في علم الأخلاق، يرتبط مذهب الواجب بالفيلسوف الألماني عمانويل منذ، فقد بلور مفهوم الواجب الأخلاقي، أو الآمر الأخلاقي، وهو دافع ينبع من داخل الإنسان، قد يسميه البعض الضمير، إلاّ أنّ كنط يعتبره أعمق وأغنى من ذلك، إنّه آمر لا رادّ له لفعل الفضيلة ونبذ الرذيلة، وهذا الواجب مستقل عن أي إكراه أو مُعوّق أو ضرف خارجي، أو سلطة خارجية، وخاصة المعتقدات الدينية، لا إلزام زمني أو روحي،وهو يتلخّص بكلمة: يجب، أو من واجبي أن أفعل وأن لا أفعل، لذا فهذا الواجب صُوري ومطلق أي عام.
وأبرز مثال على صُوريته : إكرامُ الوالدين في كل الأحوال، ومطلق أنّه يشمل كل الكائنات البشرية التي تمتلك حداً أدنى من الوعي الأخلاقي، وذلك في اختلاف العصور والأنظمة والمعتقدات.
هذا في الأخلاق النظرية، أمّا في الدساتير والقوانين، فالواجب مرتبط بالحقوق، يقولون عليك أن تعرف واجباتك وحقوقك،إلاّ أنّ الواجب مُقدّم على الحق، تقوم بواجبك أولا، وبعدها تطالب بحقك، لذا فإنّ من واجب النائب اللبناني حضور جلسات المجلس النيابي تحت كل الضروف المحيطة به، وهذا مُقدّم على حقّ الغياب، الحضور يُمليه الواجب الأخلاقي قبل النصوص،الغياب يُبرّر بالمصلحة الفردية أو الحزبية أو الطائفية، أو التفريط بالمسؤولية،أو مراعاة أولي الأمر،وهذه كلها رذائل.
يضرب كنط مثلا على تطبيق الواجب الأخلاقي فيقول:عندنا تاجران، الأول يلتزم الصدق والأمانة، للحفاظ على مصلحته ورعاية زبائنه، والثاني يلتزم الصدق والأمانة، لأنّ الواجب يدفعه لذلك، حتى لو أدّى ذلك إلى بوار التجارة وخسارته للزبائن،الفعل الأول في نظر كنط هو فعل رذيل، والفعل الثاني هو الفضيل.
النائب المتغيب ليحافظ على مصلحة ما، ويضيع المصلحة العامة وحقوق الوطن، إنّما يقوم بفعل رذيل. وهنا قد يقول قائل: الله يرحم كنط ويرحم أيامه، نعيش عصر أخلاق المنفعة، يقوم المرء بما يعود عليه بالنفع، وقد يتذرّع بالمنفعة العامة، أو نعيش في عصر أخلاق اللذة أو القوة، على المرء ان يقوم بكل ما يُسبّب له اللذة ويُبعد عنه الألم، القوة هي الحق والحقُّ هو القوة، وعليك أن تسعى وراء السلطة والثروة لتحقق لذّاتك ومآربك ، من حقك أن تظلم، ذلك أنّك إنّما تظلم الضعيف، وهو يستحق ذلك، لتهاونه في الحصول على الثروة والسلطة.
ولكن على المرء الذي يمتلك حدّاً من الوعي الأخلاقي أن يخاطب النائب الذي من المفترض أنّه يُمثّله: أيّها النائب الذي تتغيّب لأكثر من عشرين شهرا عن القيام بواجبك، وتتبجّح بأنّك إنّما تمارس حقك الدستوري، والدستور هو أوّل من أملى عليك ملء الفراغ الرئاسي، حيث نصّ صراحة على تحويل المجلس النيابي إلى هيئة ناخبة بصرف النظر عن كل المعوقات والإكراهات والضروف.
عاش لبنان، وعاشت حقوق الطوائف، وحقوق الدستوريين الجدُد، الذين أوّل ما يستهينون به هو هذا الدستور الذي يتلطّون خلفه.