لم يكن وقع قرار مجلس التعاون الخليجي المتمثل بتصنيفه حزب الله منظمة إرهابية مفاجئا على الساحة اللبنانية، وذلك بفعل تصعيد مواقف قادة الحزب وتهديداتهم للسعودية ودول الخليج في مرحلة ما بعد سحب الهبة السعودية التي كانت مقررة للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي.
وفي ظل التساؤل عن ارتدادات القرار الخليجي على المناخ الداخلي في لبنان أمنيا وسياسيا، برز اعتراض وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، المنتمي لتيار المستقبل، على وصف "حزب الله" بـ"الإرهابي" في المقررات النهائية للدورة الثالثة والثلاثين لمؤتمر وزراء الداخلية العرب، في الوقت الذي جاء فيه موقف رئيس تيار المستقبل سعد الحريري مغايرا، حيث أكد أن تصنيف حزب الله منظمة إرهابية، جاء نتيجة الأعمال التي يقوم بها الحزب، وأن نشاطات حزب الله غير مقبولة، واصفا ما يقوم به في سوريا واليمن بأنه "إجرامي" و"إرهابي".
أما موقف حزب الله الأولي، فقد عبّر عنه رئيس المجلس التنفيذي في الحزب هاشم صفي الدين، الذي قال خلال تشييع أحد قتلى الحزب في بلدة أنصار في جنوب لبنان؛ إن "أي جهة تعتدي على المقاومة وتعتبرها إرهابا فإنها تدين نفسها وتفضح نواياها"، داعيا من "يكيد للمقاومة لأن يعيد النظر في حساباته ورهاناته الخاسرة"، بحسب تعبيره.
وكان مجلس التعاون الخليجي قد أعلن الأربعاء أنه قرر اعتبار "مليشيات حزب الله، بكافة قادتها وفصائلها والتنظيمات التابعة لها والمنبثقة عنها، منظمة إرهابية".
وقال الأمين العام للمجلس عبد اللطيف الزياني: "إن دول المجلس اتخذت القرار بسبب استمرار هذه المليشيات في الأعمال العدائية وتجنيد شباب دول المجلس للقيام بأعمال إرهابية"، مشيرا إلى "أن المجلس يعتبر أن ممارسات مليشيات حزب الله في دول مثل سوريا واليمن والعراق تتنافى مع القيم الأخلاقية والقوانين الدولية"، بحسب تأكيده.
ماذا بعد؟
من جهته، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم بيرم، المقرب من قيادات بحزب الله، في حديث لــ"عربي21"، "أن هذا القرار كان متوقعا من قبل الدول الخليجية، وسيكون له انعكاسات سلبية على الوضع العام، فحزب الله بنظر الكثيرين يعد حزبا مقاوما قاتل إسرائيل بغض النظر عن سياساته وخياراته".
وأضاف: "وصف حزب الله بالإرهاب يعد أمرا سلبيا بالنسبة لمن يؤيدونه، وسيكون له تأثيراته على المنطقة ككل، فحزب الله له علاقاته في المنطقة لاسيما في فلسطين وللعديد من الحركات اليسارية والتحررية"، وفق تقديره.
وحذر بيرم "من تنامي الشعور بأن القرار يأتي كمرحلة من مراحل محاصرة القوى التي تقف في مواجهة إسرائيل، على غرار ما حصل مع حركة حماس والفصائل الفلسطينية"، كما قال.
ورأى "أن السعودية ومعها الدول الخليجية تتذرع بما تقول إنه تدخل لحزب الله في اليمن وسوريا وغيرها"، معتبرا "أن وصول الأمور إلى هذه المرحلة يسيء إلى العمل الوطني والقومي ويخدم إسرائيل".
وقال إن "الارتدادات بدأت منذ فترة، حيث تم التضييق على اللبنانيين في دول الخليج، وسحب الكثير من الامتيازات، وارتفع مؤشر التهديدات بضرب مصالح العديد من اللبنانيين في دول الخليج، وصولا إلى التلويح بسحب الودائع المصرفية، وبالتالي لن يكون تأثير القرار الأخير أكثر فداحة مما حصل سابقا"، وفق قوله.
واعتبر بيرم أن "القرار يؤدي حتما إلى زيادة التناقضات في الساحة اللبنانية المنقسمة بين فريقين: مؤيد لخيارات السعودية والخليج ومعارض لها، وهو ما يثير المخاوف من عدم القدرة على إعادة لملمة الأمور فيما بعد وتصويبها".
في المقابل، قال الكاتب والمحلل السياسي علي حمادة إن "هذا القرار يزيد من تعقيدات الوضع الداخلي في لبنان، خصوصا مع احتدام المواجهة، أقله في السياسة، بين الخط الذي يمثله حزب الله والخط الاستقلالي الذي تنضوي فيه مجموعة أحزاب وقوى 14 آذار".
وأضاف حمادة في حديث لـ"عربي 21 "هناك محاذير تتعلق بالوضع الأمني الداخلي، وكذلك تتجه المخاوف الداخلية اللبنانية إلى سلوكيات حزب الله وكيفية تعاطيه مع هذه الأزمة".
وأوضح حمادة أنه "قد لا يكون هناك تبنٍّ لبناني كامل باعتبار حزب الله إرهابيا، لكن سيكون هناك تفهم للموقف الخليجي، كون دول مجلس التعاون الخليجي تتعرض لتصرفات وأفعال ترتقي إلى مستوى الإرهاب يقوم بها حزب الله".
ورأى أن الحزب "لم يراع الأمن الداخلي لهذه الدول، وهناك العديد من الأمثلة التي تضرب في هذا المجال، من إقامة شبكات، وتجنيد شبان في الخليج للقيام بأعمال إرهابية، وتهريب السلاح، وتجميع الأموال، إضافة إلى الحرب في اليمن، واستهداف أمن واستقرار البحرين والإمارات وغيرها".
وأضاف: "لا ننصح حزب الله بالمضي في هذا الطريق الوعر، ونتوقع أن تتضاعف الحملة عليه، لا سيما عندما يطرح موضوع حزب الله في الجامعة العربية، فهناك سيكون تصويت بأغلبية الدول العربية بتبني توصيفه كمظمة إرهابية".
وتساءل: "كيف يمكن أن يستمر حزب الله بعد ذلك، والعالم العربي بأسره يعتبره إرهابيا، فضلا عن أوروبا والولايات المتحدة والعديد من دول العالم؟". وتابع: "هناك حاجة لأن يدرك حزب الله فداحة العواقب التي تجرها أعماله داخل وخارج لبنان".
وعن مخاوف اللبنانيين من انعكاسات القرار على الأمن في لبنان، قال حمادة: "الطرف الوحيد الذي يهدد أمن وسلامة الناس والمناطق هو حزب الله، فهو المسلح الوحيد، ودائما ما يرفع منسوب التجاوزات والمخاطر والتعديات ويخطط لها، فإذا كان هناك قرار لدى حزب الله للمجابهة والمواجهة والاحتكام إلى الشارع، فهو سيكون بالتأكيد قادرا على ترجمة ذلك".
عربي 21