- إن منطق التكفير للمسلمين هو منطق مرفوض ولذلك قد نقل الإجماع عن علماء المسلمين قاطبة أنه لا يجوز تكفير أهل القبلة فكيف يجوز التطاول بالسب والتكفير على أئمة المسلمين والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين؟! والقضية ليست في القاء اللوم على فريق دون فريق آخر وإنما هي في عدم جواز التكفير أصلا وهذا ما يجب أن يتجنبه الجميع وإذا أخطأ البعض أو تعمّد الخطأ بعض آخر فهذا لا يكون مبرراً لمواجهة الخطأ بالخطأ والظلم بالظلم والحرام بالحرام وقد قال الله تعالى:(ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألّا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}·
وأمّا في قضية الخوارج فهي قضية ظرفية وزمانية ارتبطت بظرفها وزمانها وبالفعل الذي حصل بالظرف والزمان وهو الخروج المسلح على إمام الزمان ولا تنتقل صفة الخروج إلى الذرية والوارثين والأعقاب لأنها ليست من قضايا النسب والميراث فالذين خرجوا على إمام زمانهم بالسلاح هم الخوارج الذين انطبق عليهم الوصف ولحقهم الحكم كما قال الله تعالى: ولا تزر وازرة وزر أخرى} وأما غيرهم فهو غير مشمول للموضوع ولا للحكم ولذلك نقول أن مسألة الخوارج التي يتعرض لها الفقهاء المعاصرون ومن سبقهم في أحكام الكفار أصبحت من المسائل التي انتفى موضوعها فيجب أن تحذف من البحث والتداول الذي يحدث الفرقة بين المسلمين الذين لا يوجد بينهم اليوم طائفة باسم الخوارج وإنما هم مسلمون بدون هذا القيد والوصف الذي حمله غيرهم من الماضين في زمن خاص وقد ورد عن الإمام علي قوله: (لا تقاتلوا الخوارج بعدي فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه)·
وفي عهد الإمام علي عندما كانت معارضة الخوارج كلامية فقط لم يمنعهم الإمام من المعارضة والتعبير ولم يأخذهم بحكم التكفير كما جاء في كلام الإمام علي عندما كان جالساً مع بعض أصحابه ومرت إمرأة جميلة فرمقها القوم بأبصارهم فقال عليه السلام (إن أبصار هذه الفحول طوامح وإن ذلك سبب هبابها فإذا نظر أحدكم إلى إمرأة تعجبه فليلامس أهله فهي امرأة كإمرأته) فقال رجل من الخوارج : قاتله الله كافراً ما أفقهه، فوثب القوم ليقتلوه فقال عليه السلام: (رويداً انما هو سبّْ بسب أو عفو عن ذنب)· وقالوا له وهو على منبر مسجد الكوفة ليس لك الحكم يا علي (لا حكم إلا الله) فقال: (كلمة حق يراد بها باطل! نعم إنه لا حكم إلا لله· ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة إلا لله وانه لا بد للناس من أمير برّ أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع به الفيء ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح برّ ويستراح من فاجر)، وهذا يعني أنّ معارضة الخوارج عندما كانت سياسية وكلامية لم يكن فيها تكفير ولا منع من حرية التعبير ولذلك كان الردُّ من الإمام علي (ع) بتوضيح تلك الشبهات التي كانت سبباً لمواقفهم·
- ومن تلك المصطلحات (ناصبي ورافضي !) فإنها صدرت تعبيراً عن صراع في مرحلة معينة انتهى منذ زمن بعيد فلا يوجد في المذاهب الإسلامية كلها من ينصب العداء لأهل البيت عليهم السلام. وأولئك الذين رفضوا الإنضمام إلى الإمام زيد في معركة الكوفة عندما رفض الطعن بالشيخين بقوله : ما سمعت من آبائي عنهما إلا خيرا!. هؤلاء أيضاً قد انتهوا وانتهت الحادثة التي كانت سبباً لتسميتهم الشخصية بها فلا تنطبق على ذراريهم الذين لم يكونوا في تلك الحادثة كما لا ينطبق عنوان الناصبي على ذرية من نصب العداء لأهل البيت وحاربهم في تلك الفترة لأن العناوين ذات الأحكام والأوصاف لا تنتقل عن موضوعاتها بدون الفعل الذي قام به صاحب ذلك الوصف والعنوان، ولا يوجد في كل المذاهب الإسلامية من ينصب العداء لأهل البيت.
المصدر : جريدة اللواء اللبنانية .