على مدى أربع وعشرين ساعة اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بمعركة الكترونية وصلت إلى حد التعبئة الشبيهة بإعلان حال الطوارئ.
فقد استنفر" الأنصار " قواهم إلى درجة الإنذار القصوى(ج) ، فيما استقوى " المهاجرون " بمواليهم، واشعلوا المواقع بدعوات تحث الأهل والأقارب والأصدقاء والجيران وجيران الجيران وحتى من لا يجيد استخدام أجهزة الحاسوب؛ على التصويت .
موقع روسيا اليوم تماوج بين المد والجزر، وتغيرت نسب التصويت على السؤال؛( هل تتفق مع قرار دول الخليج تصنيف "حزب الله" منظمةً إرهابيةً؟)
كل دقيقة ، بل ربما كل ثانية. انخفضت نسبة الموافقين على حساب المعترضين، لترتفع مجددا على وقع تحشيد من الأنصار وتراجع لفعالية خصومهم، لتستقر فجأة على نسبة متساوية تقريبا، ثم اشتعلت المواقع مرة أخرى، ليحدث تغير عاصف يقلب المعادلة رأسا على عقب.
ديناميكية تنم عن تفاعل مؤدلج لم تخفف من حدته ساعات هزيع الليل في الأوطان والشتات. وربما عاش الأنصار والخصوم، ليلة مؤرقة، ونهارا متعبا مليئا بالقلق على مصير التصويت، الذي اعتاد عليه موقع روسيا اليوم باعتباره أحد الجوانب الحيوية لدور القناة في عالم الفضائيات الإخبارية، لا ناقة لها ولا جمل في حروب داحس والغبراء الناشبة في العالم العربي على وقع الانقسام الحاد في المجتمعات العربية .
إن القراءة السريعة لنتائج الاستفتاء تكشف عن الدرجة العالية من التوتر والمواجهة التي تعيشها المجتمعات العربية. صحيح أن قرابة 700 ألف مشارك في الاستطلاع ليست عينة متكاملة وفقا للمعايير العلمية، في استقراء توجهات الرأي العام، لكنها تمثل دليلا من بين قرائن كثيرة على أن الاندفاع الشعبي حول القضايا الخلافية، يتحول خارج العالم الافتراضي إلى معارك قد تبدأ بالملاسنة لتتطور إلى العراك بالأيادي وقد تصل إلى السلاح.
فالشارع العربي، المتأزم أصلا، ينام ويصحو على " يسقط يسقط " بعد غفوة عقود على "يعيش يعيش " الأمر الذي يفسر أن من صوت مع قرار تصنيف حزب الله منظمة إرهابية، كان يهتف في السر والعلن "يسقط " معتقدا بأن استطلاعا على قناة دولية، سيؤدي إلى " انهيار" الحزب المقاوم.
على الجانب الآخر، تعامل أنصار الحزب، ومريدوه بحساسية بالغة مع معركة النسب، وكأنهم يخسرون مواقع في معركة على الأرض، تماما مثلما يجري التعامل مع البيانات العسكرية الصادرة عن المعارك في سوريا والعراق واليمن وليبيا، الساحات الأكثر ابتلاء بحروب ما بعد الربيع، والمتشظية طائفيا وعرقيا وقبائليا .
قد يتصدى باحثون مختصون لدراسة نتائج الاستطلاع، أو الاستطلاعات الأخرى لتحديد اتجاهات الرأي العام في المجتمعات العربية. لكن الاستنتاج الذي ليس بحاجة إلى متبحر في علم الاجتماع، يشي بأن حركات ثورية حصلت على شهادة تقدير لدورها في" قضية العرب الكبرى "أو هكذا تسمى القضية الفلسطينية لبضع سنوات، يمكن أن تهتز صورتها وتكسب مزيدا من الأخوة الأعداء، بل والكارهين، لأن وباء الطائفية تفشى في المجتمعات العربية مثل الجائحة. ونتيجة الاستفتاء لن تلغي دور حزب الله في الحياة السياسية العربية، لا الآن ولا في المستقبل .
أما استطلاع روسيا اليوم، فإنه لا يخرج عن أطر الأداء الإعلامي لقناة تحترم رأي ومواقف جميع مشاهديها دون انحياز أو تمييز. ولا شك أنها تتعامل مع العينة على أنها مؤشر يعكس حدة الصراع في المشرق العربي الذي تسعى القناة الى تسليط الضوء على همومه بلا تشنج أو تطير أو تزوير.
روسيا اليوم