لا يمكن إنكار سطوة آل سعود على الأنظمة العربية. لكن محاولتهم تحقيق «إجماع عربي» ضد حزب الله لم تنجح. فإلى جانب رفض قوى شعبية في عدد من الدول العربية لوصف حزب الله بالمنظمة الإرهابية، خرجت إلى العلن مواقف رسمية تتنصل من بيان وزراء الداخلية العرب
لم يكن المشهد السياسي اللبناني والإقليمي كما يشتهيه النظام السعودي تماماً. أول من أمس، أصدر آل سعود بياناً باسم دول مجلس التعاون الخليجي، صنّفوا فيه حزب الله منظمة إرهابية، ثم لجأوا إلى مجلس وزراء الداخلية العرب ليستحصلوا على قرار بـ«إجماع عربي»، دُسّت فيه كلمة «إرهابي» لوصف حزب الله.
لكن «الإجماع العربي» هذا بدا على شاكلة إعلان ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان منتصف كانون الاول الماضي عن تشكيل «تحالف إسلامي» لمكافحة الإرهاب، سرعان ما تلاشى بعدما أعلنت الدول الإسلامية الكبرى عدم معرفتها مسبقاً بأمر هذا التحالف المزعوم. ويوم أمس، ظهر أن «إجماع» أول من أمس في تونس لم يكن سوى «إجماع لآل سعود وحلفائهم». الدولة المضيفة لاجتماع وزراء الداخلية العرب، تونس، اعتبرت بيان وصف حزب الله بالارهاب لا يعبّر عن سياستها. وكذلك انسحبت الجزائر منه، فضلاً عن الرفض العراقي والتحفظ اللبناني. أما مصر، فأعلن مصدر في خارجيتها لـ«الأخبار» أنها لن تقطع علاقتها بحزب الله، واضعاً موافقة القاهرة على البيان في إطار تسليف النظام السعودي موقفاً تمهيداً لانتخابات الامين العام لجامعة الدول العربية. كذلك عبّرت روسيا عن رفضها لوصف حزب الله بالإرهاب. وفي الداخل اللبناني، استنفر البيان الصادر بطلب سعودي حلفاء حزب الله، جميعاً، رغم الحرج الذي يسببه موقع بعضهم. حركة أمل، التي يرأسها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، أصدرت بياناً استنكرت فيه وصف المقاومة بالإرهاب. وكذلك فعل النائب سليمان فرنجية، الذي توقّعت بعض القوى السياسية أن يأخذ في الحسبان كونه المرشح الرئاسي الذي وافقت عليه السعودية، إذا به يخرج بموقف حاد: «حزب الله مقاومة ترفع رأس لبنان والعرب، ونأسف أن تُرجم من بيت أبيها، ما يُرضي عدونا الوحيد إسرائيل».
مصدر دبلوماسي مصري: قنوات التواصل مع حزب الله ستظل مفتوحة
كلام مشابه أورده وزير الخارجية جبران باسيل في بيان حمله إلى مجلس الوزراء، طالباً أن تتبناه الحكومة. وأدّى النقاش حول البيان إلى سجال عنيف في مجلس الوزراء، ما اضطر رئيسه تمام سلام إلى رفع الجلسة، بسبب غياب التوافق على مقترح باسيل. وعلمت «الأخبار» أن التيار الوطني الحر سيُصدر بياناً اليوم يدين فيه وسم حليفه بالإرهاب. وطوال يوم أمس، صدرت مواقف وبيانات مندّدة بـ»البيان السعودي» الصادر عن وزراء الداخلية العرب، من غالبية حلفاء الحزب، وبينهم بعض الذين صمتوا سابقاً إزاء الهجمة السعودية عليه.
خارج لبنان، أكّد وزير الداخلية العراقي محمد الغبان أمس أنه انسحب من جلسة وزراء الداخلية العرب في تونس أول من أمس، بعدما «فوجئنا بتوزيع قرارات على المجتمعين دون أن يطلع عليها أحد مسبقاً، ومن دون أن تُبحث في اللجنة التحضيرية كما جرت العادة. وأعلنا تحفظنا على منهجية الإملاء وهيمنة طرف على قرارات المجلس وجرّ الآخرين الى مواقف سياسية تحقق مصالح لطرف دون آخر، فضلاً عن تضمين البيان قرارات لنا وجهة نظر فيها». وأصدرت أحزاب وتنظيمات سياسية عراقية بيانات استنكرت فيها قرار وزراء الداخلية العرب. وإذا كان موقف العراق «طبيعياً»، لكون حزب الله شريكاً للقوات العراقية الرسمية والحشد الشعبي في مكافحة إرهاب تنظيم «داعش»، فقد صدر موقفان آخران بارزان يخرقان «إجماع آل سعود». الأول من الجزائر التي أعلن وزير خارجيتها رمطان لعمامرة تبرّؤ بلاده من بيان وزراء الداخلية في تونس، لافتاً إلى أن «حزب الله حركة سياسية عسكرية تعتبر عنصراً فاعلاً في الساحة السياسية الداخلية اللبنانية». ودعا إلى «احترام دستور لبنان والترتيبات التي يبنى على أساسها التعايش في هذا البلد».
أما الموقف الثاني فمن تونس، على المستويين الرسمي والشعبي. رسمياً، أعلن وزير الخارجية، خميس الجهيناوي، أن وصف حزب الله بالارهابي «ليس موقف تونس». أما شعبياً، فكان «الاتحاد العام التونسي للشغل» (المركزية النقابية) ونقابة المحامين (عضوا «الرباعي» الفائز بجائزة نوبل للسلام 2015) قد ندّدا بوصف وزراء الداخلية العرب حزب الله بالإرهابي. ووصف الاتحاد حزب الله بأنه «رمز المقاومة الوطنية»، معتبراً أن القرار ضده يأتي «في سياق هجمة تقودها قوى أجنبية وأخرى إقليمية لتقسيم الوطن العربي وتدمير قواه وتطويعه لصالح القوى الاحتكارية الصهيونية والرجعية». كذلك استنكر البيان الصادر من تونس كلّ من «حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد» و»حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي» ومنظمات «المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية» و»اللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الانسان في تونس» و»جمعية يقظة من أجل الديمقراطية والدولة المدنية» و»الجبهة الشعبية» والاحزاب المشكلة لميثاق اتحاد القوى الوطنية والتقدمية التي اعتبرت قرار وزراء الداخلية العرب «طعناً في الظهر للمقاومة الصامدة في وجه الإرهاب التكفيري والصهيوني».
ورغم الصمت الرسمي المصري، قال مصدر دبلوماسي في الخارجية المصرية لـ«الأخبار» إن الموقف المصري من حزب الله لن يتأثر بالقرار، خاصة أن بعض مسؤوليه الذين زاروا القاهرة للتعزية برحيل الكاتب محمد حسنين هيكل التقوا مسؤولين مصريين. ولفت المصدر إلى أن عدم الاعتراض المصري على القرار جاء دعماً لمواقف دول الخليج التي تحتاج القاهرة إلى تأييدها في المرشح المصري لمنصب الامين العام في اجتماع وزراء الخارجية العرب. وأضاف أن قنوات التواصل مع حزب الله ستظل مفتوحة عندما تتطلب الحاجة ذلك. بدوره، أبدى رئيس حزب «الكرامة»، محمد سامي، في حديث إلى «الأخبار»، تحفظه على قرار وزراء الداخلية العرب، مذكّراً بأن حزب الله هو الجهة التي وضعت إسرائيل لها حسابات بعدما جعلها لا تنام بسبب قدرته على التصدي لها، مستغرباً الموقف العربي الذي يتفق مع إسرائيل.
وخارج الدول العربية، رأى رئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس الاتحاد الروسي، ميخائيل مارغيلوف، أن «اعتبار «حزب الله» إرهابياً لا يخدم الاتفاق الروسي الاميركي»، معتبراً أن «وصف أي منظمة بالإرهابية يجب أن يستند الى ضوابط الأمم المتحدة».