الرحيم مراد وفيصل كرامي وباقي الأطياف السنّية...
وبطبيعة الحال، سيكون الانفتاح الحريري محكوماً بضوابط معينة، فلا يذهب سعد بعيداً في أي خيار محلي إلى حد استفزاز السعوديين، ولا يجعل اشتباكه مع «حزب الله» يصل إلى الحد الذي يجعل عودته إلى رئاسة الحكومة من «سابع المستحيلات»، خصوصا في ظل ما هو متداول بأن خياري وصول فرنجية (تفاهم باريس) أو ميشال عون (تفاهم معراب) يتقاطعان عند نقطة أساسية، وهي أن وصول هذا أو ذاك إلى بعبدا، سيعيد فتح أبواب السرايا الكبيرة أمام سعد الحريري، إلا اذا أشهر «الفيتو» بوجهه أحد اللاعبين الأساسيين محلياً أو إقليمياً.
وليس سهلاً على رئيس «تيار المستقبل»، بعدما أحيط غيابه الطويل بهالة الأمن، أن «يخاطر»، فيطل على التوالي على جمهوره في الطريق الجديدة والبقاع الأوسط وعاصمة الشمال، وهو وعد باقي «المنسقيات» بإطلالات قريبة، خصوصاً من صيدا، على أن يلبي الدعوة إلى «مواعيد مسيحية» (مثل بكفيا وبنشعي)، تنسجم إلى حد كبير مع إطلالته المسيحية الأولى من بوابة زحلة.
صحيح أن الواجب الاجتماعي في صلب زيارة ميريام سكاف وريثة رئيس «الكتلة الشعبية» الراحل الياس سكاف، لكن «النكاية السياسية» لم تغب عن ذهن زعيم «14 آذار» الذي لم يهضم «فعلة» سمير جعجع.. ولن يهضمها برغم إلحاح السعوديين، وما سيعيد التأكيد عليه يوم الخميس المقبل مع الزميل مرسيل غانم من عناوين حول وحدة «14 آذار» (؟) وخياراتها السياسية والسيادية التي لم تعد تقنع معظم هذا الجمهور.
وما دامت رسالة تفاهم معراب للأقربين والأبعدين أن المعادلة المسيحية ستكون محكومة في الاستحقاقات الرئاسية والبلدية والنيابية المقبلة بتحالف «الثنائي الماروني»، تحت طائلة الذهاب نحو خيارات سياسية «أكثر جذرية» (المناداة باللامركزية السياسية والادارية والمالية الموسعة)، فإن رسالة سعد الحريري كانت واضحة أمس، ومن عاصمة الكثلكة، بأنه حيث يملك القدرة والأصوات والتحالفات (نموذج آل سكاف و «الكتائب» والعائلات)، كما في زحلة والقضاء، فإنه لن يتردد في «تأديب» الآخرين!
النهار :
مع ان تاريخ الحكومات في لبنان مثقل بالتجارب التي كانت تعكس بلوغ الصراعات الداخلية والخارجية حدود اسقاط حكومات أو محاصرتها بالأزمات وشلها، فان ما تواجهه "حكومة المصلحة الوطنية" في مآلها ومسارها ومصيرها يبدو واقعياً من غرائب الواقع الراهن غير المسبوقة. اذ ان هذه الحكومة التي تمكنت بشق النفس من التكيف والتعايش مع أقسى التجارب التي عرفها لبنان منذ أكثر من سنتين من عمرها وسط فراغ رئاسي يطل بدوره في ايار المقبل على استهلاك سنتين من الازمة الرئاسية بدت في الساعات الاخيرة مهددة فعلاً بالسقوط بالضربة القاضية، لا على خلفية أي من الملفات السياسية أو الامنية الكبرى الداخلية أو الخارجية، بل بسبب أزمة النفايات المستعصية على أي حل.
والواقع ان المعطيات التي تجمعت أمس أبرزت سباقاً حقيقياً وجاداً مع الوقت، بل مع مهلة يبدو ان رئيس الوزراء تمام سلام قد حددها ضمناً لمختلف القوى السياسية سواء كانت مشاركة في الحكومة أو من خارجها وحدودها المبدئية الاثنين المقبل للحصول على الاجوبة القاطعة والواضحة عن خطة اعتماد المطامر وفق توزيع مناطقي يجري العمل على ترسيخه وجمع الموافقات السياسية عليه ضمن رزمة اجراءات أخرى منها وضع الحل المستدام الى جانب الحل المرحلي بما ينفي عن الخطة الاستكانة الى المطامر وحدها. واذ تطرح مع خطة المطامر الحوافز التي تساعد القوى السياسية المترددة أو المتخوفة من استفاقة الردود الشعبية الرافضة للمطامر في هذه المنطقة أو تلك فان الحقائق التي تملكها اللجنة الوزارية المكلفة ملف النفايات والتي تعقد اجتماعاتها المتواصلة برئاسة الرئيس سلام باتت أمام وقائع كارثية لأزمة النفايات بكل المعاييرالصحية والبيئية والاجتماعية لن يكون ممكناً في ظلها المضي في مزيد من التأخير والمماطلة والمماحكة لان الاسبوع المقبل ينذر بتداعيات خطيرة وباشتعال الاحتجاجات مجدداً في الشارع في حال عدم حسم الامر مطلع الاسبوع.
وفي جديد ملف النفايات، قالت مصادر وزارية لـ"النهار" إن الرئيس سلام أبلغ المتصلين به امس أن لا جديد حتى الان يتعلق بإكتمال الموافقات على خطة طمر النفايات بما يسمح بمعاودة عمل اللجنة الوزارية المكلفة الملف، مكتفياً بأن الخطة تواجه إعتراضاً في أحد عناصرها.وما لم يقله الرئيس سلام أوضحته المصادر بقولها إن خطة الطمر التي تشمل منطقة كجك بين أقليم التفاح وأقليم الخروب والكوستا برافا وبرج حمود تواجه عقبة في منطقة كجك، فيما بدت الامور مسهّلة مبدئياً في الكوستا برافا وبرج حمود. وأوضحت ان العقبة في منطقة كجك تتصل بتجاذب الاسعار بين الافرقاء المعنيين في المنطقة.وأعتبرت ان مؤشرات الحلحلة ستظهر في حال توجيه الرئيس سلام دعوة الى عقد إجتماع للجنة الوزارية تمهيداً لإنعقاد مجلس الوزراء لإقرار الخطة. ورأت انه من غير المستبعد أن يحصل تطور ما بعد غد الاثنين.
لكن أوساطاً قريبة من رئيس الوزراء قالت لـ"النهار" إن الرئيس سلام لم يتردد في التأكيد ان موضوع الحكومة سيكون مطروحا بجدية كاملة بما يتجاوز تعليق جلسات مجلس الوزراء وانه ما لم يخرج حل أزمة النفايات مع الموافقات المطلوبة فلن تبقى الحكومة وانه سيستقيل.
ولعل المفارقة الأخرى التي طبعت تطورات هذه الأزمة على مشارف الفصل النهائي من المحاولة الجديدة لحلها تمثل في تسابق عدد من الوزراء على اضفاء أجواء تشاؤمية على الاحتمالات التي تتجه نحوها الازمة. ذلك ان وزير الاتصالات بطرس حرب الذي سبق له ان لوح في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء بالاعتكاف عن حضور الجلسات، كرر ذلك أمس معتبرا انه لا فائدة من بقاء الحكومة وعليها الاستقالة اذا اعلنت عجزها عن حل المشاكل الحياتية. كما ان وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لفت الى ان الرئيس سلام اعطى مؤشراً واضحاً من خلال عدم تحديد جدول الاعمال أو موعد للجلسة المقبلة لمجلس الوزراء، مضيفاً ان مصير الحكومة مرهون بحل أزمة النفايات. اما النائب أغوب بقرادونيان وفي ما يتعلق بموضوع مطمر برج حمود، فقال إن الايجابية لا تعني الموافقة وليطرحوا مشروع ازالة جبل النفايات مع سنسول ومطمر وحوافز ودراسة اثر بيئي وحينها ندرس خياراتنا.
حركة ديبلوماسية
وسط هذه الأجواء، لا يبدو المناخ السياسي على وضوح كاف للجزم بامكانات استقالة الحكومة بما يرجح حصول تطورات في الساعة الاخيرة تحول دون الانزلاق الى آخر مربعات الفراغ في المؤسسات الدستورية بما لا يحتمله لبنان. واذا كانت الاوساط السياسية الداخلية ترصد باهتمام نتائج المحادثات التي اجراها ولي العهد السعودي الامير محمد بن نايف بن عبد العزيز مع كبار المسؤولين الفرنسيين في شأن الملف اللبناني والتي لا تشير المعطيات المتوافرة عنها الى ايجابيات ملحوظة في شأن التدخل الفرنسي لاعادة الهبة السعودية للجيش اللبناني فان معلومات أوردتها "وكالة الانباء المركزية " امس أفادت ان مساعد وزير الخارجية الاميركي للشؤون السياسية توماس شانون سيصل الى بيروت منتصف آذار الجاري لعقد لقاءات مع المسؤولين واستطلاع الأجواء وان زيارة اخرى ستليها للامين العام للامم المتحدة بان - كي مون يرافقه فيها رئيس البنك الدولي جيم يانغ كيم في اطار سعي الامم المتحدة الى ايجاد آليات مالية لانعاش الاقتصاد اللبناني.
المستقبل :
بعد طرابلس وبيروت، كان اللقاء هذا الجمعة مع أهل «الوفاء والشجاعة» في سعدنايل، فاحتشدوا وتحلّقوا من حول الرئيس سعد الحريري تأكيداً على ولائهم الوطني لخط اعتداله وتكريساً لانتمائهم الراسخ إلى مسيرة الأمل بمشروع بناء الدولة. وفي كلمة مقتضبة ألقاها إثر أدائه صلاة الظهر أمس في مسجد الإمام علي بن أبي طالب في البلدة، توجّه الحريري لأهاليها واعداً بزيارات متتالية إلى المنطقة «لأنكم أناس طيبون وأوفياء وشجعان، وسنكمل هذه المسيرة، مسيرة الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي كان ينادي بجمع اللبنانيين وكان مشروعه الوحيد بناء الوطن». ومن سعدنايل حيث أُلبس «عباءة الوفاء والتقدير» من لجنة وقف البلدة، إلى «عروس البقاع» حيث كانت حفاوة الاستقبال لافتة من الزحليين فجال على فعالياتها النيابية قبل أن يلبّي دعوة رئيسة «الكتلة الشعبية» ميريام سكاف إلى مأدبة غداء أقامتها على شرفه في فندق «القادري الكبير» وحيّت خلالها أداءه «المترفع عن أي حساسيات»، مرحبةً ومشيدةً به «رجلَ دولة وزعيماً سياسياً وشعبياً يتفقد ناسه ويغامر بأمنه لينضم إلى جمهوره».
وبعدما حمّلته مطالب زحلة الوطنية إنمائياً وبلدياً ورئاسياً، ونوهت بأدائه الذي يثبت أنه «مهما غاب قسراً عن بلده فهو قادر على أن يعود ويلمّ الشمل تحت شعار «لبنان أولاً» الذي يجب أن يتغلّب على أي شعارات أخرى»، ألقى الحريري كلمة للمناسبة شكر فيها سكاف وزحلة على حفاوة الاستقبال مستذكراً الزعيم الزحلي الراحل إيلي سكاف بالقول: «ليتني حين دخلت عالم السياسة عام 2005 كنت أعرف ما أعرفه اليوم، لكانت الأمور اختلفت جداً ولما كنا اختلفنا مع إيلي سكاف في السياسة ولا في أي مكان آخر، ولكن سامح الله من جعلنا نختلف». وأردف متوجهاً إلى رئيسة «الكتلة الشعبية»: «نحن وإياكم واحد».
وإذ جدد دعم تيار «المستقبل» لإجراء الانتخابات البلدية وأشاد بميزة العيش المشترك التي تعيشها فعلاً لا قولاً زحلة بخلاف «كثر يتحدثون عن العيش المشترك، يقرأونه كلمة على صفحة بيضاء ويرددونها»، شدد الحريري في الوقت عينه على ضرورة الإسراع في إجراء الانتخابات الرئاسية باعتبارها «مفتاح خلاص لبنان من كل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية»، داعياً في مقابل الفراغ الرئاسي الذي يمثل «أكبر تخاذل سياسي بالنسبة للبنانيين» إلى مشاركة كافة الكتل النيابية في الجلسة الرئاسية المقبلة «وأياً كان الفائز سأقول له مبروك فخامة الرئيس».
وكان الحريري قد زار كلاً من النائبين إيلي ماروني وطوني بو خاطر في منزل كل منهما في زحلة، قبل أن يعود ليستأنف نشاطاته السياسية في بيت الوسط حيث استقبل مساءً رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط وعرض معه لمجمل التطورات السياسية في البلاد.
«ستاندرد أند بورز»
وفي سياق متقاطع مع التحذيرات الوطنية من انعكاسات انعدام الاستقرار السياسي في البلاد، أبقت وكالة «ستاندرد أند بورز» التصنيف الائتماني للبنان عند«B-/B»، مشيرةً في أحدث تقاريرها الصادر أمس إلى أنّ «استمرار عدم الاستقرار السياسي الداخلي والإقليمي قد أضعف توقعات الاقتصاد اللبناني».
وفي حين توقع التقرير «أن يتواصل استمرار تدفقات الودائع إلى القطاع المصرفي اللبناني من أجل تلبية حاجات الحكومة التمويلية ودينها الخارجي»، لفت الانتباه في المقابل إلى أنّ توقعات الوكالة السلبية تعكس نظرتها «إلى التعقيدات السياسية المستمرة وارتفاع الضغوط الإقليمية وهذا من شأنه أن يشلّ عمل الحكومة اللبنانية بشكل سينتج عنه مزيداً من تباطؤ نمو ودائع القطاع المصرفي خلال الأشهر الـ12 المقبلة».
الديار :
ما صورته المملكة العربية السعودية عن اجماع عربي يتبنى تصنيف حزب الله ارهابيا تبين انه مخالف للواقع وغير صحيح في ظل المواقف التونسية والعراقية والجزائرية بالاضافة الى موقف لبنان وقد اعلن الرئىس التونسي الباجي قائد السبسي بشكل واضح رفضه للقرار السعودي بتصنيف حزب الله بتنظيم ارهابي ودعا السبسي وزير خارجية تونس لتوضيح الخطأ وتحميل وزير الداخلية الخطأ الذي وقع فيه واعلن وزير الخارجية التونسي ان بيان وزراء الداخلية العرب هو مجرد بيان وليس قرارا ملزما لاحد، في المقابل اعلن وزير خارجية الجزائر تبرء بلاده من القرار واشاد بحزب الله ودوره في مقاومة العدو الاسرائىلي كما ان الموقف العراقي كان واضحا حيث انسحب وزير الداخلية من الاجتماع فيما الرفض اللبناني عبّر عنه وزير الداخلية في المؤتمر.
واللافت ان موجة التصعيد الشعبي للقرار توسعت عبر تحركات شعبية في تونس والجزائر والعراق رفضا للقرار كما سجل اعتراضات لمثقفين كويتيين فيما استمر التنديد الفلسطيني برفض القرار واكدت على ان التحالف مع حزب الله تعمد بالدم لاسترجاع فلسطين وبالتالي كل محاولات الهيمنة السعودية على القرار العربي باءت بالفشل وهي تتخبط في سياساتها وقراراتها من اليمن الى ليبيا والعراق ومصر وسوريا ولبنان، فيما واصل حزب الله عبر مسؤوليه باعلان المواقف المنددة بالقرار وبانه تمت صياغته بحبر اسرائىلي.
ـ قضية النفايات ـ
اما على صعيد الوضع الحكومي وتهديد الرئيس سلام بالاستقالة اذا لم تحل قضية النفايات التي يبدو انها لن تسلك طريق الحل بدون تسويات سياسية غير متوافرة حتى الان، لكن الاتصالات مستمرة على مدار الساعة لايجاد حل بعد تهديد الرئيس تمام سلام بالاستقالة، وتم تحديد اربعة مطامر تم الاتفاق عليها وهي: مطمر الجية ترمى فيه نفايات الطائفة السنية، وبرج حمود للنفايات المسيحية، والناعمة للنفايات الدرزية، وكوستابرافا لنفايات الشيعة، علما ان مطمر كوستابرافا سيتم اقامته في عقار تابع لبلدية الشويفات وهذا ما يرفضه النائب طلال ارسلان وعلم ان الخلافات المستعصية تعود الى عدم التوافق حتى الان على تنظيم السرقة والمحاصصة وبدون ذلك لن يتم حل هذه المسألة مهما بلغت اخطارها على اللبنانيين.
وفي هذا الاطار جاءت زيارة النائب وليد جنبلاط الى الرئيس سعد الحريري ليل امس بعد المعلومات عن خلاف جدي وعميق بين الرجلين حول اصرار الرئيس الحريري على اعطاء التلزيمات لشركة «جهاد العرب» في ملف النفايات وملفات اخرى وفي المعلومات ان النائب جنبلاط عقد اجتماعا مع جهاد العرب مع بدء ازمة النفايات لبحث قضية فتح مطمر في كسارات اقليم الخروب قرب سبلين حيث الاراضي تعود للنائب جنبلاط، وجرى خلاف بين الطرفين وعدم التوافق وانسحب جنبلاط من الامر بعد اعتراضات الاهالي وانتهت القضية وتم بعدها اقتراح خيار الترحيل للنفايات وهدأت الامور.
وتشير المعلومات بعد العودة الى قضية المطامر قام جهاد العرب بشراء كسارة «كجك» في اقليم الخروب، واعلنت اللجنة الوزارية المكلفة متابعة قضية النفايات انه تم التوافق على تحويل كسارة كجك الى مطمر بدعم من الحريري واشترط العرب تلزيمه الكنس والجمع وتم ازاحة النائب جنبلاط من هذا الملف، وتؤكد المعلومات ان جنبلاط رد على الفور بابلاغ سلام رفضه لاقامة اي مطمر في اقليم الخروب مهما كلف الامر وقال لسلام «دخيلك ما تحاكيني بمطمر في اقليم الخروب لا استطيع تحمل الاتهامات، والاهالي يرفضون ذلك» واستتبع كلام جنبلاط بتصريح لنائب الشوف علاء الدين ترو ويرفض اقامة اي مطمر في اقليم الخروب والتحضير لتحركات شعبية فيما دعا الحريري اهالي الاقليم للتهدئة.
واشارت المعلومات ان جهاد العرب محسوب على الرئيس سعد الحريري وهناك معلومات بأن العرب قام بدفع فواتير متأخرة للرئىس الحريري في لبنان حتى ان جنبلاط اتهم العرب بشراء بيوت اثرية في بيروت بأسعار زهيدة وتحويلها الىِ مجمعات سكنية وهذا ما يشكل ضررا على مدينة بيروت وتراثها الثقافي وان جنبلاط احبط عملية البيع كما ان حملة جنبلاط على القاعدة البحرية التابعة للجيش اللبناني تعود باتهامه العرب بشراء اراض قرب القاعدة البحرية لاقامة مرفأ سياحي. في المقابل اعلن الوزير فاعور رفض اهالي عاليه فتح مطمر الناعمة ولو ليوم واحد لان ذلك يترك اكبر الاضرار على الاهالي وهذه ورقة اضافية يستخدمها جنبلاط لمنع تلزيم العرب.
وبعيدا عن مطمر الجيه والناعمة فإن قوى سياسية ومن بينها حزب الطاشناق ترفض اقامة مطمر في برج حمود الا ضمن خطة انمائىة شاملة اما بالنسبة لمطمر الكوستابرافا فان الاعتراضات الشعبية والسياسية تتصاعد وابلغ النائب طلال ارسلان الجميع رفضه لاقامة المطمر وقال «يخيطوا بغير مسلة الكوستابرافا» ولو بدأ العمل لاقامة المطمر فيلزمه ثلاثة اشهر لاستقبال النفايات واعلنت بلدية الشويفات دعمها لموقف ارسلان ورفضها لاقامة المطمر.
وفي ظل هذه الاجواء هل يستقيل الرئيس تمام سلام نهار الاثنين بعد انتهاء مهلة الثلاثة ايام التي اعطاها لحل قضية النفايات ام يمدد الامر لجلسة الخميس رغم ان الرئىس سلام يعرف ان موضوع الاستقالية امر خطير جدا وهذه الخطوة لا تحظى بتغطية القوى الخارجية وربما رمى الرئىس سلام هذه الورقة بوجه الجميع لايجاد المخرج لكن حسابات سلام في مكان وحسابات القوى السياسية في مكان اخر وابرز من عبّر عن سخطه من الطريقة التي يدار به هذا الملف هو الرئيس نبيه بري الذي قال:« سألوني عن كل شي الا عن ملف النفايات لقد تحدثت كثيرا في هذا الامر وفي طريقة الحل».
الجمهورية :
في وقتٍ سيطرَ الجمود على الملفات الداخلية، قفزت إلى الواجهة المواقف الدولية المتصلة بالشأن اللبناني. وفيما زار وليّ العهد السعودي وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف باريس حاصداً مزيداً من الدعم الفرنسي لعمليات بلاده في اليمن، واستمرار الرياض في خطواتها التصاعدية ضدّ «حزب الله» ونيّتها إبلاغ مجلس الأمن بقرارها القاضي بتصنيفه إرهابياً، بَرز رهانٌ لبنانيّ على دور فرنسي يُقنِع الرياض بالعودة عن قرارها تجميد الهبة، فيما نفَت واشنطن على لسان وزير الدفاع آشتون كارتر «أن تكون السعودية قد سلّمت لبنان إلى «حزب الله»، وأنّ وقف الهبات مرتبط بالقلق على أمنها بسبب تصاعد دور إيران في المنطقة». وقد أكّد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في رسالة وجّهها إلى وزارة الخارجية اللبنانية، أنّ «إعادة السلام في سوريا ستساهم في العودة الطوعية للنازحين». ينطلق الأسبوع المقبل على وقع استمرار الملفات الخلافية الداخلية والخارجية التي تُغرق السياسة اللبنانية الهشّة، ويبدو أنّ القوى السياسية عاجزة عن إيجاد حلول بلا إيحاءات خارجية. فالنزاع السعودي - الإيراني يشتدّ، فيما يغيب الوسيط الدولي القادر على جمعِ هاتين القوّتين الإقليميتين، خصوصاً أنّ واشنطن مشغولة بانتخاباتها الرئاسية، وباتت موسكو جزءاً أساسياً من الحرب السورية.
وفي غضون هذه المعطيات الإقليمية، يعود الخلاف اللبناني القديم - الجديد على السياسة الخارجية ودور لبنان في المنطقة، حيث يَظهر جليّاً أنّ المشكلة أكبر من الأشخاص، بعد المواقف من تصنيف «حزب الله» إرهابياً.
ويصل الخلاف إلى عمق الإشكالية اللبنانية وأزمة الهوية منذ نشوء دولة لبنان الكبير عام 1920 وصولاً إلى الحرب الأهلية ونهايتها بتوقيع اتّفاق «الطائف» عام 1989 وما نعيشه اليوم من تقلّبات ومحاولة كلّ فريق لبناني الانتصارَ في لعبة شدّ الحبال الداخلية والإقليمية مستنداً إلى تحالفاته الخارجية.
وأمام كلّ هذا الواقع المأزوم خارجياً والمجبول بالنفايات الداخلية، تتّكل الطبقة السياسية على حلّ خارجي وكأنّها «تنتظر آتٍ لن يأتي في القريب العاجل»، لأنّه وحسب معرفة السياسيين الذين يقصدون الخارج ويجتمعون مع المسؤولين الأجانب، فإنّ «الدوَل الكبرى لا تفكّر في مشاكلنا، بل تدعو اللبنانيين إلى حلّها».
قمّة إندونيسيا
وفي ملفّ متّصل بالأزمة الديبلوماسية اللبنانية وطريقةِ التعاطي على المنابر العربية والإقليمية، بَرز تكليف رئيس الحكومة تمّام سلام، وزيرَ البيئة محمّد المشنوق لتمثيله في القمّة الإسلامية الاستثنائية الخامسة في شأن فلسطين يومَي الأحد والإثنين المقبلين في العاصمة الإندونيسية جاكارتا.
وطرَح هذا التكليف تساؤلاتٍ عدّة في الأوساط السياسيّة، خصوصاً أنّه سيَحضر هذا المؤتمر مسؤولون كبار في دوَل إسلاميّة، فيما كان منتظراً تكليفُ وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل تمثيلَ لبنان في هذا المؤتمر.
وسألت بعض الأوساط «عمّا إذا كان سلام تجنَّبَ تكليفَ باسيل خوفاً من تكرار ما حصَل في اجتماع وزراء الخارجية العرب، والمؤتمر الإسلامي، وأنّ اختيار المشنوق أتى نتيجة قربِه من سلام وتناغُمِه مع مواقفه».
وفي هذا الإطار، أوضَحت مصادر السراي لـ«الجمهورية» أنّ «الدعوة وُجّهت إلى سلام من الدولة الإندونيسية ومنظّمي القمّة، وفي هذه الحالة يستطيع سلام أن يكلّف من يشاء من الوزراء في حال كانت الدعوة موجّهة إليه، وليس حصراً وزير الخارجية، وهذه الأمور تحصل باستمرار وفي مؤتمرات عدّة». ونفَت أن «يكون استبعاد باسيل قد حصل بسبب الموقف السياسي أو الخلاف الذي وقعَ بعد مواقفه الأخيرة في اجتماع وزراء الخارجية العرب والمؤتمر الإسلامي».
رسالة بان كي مون
وفيما يستمرّ لبنان بتحمّلِ تردّدات الأزمة السوريّة، وخصوصاً في ملفّ النازحين، واستبعاد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس وقفَ المساعدات الخليجية للبنان من أجل مواجهة هذه الأزمة الوجودية، بَرزت أمس رسالة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى وزارة الخارجية اللبنانية، والتي أكّد فيها أنّ «إعادة إرساء السلام في سوريا ستُتيح للأمم المتحدة أن تساهم في خلقِ الظروف التي تَسمح بأن تتمّ العودة الطوعية للنازحين بأمانٍ وكرامة. وفي تلك الحالة، فإنّ العودة تمثّل بالنسبة إلى معظم اللاجئين الحلَّ الأمثل»، مشيراً إلى أنّ «وضعَ النازحين يستلزم حمايةً دولية».
جونز
وفي هذه الأثناء، برَز حِرص أميركي وبريطاني على أمن لبنان واستقراره، وتأكيدُهما الاستمرارَ في دعم الجيش اللبناني في أداء مهمّاته الأمنية. وأمس، زار القائم بأعمال السفارة الأميركية السفير ريتشارد جونز، كلّاً من رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس الحكومة تمّام سلام، والرئيس سعد الحريري، وعرضَ معهم للتطوّرات الراهنة.
وفي السياق، قالت مصادر واسعة الاطّلاع لـ»الجمهورية» إنّ جونز جالَ على القيادات السياسية والحزبية في إطار تقويم جلسة 2 آذار الانتخابية، مستقصياً الظروفَ التي رافقَتها وتلك المتوقّعة بعدها، خصوصاً بعدما سجّلت مشاركة أكبرِ عددٍ من النواب، وهو ما عدّته بلادُه مؤشّراً إيجابياً.
وأوضَحت المصادر أنّ جونز يسعى إلى تشجيع اللبنانيين على ولوج الاستحقاق في أفضل الظروف، وإنضاج طبخة داخلية تُترجم التوافقَ الداخلي على وصول رئيس للجمهورية لإعادة تنظيم العلاقات بين المؤسسات الدستورية.
وعبَّر جونز في جولته عن ارتياحه للوضع القائم على الحدود الجنوبية، وتقديره لدور الأمم المتحدة عقبَ الجولة الميدانية التي قام بها برفقة قائد «اليونيفيل» على الخط الأزرق، مرحّباً بحجم التنسيق القائم بين الجيش و«اليونيفيل»، مطمئنّاً من قيادة القوات الدولية إلى حجم الاستقرار الذي تعيشه المنطقة في ظلّ التزام مختلف الأطراف قواعد الاشتباك ومقتضيات القرار 1701 والقرارات ذات الصلة بالوضع في الجنوب.
كارتر
لكنّ اللافتَ تَمثّلَ في صدور موقف أميركي مهمّ، هو الأوّل من نوعه، بعد وقفِ الهبات السعودية، إذ رفضَ وزير الدفاع آشتون كارتر خلال جلسة نقاش نظّمتها شركة «مايكروسوفت»، «فرضيّة أن تكون السعودية قد سلّمت لبنان إلى «حزب الله» بسبب قرارها حَجبَ المساعدات عن الجيش وأجهزة الأمن».
وأشار إلى أنّ «قرار السعودية وقفَ مساعداتها لبيروت مرتبط بقلق المملكة على أمنها بسبب تصاعد دور إيران والمليشيات الموالية لها في المنطقة. وللسعودية باعٌ طويل في الاهتمام بأمن لبنان، وهي مستمرّة في ذلك».
واعتبَر كارتر أنّ «واشنطن تحتاج إلى أصدقائها لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»، وهو أمرٌ يُهيمن على السياسة الخارجية للسعودية، إضافةً إلى قلقها على أمنها من إيران والمليشيات المتحالفة معها».
الحريري وجنبلاط
وارتباطاً بالوضع الإقليمي، لا يزال ملفّ رئاسة الجمهورية معلّقاً، وسط الدعوات المتكرّرة من قوى «14 آذار» والمراجع الروحيّة، للنواب، للنزول إلى الجلسة وانتخاب رئيس للجمهورية. وفي هذه الأجواء، جالَ الرئيس سعد الحريري في البقاع الأوسط، معلِناً تمسّكه بإجراء الانتخابات البلدية، مؤكداً أنّ «انتخابات الرئاسة هي المفتاح لخلاص لبنان من كلّ الأزمات».
وليلاً التقى الحريري رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، في حضور وزير الصحة العامة وائل ابو فاعور والسيّد نادر الحريري ومستشاره الدكتور غطاس خوري.
وفي الوقت الذي استبقى الحريري زوّاره إلى مائدة العشاء، قالت مصادر مطّلعة لـ»الجمهورية» إنّ اللقاء تمّت بَرمجته قبل أيّام قليلة، وتحديداً بعد عودة أبو فاعور من زيارته إلى السعودية ولقائه، موفداً من جنبلاط، عدداً من القيادات، وأبرزُها رئيس المخابرات السعودية خالد الحميدان وناقشَ معه تطوّرات العلاقات بين لبنان والمملكة والظروفَ التي أملت على الرياض اتّخاذ الإجراءات التي باشَرتها على أكثر من مستوى سعودي وخليجي، والتوجّه الى حشد المواقف الإقليمية من قراراتها في شأن لبنان بعد تجميد الهبة السعودية للجيش اللبناني من الأسلحة الفرنسية.
وقالت المصادر إنّ ابو فاعور عرضَ لنتائج زيارته، معبّراً عن تخوّفه من نتائج القرار السعودي وانعكاساته السلبية على الوضع في لبنان.
وأجرى المجتمعون جردةً شاملة للتطورات التي تمرّ بها البلاد وصولاً إلى ملف النفايات، بعدما عبّر الحريري عن النية في مساعدة الحكومة في توفير التوافق على المطامر، وخصوصاً أنّ جنبلاط ما زال يَرفض التوسّع في الخطة نحو إقليم الخروب والشوف. كما تناول البحث المساعي الجارية لتوفير الظروف التي يمكن أن تؤدي إلى جلسة كاملة النصاب لانتخاب رئيس الجمهورية.
اللواء :
بدأ أمس ان البلد كلّه دخل في مرحلة «ربط نزاع» بين الاستقرار السياسي معبراً عنه بحكومة الرئيس تمام سلام، والضغوط على هذا الاستقرار، عبر استمرار الشغور الرئاسي، وتعثر حل مشكلة النفايات مجدداً، وتمسك «حزب الله» بادائه، مما يبقي الغضب العربي قائماً في وجهه ووجه الاحتضان العربي للبنان.
وفي ظل «وشوشة» دبلوماسية أميركية - روسية - إقليمية، ومن زاوية الهدنة السورية المطلوب استمرارها، والخاضعة لضغط القنص والقصف واستمرار العمليات الحربية، لملء الشغور الرئاسي، تتخذ الحركة التي يسجلها يومياً الرئيس سعد الحريري بعد عودته منذ 14 شباط إلى اليوم، أبعاداً وطنية وإنمائية وحتى اقتصادية، ودبلوماسية لدرء الخطر عن الاستقرار، وحماية البلد، كخطوة لا بدّ منها لتثبيت الاستقرار، وإعادة تكوين السلطة من انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، وتصويب السياسة الخارجية تجاه الأشقاء العرب، فضلاً عن إعادة احياء برنامج التنمية والاستثمار، بصرف النظر عن مآل التطورات في سوريا، وإن كان تثبيت الهدنة وانطلاق العملية السياسية في جنيف، يُعزز الانتقال إلى مرحلة تتخطى «ربط النزاع» إلى احتضان وطني وتماسك داخلي، وتنقية العلاقات اللبنانية - العربية، ولا سيما دول الخليج مما انتابها من شوائب، في ضوء الأزمة مع دول مجلس التعاون الخليجي، والاخذة في الاتساع، حيث انضمت تركيا أمس، على لسان نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورتولموش، إلى حملة تطويق «حزب الله»، إذ اتهم المسؤول التركي الحزب بمشاركته في «اعمال اجرامية في سوريا»، مضيفاً ان «لبنان عانى من الحرب الأهلية سنوات طويلة، وهو الآن يبحث عن الاستقرار، وسوريا تعاني من الحرب الأهلية وتبحث عن الاستقرار، ونجد ان «حزب الله» انتقل من الأراضي اللبنانية إلى السورية للمشاركة في الحرب الأهلية، وهذا أمر لا يمكن قبوله، ويعد انتهاكاً لحرمة سوريا».
ويأتي هذا الموقف التركي في وقت كشف فيه السفير السعودي في الأمم المتحدة عبد الله المعلمي انه سيتم إبلاغ مجلس الأمن باعتبار مجلس التعاون الخليجي «حزب الله» منظمة إرهابية.
الحريري في زحلة
في خضم هذا الحراك، تبدو عملية خلط الأوراق الداخلية ماضية على قدم وساق، فبعد إعادة تموضع «القوات اللبنانية» وتقديم التحالف مع «التيار الوطني الحر» على ما عداه سياسياً، وعلى صعيد انتخابات الرئاسة الأولى، والتأكيد على هذا الموقف، بعد زيارة أمين سر تكتل «الاصلاح والتغيير» النائب إبراهيم كنعان إلى معراب أمس، وإطلاق ورشة التنسيق في الانتخابات البلدية، إذا ما جرت، توقفت الأوساط السياسية عند الغداء الذي أقيم على شرف الرئيس الحريري في مدينة زحلة، في منزل الوزير الراحل ايلي سكاف، حيث قدمت ارملته السيّدة ميريام سكاف، التي آلت إليها زعامة الكتلة الشعبية، هدية تذكارية لرئيس تيّار «المستقبل» عبارة عن لوحة لمدينة زحلة، وأشارت كلمتا الحريري وسكاف إلى تطابق يمكن ان يؤسّس لتحالف بلدي وانتخابي على حساب تحالفات سابقة وحالياً يجري الاعداد لها في العملية الراهنة بإعادة خلط الأوراق على أكثر من جبهة وعلى غير صعيد رئاسي وبلدي ونيابي، خصوصاً في ضوء ترشيح الرئيس الحريري للوزير سليمان فرنجية للرئاسة الأولى، وإعلان معراب الذي تبنى ترشيح النائب ميشال عون.
ومن فندق القادري حيث أقيم الغداء، أعلن الرئيس الحريري ان زحلة تريد انتخابات رئاسية أولاً، لأن الانتخابات هي مفتاح خلاص لبنان من كل الأزمات، واصفاً عدم وجود رئيس في بعبدا بأنه «اكبر تخاذل سياسي والمسؤولية الكبرى على كل النواب»، داعياً إلى النزول إلى الجلسة رقم 37 لانتخاب الرئيس، معتبراً ان عدم النزول إلى المجلس لا يعتبر حقاً دستورياً.
وقال: ليس حقاً ان نبقي البلد 18 شهراً أو 19 أو 20 من دون رئيس جمهورية، مؤكداً انه مع اجراء الانتخابات البلدية، مخاطباً السيدة سكاف «اننا وإياكم واحد، وسامح الله من جعلنا نختلف».
وكان الرئيس الحريري الذي وصل إلى البقاع في زيارة غير معلنة، ادى صلاة الجمعة في مسجد الامام علي في بلدة سعدنايل، حيث كان في استقباله حشد كبير من المواطنين والمصلين، فيما أمّ الصلاة مفتي زحلة والبقاع الشيخ خليل الميس الذي وصف الزيارة بأنها تعطي الأمل لأبناء البقاع واللبنانيين بغد أفضل.
وألقى الرئيس الحريري كلمة مقتضبة في المصلين أكّد فيها انه سيكمل مسيرة والده الشهيد رفيق الحريري، مشيراً إلى انه عاد إلى لبنان ليبقى، وانه سيقوم بجولات أخرى على مناطق لبنانية في مقدمها صيدا.
الحكومة والنفايات
ومصير الحكومة في ضوء أزمة النفايات، حضر بين الرئيس الحريري والنائب وليد جنبلاط الذي زار «بيت الوسط» مساء أمس، حيث تطرق البحث، وفق المعلومات، إلى الجهود التي يمكن أن تُبذل والاتصالات مع فعاليات إقليم الخروب لثنيهم عن رفض إقامة مطمر في كسارات كجك، في إطار خطة الحكومة لمعالجة النفايات المتراكمة والتي اقتربت من نصف مليون طن، وباتت تُهدّد على مشارف الصيف بأوبئة وتسمم وحشرات تصيب اللبنانيين، بصرف النظر عن مناطقهم وطوائفهم ومذاهبهم.
وتأتي جهود الحريري - جنبلاط في معالجة ملف المطامر لمساعدة الرئيس تمام سلام على تجاوز هذه العقبة، حيث أنه من غير الممكن، حسب ما أكد في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء الاستمرار في ترؤس حكومة غير قادرة على حل أزمة النفايات.
ونفى مصدر وزاري لـ«اللواء» أن يكون الرئيس سلام قد حدّد يوم الاثنين المقبل موعداً نهائياً لإيجاد حل لأزمة النفايات المتراكمة في الشوارع والأحياء منذ قرابة الثمانية أشهر، لكنه أكد أن المهلة بالتحديد هي قبل يوم الخميس المقبل، الموعد المعلن لجلسة مجلس الوزراء.
وقال المصدر أن الرئيس سلام لم يكن مرتاحاً على الإطلاق، لما وصف «بانتفاضة» أهل إقليم الخروب على رفضهم إقامة مطمر في كسارات كجك، وهي كسارة قديمة يملكها حالياً المقاول جهاد العرب وتقع في وادٍ بين ساحل الجية وضهر المغارة والدبية في الإقليم.
وأكدت مصادر السراي الحكومي لـ«اللواء» أن لا تطورات جديدة حصلت خلال الساعات الماضية بشأن حل الأزمة، وبالتالي فإن الرئيس سلام لن ينتظر طويلاً، حيث من المتوقع أن يكون له موقف واضح قبل منتصف الأسبوع المقبل لتحديد خياراته، خصوصاً وأن الأمور لم تعد تحتمل، مشيرة إلى أن ما أعلنه خلال جلسة مجلس الوزراء هو إعلان جدّي بذهابه إلى أبعد من تعليق الجلسات، أي إلى الاستقالة، خاصة وأن الرئيس سلام تحمّل الكثير من خلال العواصف العاتية التي تعصف بالبلد، ولكن في النهاية للصبر حدود.
وفي المعلومات، أن خيارات اللجنة الوزارية والتي لم يتحدد بعد موعد جديد لاجتماعها، تنحصر في التوافق على إقامة أربعة مطامر صحية وهي الآتية:
- مطمر الناعمة في الشوف، على أن يعاد فتحه لمدة وجيزة من أجل نقل النفايات المتراكمة في بيروت، ولا سيما في منطقة المرفأ، ومن ثمّ يعاد إقفاله نهائياً، وهذا الخيار وافق عليه النائب وليد جنبلاط.
- مطمر الكوستا برافا، والذي لم يجد معارضة شديدة من قبل النائب طلال أرسلان الذي يتجنّب خوض معركة في هذا الشأن، في إشارة إلى موافقة ضمنية.
- مطمر برج حمود، مع أن حزب الطاشناق يضع شروطاً محددة، لكن مصادر اللجنة تعتقد أنه بالنهاية سيمشي في هذا الخيار،
- أما الخيار الرابع فهو كسارة كجك في الإقليم، والذي يواجه معارضة شعبية من الأهالي، ومع ذلك تعوّل المصادر على الجهود التي سيقوم بها الرئيس الحريري مع النائب جنبلاط للضغط على الأهالي للقبول بإنشاء هذا المطمر في منطقتهم.
لكن مصادر وزارية أخرى كشفت لـ«اللواء» أن خيارات اللجنة الوزارية وقعت على سبعة مواقع وليس أربعة، تحفظت الكشف عنها، خوفاً من إحراقها مثلما حصل مع موقعي كجك والكوستا برافا، علماً أن ما من شيء نهائي بانتظار الاتصالات التي تجري مع القوى السياسية المعنية.
ونفى عضو اللجنة الوزير نبيل دو فريج لـ«اللواء» أن يكون تبلّغ بموعد جديد لاجتماع اللجنة، مبدياً تشاؤمه حيال الموضوع، خصوصاً وأن أي تطوّر جديد لم يطرأ على ملف النفايات حتى الآن، مشيراً إلى أنه لم يعد هناك أي ثقة للمواطن بالدولة حتى لو برز الإجماع.
الرئاسة
والملف اللبناني بكل تشعباته من الإجراءات الخليجية ضد «حزب الله» إلى توقف الهبة السعودية لتسليح الجيش اللبناني بعد صفقة الأسلحة مع فرنسا، إلى انتخابات الرئيس وفصل أزمة لبنان عمّا يجري في سوريا، كانت من أبرز المواضيع التي بحثها ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن نايف في الأليزيه مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، إنطلاقاً من وحدة الاهتمام السعودي - والمقاربة المشتركة للطرفين للنزاعات الدائرة، لا سيما الحرب في سوريا والتدخلات الإيرانية غير المشروعة في شؤون المنطقة.
وتأتي زيارة الأمير السعودي إلى باريس في ظل معلومات ديبلوماسية سبق ان أشارت إليها «اللــواء» عن اتصالات أميركية - روسية تشارك فيها باريس لانضاج طبخة الرئاسة الأولى، بالتشاور مع كل من المملكة العربية السعودية وإيران.
الاخبار :
لا يُحسد الرئيس سعد الحريري على الظروف التي تضعها أمام تيار المستقبل الخطواتُ التصعيدية السعودية الأخيرة تجاه حزب الله واللبنانيين. فالرئيس العائد من منفاه الطوعي إلى لبنان قبل ثلاثة أسابيع، يواجه جملة أزمات تنظيمية داخل تياره واستحقاقات سياسية، بدءاً بملفّ رئاسة الجمهورية وصولاً إلى الانتخابات البلدية المزمع إجراؤها في أيار المقبل، فضلاً عن الأزمة المالية التي يواجهها التيار، في ظلّ شحّ الدعم السعودي وتراكم الديون والمستحقات في مؤسسات المستقبل الإعلامية والاجتماعية.
ولا ينقص الحريري أن تتصاعد حدّة المواجهة داخل البلاد مع حزب الله، في الوقت الذي لا يملك فيه أدوات المواجهة. غير أن مصادر في فريقي 8 و14 آذار معاً، تؤكّد أن الحريري يبتعد عن التصعيد ليس فقط بسبب عدم قدرته على خوض مواجهة شاملة مع حزب الله عملاً بالرغبة السعودية، بل أيضاً بسبب «اقتناع شخصي وسياسي بضرروة عدم نقل التوتر من المحيط إلى لبنان والحفاظ على الاستقرار الداخلي والاستمرار في الحوار تحت أي ظرف». وبحسب المصادر، فإن القرارات السعودية التي تتالت منذ بدء التصعيد ضد حزب الله والإعلان عن وقف الهبات إلى الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية، وصولاً إلى إعلان مجلس التعاون الخليجي وضع حزب الله على لائحة الإرهاب أول من أمس، بالتوازي مع الحديث عن نيّة سعودية ـــ تركية للتصعيد الأمني في الداخل اللبناني، تضع الحريري أمام خيارين أحلاهما مرّ؛ فالخيار الأول، وهو إهمال الضغط السعودي والاكتفاء بمواقف مؤيّدة من دون نقل التوتّر إلى الشارع، يحرم الحريري الحصول على الدعم المالي السعودي المطلوب لخوض الانتخابات البلدية ودفع المستحقات المالية الضرورية لشدّ عصب تيار المستقبل كحالة سياسية، فيما يضع الخيار الثاني، وهو السير بالضغوط السعودية والتصعيد بوجه حزب الله، البلاد أمام احتمالات مواجهة حقيقية، يكون الخاسر الأكبر فيها الحريري وتيار المستقبل، مقابل نموّ قوى تكفيرية و«أمراء» مناطق داخل المستقبل نفسه، في ظلّ التجاذب المذهبي الكبير في المنطقة ولبنان، ومحاولات تفرّد شخصيات مستقبلية بخطاب مغاير لخطاب الحريري، لا سيّما الوزير أشرف ريفي.
الاشتباك المسلّح الذي وقع قبل أسبوعين في منطقة السعديات بين آل الأسعد المقرّبين من المستقبل ومفتي جبل لبنان الشيخ محمد علي الجوزو من جهة وسرايا المقاومة من جهة أخرى، وتزامن مع بدء التصعيد السعودي، فُهم في بعض الأوساط السياسية وكأنه رسالة أمنية إلى حزب الله تستهدف الإضاءة على خطّ الساحل الجنوبي، عبر حصول الاشتباك في نقطة استراتيجية كالسعديات. إلّا أن «رد فعل الحريري تجاه الاشتباك ومحاولات الوصول إلى تفاهمات تضمن الأمن والاستقرار في السعديات، تؤشّر إلى التزام الحريري بعدم التصعيد الأمني، والحرص على إبقاء الخلاف على المنابر وفي السياسة، بعيداً عن الشارع»، على ما تقول مصادر معنية في قوى 8 آذار.
هي ليست المرّة الأولى التي يحصل فيها التنافر والاستفزاز بين أبناء رفعت الأسعد المعروف بـ«المختار»، وعناصر من سرايا المقاومة (بعضهم من أبناء السعديات) على مدى السنوات الماضية.
وسبق أن استعر التوتّر في المنطقة خلال عامي 2012 و2013، على خلفية قطع طريق الساحل الجنوبي والتحركات التي قادها المستقبل أحياناً، وأحياناً الشيخ أحمد الأسير (الموقوف على خلفية اعتدائه على الجيش في عبرا)، على طول الساحل الجنوبي، من وادي الزينة جنوباً وصولاً إلى خلدة، ووصلت حدّ الاعتداء على المواطنين الآمنين العابرين على طريق الجنوب «على الهوية»، تحت عناوين التحريض المذهبي والقلق من توسع سطوة حزب الله وسرايا المقاومة على الخطّ الجنوبي، والحديث عن تغييرات ديموغرافية متبادلة ومشاريع سكنية يبنيها حزب الله في المنطقة.
وتشكّل السعديات نقطة حساسة على طول الخطّ، لربطها خلدة والناعمة بوادي الزينة وصيدا ولكونها مدخلاً لإقليم الخروب وجزءاً عقارياً من بلدية الدامور، وتقطنها عائلات من مختلف المناطق، فضلاً عن ارتباط آل الأسعد بعشائر العرب التي تسكن الساحل الجنوبي.
مصادر مقرّبة من سرايا المقاومة تقول إن «سبب حصول الاشتباك هو التعديات الدائمة التي يقوم بها أبناء المختار ومعهم مجموعة من الشبان يحضرون من عرمون وخلدة. وفي المرّة الأخيرة اعترضوا طريق أحد المسؤولين وأهدروا دمه، ثمّ أطلقوا الرصاص على سيارة للسرايا». أما مصادر تيار المستقبل وعائلة الأسعد فتقول إن «السرايا هي من تقوم بالتعديات ومن بدأت بإطلاق النار، وتفرض نفسها على أهالي السعديات».
غير أن التطوّر الأهم هو اللقاء الذي عُقد قبل ثلاثة أيام بين ممثلين عن حزب الله (مسؤول جبل لبنان بلال داغر ومسؤول اللجنة الأمنية صادق غملوش) وممثلين عن تيار المستقبل (منسّق إقليم الخروب أحمد كجك والمسؤول الأمني أحمد جنون ووليد سرحال) والشيخ عمر سريج عن الجماعة الإسلامية، والمسؤولين في الحزب التقدمي الاشتراكي سليم السيد ووليد أبو عرم وممثّل عشائر خلدة الشيخ كامل ضاهر (أبو ديب)، للوصول إلى حلّ وضبط التوتّر. وهذا اللقاء أتى استكمالاً لاجتماع عقد بين مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا والنائب محمد الحجّار والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص قبل اندلاع الاشتباك الأخير.
وتوصّل المجتمعون، بحسب أكثر من مصدر شارك في اللقاء، إلى الاتفاق على أربع نقاط: رفع الغطاء عن أي شخص مخلّ بالأمن، ومطالبة الجيش اللبناني بتثبيت موقع له في السعديات، والتأكيد على احترام كافة أماكن العبادة والابتعاد عن الخطاب المذهبي والتحريض وتجنّب التجمعات داخل مصلّى السعديات ونزع كل الشعارات السياسية والعسكرية عنه، وأخيراً الاتفاق على تشكيل لجنة مصغّرة من كافة الأطراف للتدخل ومعالجة كافة الإشكالات عند حصولها.