ليست المرة الأولى التي يحاول فيها حزب الله أن يتنصل من ارتكاباته أو أخطائه التي تورط اللبنانيين جميعاً والشيعة على وجه الخصوص، ولكن للأسف فإنّ المنطق الذي يلجأ إليه لا يكون بإعادة القراءة أو مراجعة نقدية أو حتى اعتراف بالخطأ وبالتالي العمل على تصحيح الأمور، وإنّما يلجأ في كل مرة إلى فزلكات خطابية، وإلى شعارات كلامية وخلطة غريبة عجيبة من المفاهيم التي ما أنزل الله بها من سلطان، هو يعلم بأنّه لم تعد هذه الحيل الكلامية والتذاكي على الاخرين تلقى رواجاً إلاّ عند جمهوره المسكين ليس إلاّ.
صحيح أنّ كثيرين لم يكونوا قبل الآن مقتنعون أيضاً بخطاب الحزب ولا بتبريرياته العوجاء، إلاّ أنّ رصيداً هائلاً من التاريخ الناصع الممتد من تجربة المقاومة والصراع مع العدو كان يقف حائلاً وسداً منيعاً بين هؤلاء وبين ما يسمعونه، فيكذبون أنفسهم ويسخفون عقولهم كرمى أن لا يصطدموا بواقع لا يريدونه يقول أن ذلك الحزب المقاوم تحول إلى مرتزقة عند الاخرين ويعمل وفق أجندات لا تخدم إلاّ مصالح الآخرين على حساب المصلحة الوطنية.
إنّ رصيداً ضخماً من تاريخ العمل المقاوم ومن قوافل الشهداء والجرحى أثمر انتصاراً عظيماً على العدو الصهيوني عام 2000 كان يجب أن يستمر مشرقا لعقود وعقود، لكن حزب الله بسلوكه وأدائه وخطابه السياسي وتموضعه وما قدمه من نموذج أخلاقي ومساهماته المعدومة في تعزيز استقرار البلد ونموه قد ساهم بشكل سريع جداً في صرف كل ذلك الرصيد الضخم وجاءت مشاركته بالحرب السورية ووقوفه الى جانب بشار الأسد ليمسحا نهائياً ما كان قد تبقى من هذا الرصيد.
مشكلة حزب الله انه لم يستوعب هذه الحقيقة بعد، ولا يزال مصراً أن يطل على اللبنانيين وعلى العالم معتقداً أنّه محاط بما كان محاطاً به منذ ما قبل دخوله إلى سوريا، في حين أنّ الناس تراه الآن عارياً تماماً ولا يكاد يستر عوراته ساتراً ولا تصدق من كلامه كلمة واحدة.
إذ كيف يكون قلبه يتمزق على أطفال اليمن وهو شارك بمجازر أطفال سوريا، وكيف يناهض نظام المملكة في السعودية على أنّه نظام ظالم وهو حليف أبشع الانظمة الديكتاتورية في زماننا، هو مع حرية الشعوب إلاّ الشعب السوري، ويقاتل الإرهاب إلا داعش، مع حرية الرأي ويخوّن "جنوبية" ومعارضيه، حريص على تحالفاته ولكن لا يخبر حلفاءه بخطواته الكبرى منعاً للإحراج، لا يريد الفتنة السنية الشيعية وينفخ يومياً في نارها، يريد حماية البلد ويعطل مؤسساته، يدعي حرصه على الجيش ويساهم عن قصد في إضعافه، هو لبناني ولكن يخوض الحروب ويعادي دولاً ويعقد صفقات بدون علم اللبنانيين، يتحدى أميركا والعرب واسرائيل والدنيا لكنه عاجز ضعيف داخل الحكومة، ووو...
إنّ تحوّل حزب الله من حزب مقاوم إلى حزب إرهابي في نظر دول الخليج ومعظم الشعوب العربية مرده أولاً وأخيراً إلى سلوك وأداء الحزب بالخصوص بعد أن فقد كامل رصيده السابق، وعليه هو أن يغير من هذا الاأداء ويكف عن رفع شماعة المؤامرة ويخرج من عقلية منطق اللا منطق المسؤول عن ما وصل اليه الحزب.