أيّاً كان الرقم القياسي الذي سجّله الحضور في الجلسة السادسة والثلاثين لإنتخاب رئيس الجمهورية أمس، يدرك الجميع ممَّن حضر أو راقب من بعيد أنّ ما حصل فصل جديد من مهزلة شبيهة بالأفلام المكسيكية الطويلة. فالمرشِحون حضروا وغاب المرشَحان على رغم مناشدتهما الحضور فصحّت مقولة المرشِحين: «قلبنا عليهما وقلبهما على الضاحية». فما الذي يقود الى هذه المعادلة!؟ تعب اللبنانيون من تعداد الجلسات الإنتخابية التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري لإنتخاب الرئيس العتيد للجمهورية. وعلى مسافة ثلاثة أشهر من الذكرى الثانية للشغور الرئاسي، جهد المراقبون للبحث عن الفوارق بين جلسة وأخرى بعدما بلغ العداد الجلسة السادسة والثلاثين فلم يجدوا سوى رقم قياسي جديد للحضور النيابي بوجود 72 نائباً في مقابل الغياب النادر لنواب «القوات اللبنانية» عن المنصة الإعلامية التي اعتلاها الرئيس سعد الحريري للمرة الأولى منذ الجلسة الأولى في 19 نيسان 2014 فور الإعلان عن رفع الجلسة بفعل فقدان النصاب الذي يتطلب حضور 86 نائباً.

بعد اكتشاف بعض هذه الفوارق الشكلية وبعد الإستسلام لنظرية حق النواب بالتغيّب وتطيير النصاب الدستوري، لم يعد أمام فصول «المهزلة» سوى الوقوف عند معادلة غريبة عجيبة ظهرت أمس بحضور المرشحِين من أقطاب قوى «14 آذار» بعدتهم الكاملة فتصدروا الشاشات عقب رفع الجلسة وتأجيلها الى الثالث والعشرين من الجاري يوزعون المواقف والتصريحات التي لا تغني ولا تفيد.

وفي المقابل لم يفاجئ أحداً استمرار تغيّب نواب «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» وتيار «المردة»، وفي مقدمهم المرشحان النائبان ميشال عون وسليمان فرنجية، لكنّه زاد من غرابة الموقف وضحالة الحياة البرلمانية في بلد يفتقد العمل السياسي فيه الى أبسط قواعد اللعبة الديموقراطية في ظلّ سيطرة منطق القوة القاهرة التي لا يمكن تجاهلها بحكم الأمر الواقع، وخصوصاً في ظلّ المواقف المعلنة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وما يفصح عنه قياديو الحزب بطريقة أكثر صراحة ووضوحاً والتي حضرت في ردود بعض النواب أمس.

ومرد ذلك بحسب المراقبين، أنّ السيد نصرالله لم يعد يدخل في كثير من التفاصيل اللبنانية الداخلية، فهو في مواجهة تتجاوز ما يجري على الساحة اللبنانية يتفرّغ لمواجهة القوى الإقليمية والدولية الكبرى على الساحتين السورية والعراقية فاليمن والبحرين وربما في دول أخرى.

وللدلالة على هذه النظرية فقد أكد نصرالله أنّ أفضل وأكثر المواقف نضجاً التي عبّر عنها في الفترة الأخيرة تتجلّى في الخطاب الأول الذي خصصه لإنتقاد القيادة السعودية ما أوحى أنه ليس في وارد المواجهة في الداخل الآن.

ومن هنا كان خطابه أمس الأول لتوزيع التطمينات على اللبنانيين بطريقة عكس فيها أنه القادر الوحيد على تغيير قواعد اللعبة الداخلية متى شاء ومتى أراد ذلك، خصوصاً عندما اعتبر أنّ مَن يُهدّد بقلب الطاولة «سخيف» ومَن لا يعترف بهذا الواقع فلينتظر أو يثبت العكس.

على هذه الخلفيات، فقد دلّ المشهد في ساحة النجمة أمس على أنّ البلاد تعيش وجهاً من وجوه المهزلة القائمة لإمرار الوقت الضائع. فكلّ مَن وطأت قدماه المجلس من النواب يعرف أنه في واجب قصير الأمد، وعليه أن يسجل حضوره بلا جدوى طالما أنّ الدعوة الى انتخاب الرئيس لم يحن أوان تلبيتها بعد.

وأنّ ما يحدث هو مجرّد توفير منصة تُتلى من فوقها المواقف والإتهامات لتبتلعها التطورات عبوراً الى يوم آخر قد تتغيّر فيه الأولويات طالما أنّ ملفات النفايات والفساد المستشري مفتوحة على مصارعها من دون أيّ أفق نحو الحل أو الى مخرج يمكن بلوغه أيّاً كانت خريطة الطريق اليه.

ومن هذه المؤشرات الثابتة يظهر إصرار تيار «المستقبل» وحزب «القوات اللبنانية» على مرشحيهما لرئاسة الجمهورية على رغم فشلهما في تأمين حضورهما الى ساحة النجمة على قاعدة «قلبنا على العماد عون والوزير فرنجية وقلبهما على الضاحية الجنوبية».

وهي المعادلة الجديدة التي تثبت أنّ السعي الى انتخاب الرئيس ما زال في مأزق، وأنّ البحث في أسماء أخرى سيكون المؤشر الأول والوحيد على انفراج الأزمة وهو أمرٌ سيطول انتظاره من دون إقفال باب المفاجآت التي على اللبنانيين توقعها في أيّ وقت.