أكره أن أخدع نفسي عن نفسي ، وأكره أن أخدع الناس ، لأنَّ أبغض شيء في حياة المسلم هو الخداع والكذب والرياء ، وإلاَّ كيف يكون مسلماً ؟ هذا هو الإسلام وهذه شروطه وقيوده ، أو لا يكون ؟ وفي كلا الحالتين أبديتُ تقاسيم صفحتي وهويتي ، لأنَّ الإغماض والإبهام في التديُّن يقتل الدِّين نفسه في نفوس المسلمين ، لأنَّ ثقافة الإسلام هي ثقافة الصدق والمحبة والتعايش والسلام التي تزرع في النفوس الحياة والتعاون من أجل البناء الهادف ، وهذا بالضرورة تحتاجه جميع الأمم والشعوب والمجتمعات والأفراد ، وهو البديل عن ثقافة البغض والتفرقة والكراهية والأحقاد التي تهدم الحياة كما تزرع الألغام..وحتى الدماء التي أريقت بين المسلمين هي نتيجة لتلك الثقافة..في تاريخ الإسلام أمثلة رائعة جسَّدها الإمام علي (ع) والخلفاء الراشدون الذين عايشوا رسول الله (ص) ثقافة المحبة والتعايش والمصاهرة والتشاور..
وأنا المسلم الشيعي قرأتُ أحاديث وخطب الإمام علي (ع) عن الصحابة منها : (لقد رأيت أصحاب محمد (ص) فلم أر أحداً يشبهه منكم ، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً ، وقد باتوا سجَّداً وقياماً ، يراوحون بين جباههم وخدودهم ، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأنَّ بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم ، إذا ذكروا الله هملت عيونهم حتى تبل جيوبهم ، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف ، خوفاً من العقاب ، ورجاءً من الثواب ).../نهج البلاغة/ وكما تحدَّث الإمام علي (ع) عن السلطة من خلال الشورى القرآنية فقال: ( إنه بايعني الذين بايعوا أبا بكرٍ وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه ، فلم يكن للشاهد أن يختار ، ولا للغائب أن يرد ، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار ، فإن إجتمعوا على رجلٍ وسمَّوه إماماً كان ذلك لله رضا ، فإن خرج عن أمرهم خارج بأمر أو بدعة ، ردُّوه إلى ما خرج منه ، إلى آخر كلامه ......) /نهج البلاغة/ وأيضاً شارك الإمام علي (ع) في حروب الردَّة ايام الخليفة الأول ، كما ذكره المحققون كالسيد محمد باقر الصدر قائلاً : ( إنَّ الحكم السُني الذي مثَّله الخلفاء الراشدون والذي كان يقوم على أساس الإسلام والعدل ، حمل علي(ع) السيف للدفاع عنه ، إذ حارب جندياً في حروب الردَّة تحت لواء الخليفة أبي بكر ، وكلنا نحارب تحت راية الإسلام مهما كان لونها المذهبي..
إنَّ الحكم السُني الذي كان يحمل راية الإسلام قد أفتى علماء الشيعة قبل نصف قرن بوجوب الجهاد من أجله وخرج الآلاف من الشيعة وبذلوا دمهم رخيصاً من أجل الحفاظ على راية الإسلام ومن أجل حماية الحكم السُني الذي يقوم على أساس الإسلام) /البيان الثالث في النجف الأشرف شعبان عام 1399هجرية/ وأما الخليفة الثاني قال في علي(ع) (لولا علي لهلك عمر) (لا أبقاني لمعضلةٍ ليس لها أبو الحسن)...
ويذكر التاريخ أنَّ الخليفة عمر عندما أراد فتح بلاد فارس والروم فإنه إستشار الإمام علي (ع) وأسدى الإمام نصيحته الرائعة وبعث إبنه الإمام الحسن (ع) في قيادة أوائل الحملات تأييداً لما قام به الخليفة../نهج البلاغة/ وعندما قُتل الخليفة عمر وقف الإمام علي(ع) على قبره حزيناً راثياً له (فقد قوَّم الأود ، وداوى العمد ، وخلف الفتنة ، وأقام السنة ، وذهب نقي الثوب، قليل العيب ، أصاب خيرها ، وسبق شرها..إلى آخر الخطبة ) /نهج البلاغة/...لا ندري كيف جاءت التأويلات والتفسيرات حول كلامه وذهب البعض منهم أنه كلام في حال التقية ، فأي تقية هذه في كل ما مرَّ ذكره..
إضافةً إلى ذلك تلك القيم والظواهر التي مارسها الإمام علي (ع) وسائر الأئمة من بعده هو كثرة الزيجات والمصاهرات وتسمية أبنائهم بأسماء الخلفاء..وحتى في زمن خلافة عثمان على ما ذكر التاريخ عندما هجم الناس عليه وقف الإمام علي (ع) مانعاً الهجوم وأوقف على داره ولديه الإمامين الحسن والحسين(ع) دفاعاً عن السلام والمحبة والتعايش ، وهذا ما تحتاجه الأمة من تلك الثقافة للخروج من محنة الطائفية البغيضة ، والمذهبية الغريبة عن المسلمين في بلادهم وأوطانهم.