لعل وزراء حكومة "المصلحة الوطنية" أنفسهم لم يتنبهوا الى المصير الذي آل اليه وضع لبنان في ظل مسلسل الأزمات الخانقة التي تعتصره من خلال مفارقة ولا أغرب تمثلت في مساواة أزمة حصاره عربياً وخليجياً على نحو غير مسبوق، واقتراب أزمة النفايات من نهايات ستكون مفجعة سياسياً وحكومياً واجتماعياً ان لم يترجم وعيد رئيس الوزراء تمام سلام بما يتجاوز تعليق جلسات مجلس الوزراء الى اعلان فشل الحكومة كلاً. هذا المصير القاتم لا تزال تفصل بينه وبين المحاولة الاخيرة لاخراج حل المطامر من خرم مماحكات القوى السياسية شعرة لأن المعطيات التي تملي الاسراع في بت حل أزمة النفايات الاسبوع المقبل حداً أقصى بدت أشد ضغطاً من أي وقت سابق وما لم يحصل "الاختراق" المتأخر نحو ثمانية أشهر هي عمر هذه الكارثة فإن الحكومة آيلة الى الانهيار لا محال، علماً ان مجمل المناخ الخانق في البلاد بات ضاغطاً بقوة من أجل انفراج في مكان ما بما يشكل جرعة انعاش وخروج من شرانق العجز والتأزيم والاحتقانات.
تبعاً لهذه الصورة السوداوية لم يكن غريباً ان تتسارع محاولات التوصل الى استكمال اللمسات الجارية على الحل الموقت للنفايات والتي يساهم في الدفع نحو انجازها زعماء سياسيون من أبرزهم الرئيس سعد الحريري الى جانب الرئيس سلام الذي مضى في الضغط أمس عبر جلسة مجلس الوزراء لاتمام الاتفاق السياسي على الحل الذي أمل في التوصل اليه خلال أيام. لكن سلام قرن حديثه عن قطع اللجنة الوزراية المكلفة ملف النفايات ثلاثة ارباع الطريق نحو الحل المرحلي بتحذير من الامر "يتعلق بوجود الحكومة نفسها وجدواه"، معلناً انه لن يوجه دعوة الى عقد جلسة الاسبوع المقبل اذا لم يحل موضوع النفايات "وفي حال عدم التوصل الى مخرج خلال أيام فانه سيعلن فشل الحكومة وتالياً عدم وجود مبرر لاستمرارها".
الحل المرحلي
ومع ان مجلس الوزراء لم يتناول تفاصيل ما يجري العمل عليه في ملف النفايات، علمت "النهار" ان الاتصالات تتركز حالياً على الحل المرحلي للمطامر الظرفية باعتماد المساواة في توزيعها مناطقياً وقدراتها الاستيعابية وترجمة مبدأ الشركة بين الجميع في تحمل الاعباء وكذلك يستلزم الحل قراراً بالاجماع واداة تنفيذية. وتشير المعلومات الى ان الرئيس الحريري دخل بقوة على خط المساعدة لانجاز المخرج، كما ان وزير الزراعة أكرم شهيب يتولى عقد لقاءات مع المعنيين بعيداً من الاضواء لتذليل العقبات. ويقول مطلعون على هذه المساعي إن بعض القوى السياسية "يعيش على الخيط الرفيع الذي يربط السياسة بالنفايات" كدلالة على نوعية العقبات التي يجري التعامل معها.
وأبلغت مصادر وزارية "النهار" ان الرئيس سلام لم يعرض أي شيء يتعلق بخطة طمر النفايات في جلسة مجلس الوزراء أمس وأكتفى بالقول إنها "تحتاج الى كم يوم لأخذ الموافقات عليها" مستعملا عبارة "أيام قليلة جداً" مما يوحي أن النتائج مرتقبة قبل الخميس المقبل. فإذا كان الجواب إيجابياً كان به وإذا لم يكن كذلك فلن يعلّق الرئيس سلام أعمال مجلس الوزراء، كما تردد سابقاً، بل سيستقيل من منصبه. ورجحت المصادر حسم الموضوع خلال 48 ساعة مع الاتجاه مبدئياً الى إعتماد ثلاثة مطامر أوردتها "النهار" امس، وهي: منطقة كجك بين أقليم التفاح وأقليم الخروب والكوستا برافا وبرج حمود.
ثم إنتقل مجلس الوزراء الى موضوع قرار وزراء الداخلية العرب ودول مجلس التعاون الخليجي تصنيف "حزب الله" منظمة ارهابية وذلك على النحو الآتي بحسب المصادر الوزراية:
1 - إقترح وزير الخارجية جبران باسيل مشروع بيان يصدر عن مجلس الوزراء "يمجد "حزب الله" المقاوم الذي دافع عن العرب وحرر أرض لبنان"، لكن أحداً من الوزراء لم يعلّق عليه، حتى أن وزيريّ الحزب حسين الحاج حسن ومحمد فنيش قالا إنهما لا يطالبان بصدور أي بيان عن الحكومة.
2 - برز شبه إجماع وزاري يشمل 8 و14 آذار والمستقلين على انتقاد ممارسات الحزب وسلوكياته.
3 - برز إجماع وزاري على الموافقة على عدم تصنيف الحزب تنظيماً إرهابياً.
4 - لم تكن مداخلتا الوزيرين الحاج حسن وفنيش مقنعتيّن لسائر الوزراء بالدفاع عن سلوك الحزب ولما إستخدم الحاج حسن عبارة "التواطؤ الخليجي مع إسرائيل" طلب الرئيس سلام شطبها من المحضر.
ولفتت المصادر الى ان الجلسة لم تشهد إية إحتكاكات، فيما رفض سلام الدخول في مناقشة جدول الأعمال. ولم تستبعد المصادر دعوة رئيس الوزراء الى جلسة إستثنائية قبل الخميس المقبل إذا ما إكتملت الموافقات على خطة طمر النفايات.
الحريري وخطر سوريا
وفي غضون ذلك، رأى الرئيس الحريري في حديث الى محطة "سي ان ان" الأميركية للتلفزيون مساء أمس ان "حزب الله يلعب دور الوكيل لايران وهذا أمر مؤسف لأنه لا يمكن لبنان ان يتحمل سياسة معادية لاي دولة عربية وخصوصاً المملكة العربية السعودية التي قدمت الكثير للبنان على مدى تاريخ العلاقات بين البلدين وانفقت مليارات الدولارات في لبنان وخصوصاً بعد حرب 2006 ولم تعمد أبداً الى انشاء ميليشيات في لبنان بينما قامت ايران بانشاء ميليشيا حزب الله". واذ أوضح انه بترشيحه النائب سليمان فرنجية اراد "خلط الأوراق وقلب الطاولة لانتخاب رئيس للجمهورية"، شدد على "اننا نبذل ما في وسعنا من أجل حماية لبنان في ظل ما يجري حولنا ولا نريد ان يتحول لبنان الى سوريا اخرى"، متخوفاً من امكان حصول ذلك "فداعش قد يكون مسروراً بالقدوم الى لبنان ونحن نحاربه وسنستمر في محاربته ومحاربة جبهة النصرة ولكن في النهاية اذا لم يكن لدينا رئيس للجمهورية وحكومة جديدة فان لبنان لن يستطيع الاستمرار في مواجهة كل هذه التحديات".
ويشار الى ان الحريري استقبل مساء أمس للمرة الأولى منذ عودته الى بيروت وزير الخارجية جبران باسيل في حضور السيد نادر الحريري وعرض معه الاوضاع السياسية الراهنة.
وعّلم ليل أمس أن الرئيس الحريري سيقوم اليوم على الأرجح بزيارة هي الأولى لمدينة زحلة، حيث أعدّ له استقبال حافل بفندق القادري.
كما عُلم ان رئيس مجلس النواب نبيه بري سيلتقي اليوم على الأرجح السفير السعودي علي عواض عسيري ويبحث معه موضوع الأزمة بين لبنان والمملكة العربية السعودية والدول الخليجية.