لم تمضِ أيامٌ على إعلان القناة العاشرة الإسرائيلية زيارة وفد إسرائيلي «رفيع» للعاصمة السعودية الرياض قبل أسابيع، حتى رفعت السعودية من مستوى حربها على المقاومة في لبنان، بإعلان مجلس التعاون الخليجي ظهر أمس، تصنيف حزب الله منظمةً إرهابية «بكافة قادتها وفصائلها والتنظيمات التابعة لها والمنبثقة منها».

وجاء البيان الختامي لاجتماع وزراء الداخلية العرب الذي انعقد في تونس، ليكمّل العدوان السعودي على المقاومة اللبنانية، بعد تبنّي المجتمعين التصنيف الخليجي ــ السعودي لحزب الله منظمةً إرهابية، في ظلّ تحفّظ وزيري داخلية لبنان نهاد المشنوق والعراق محمد الغبان.
فعلتها السعودية إذاً، كخطوة أولى لتدشين خروج العلاقات السعودية ــ الإسرائيلية إلى العلن، بعد عقود من التنسيق والتواصل السّري بين وزارتي الخارجية والدفاع والاستخبارات في الكيانين، والتآمر على حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية وسوريا والرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.


محاولات لاستدعاء تدخّل
سعودي في لبنان تحت مسمّى «التحالف الإسلامي»



ولم يكن القرار الخليجي مفاجئاً بالنسبة إلى حزب الله. فالإجراء الأخير كان متوقّعاً منذ أسابيع، بعد فشل ضغوط سعودية وإسرائيلية لاستصدار قرار من مجلس الأمن بإدانة المقاومة، والمعلومات التي حصلت عليها المقاومة عن زيارة رئيس الموساد يوسي كوهين السعودية على رأس وفد، ولقائه مسؤولين سعوديين، والاتفاق على توحيد الجهود لضرب المقاومة في لبنان. وبالتالي، إن كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ليل أول من أمس كان استباقاً لإجراءات معروفة سلفاً. ويأتي الإعلان مكمّلاً للإجراءات السعودية التي اشتدت في الآونة الأخيرة ضد لبنان واللبنانيين من خلال طرد لبنانيين يعملون منذ سنوات طويلة في الخليج، بذرائع واهية، والطلب من الرعايا الخليجيين مغادرة لبنان، وصولاً إلى إعلان وقف الهبتين السعوديتين (مليار وثلاثة مليارات) للجيش والقوى الأمنية، علماً بأن قرار وقف دفع الهبتين متخذ منذ مدّة بسبب الأزمة المالية التي تمرّ بها السعودية جراء عدوانها على اليمن، ولأنّ من غير المجدي دعم القوى المسلحة اللبنانية، ما دامت لا تعلن الحرب على المقاومة.
وبحسب مصادر بارزة في قوى 8 آذار، إن الإجراء السعودي هو «استكمال للحروب التي تشنّها السعودية على سوريا والعراق واليمن واحتلال البحرين»، وإن ما حصل «هو إعلان تحالف إسرائيلي ــ سعودي ضد المقاومة اللبنانية والشعب اللبناني، وانخراط السعودية بشكل علني في تصفية القضية الفلسطينية». وتقول المصادر إن «السعودية حين تصل الأمور إلى العلاقة مع إسرائيل نراها تطرح السّلام ولا يهمّها حقوق الفلسطينيين من الملك فهد إلى الملك عبد الله إلى الملك سلمان، أمّا حين يتعلّق الأمر بالقوى المقاومة فإنها تعلن الحرب عليها، وتعلن تدخّلاً عسكرياً مباشراً في سوريا». وقالت المصادر إن «الخطير في الأمر هو محاولة قَوْنَنَة عربية لقرار وسم المقاومة بالإرهاب، استكمالاً للقرارات الأميركية، والذهاب أبعد من الموقف الأوروبي الذي فصل بين الجناح العسكري والجناح السياسي لحزب الله».
وفي ظلّ تصنيف أبرز التنظيمات المسلّحة التي تديرها وتسلّحها وتوجّهها السعودية في سوريا والعراق ولبنان كتنظيمات إرهابية، بحسب اللوائح التي يعمل عليها الأردن وروسيا والولايات المتحدة الأميركية، «تجد السعودية نفسها من دون أذرع عسكرية شرعية، وهي تحاول وضع خصومها على لوائح الإرهاب وشيطنتهم، تمهيداً للتفاوض مستقبلاً»، على ما تقول مصادر أخرى في قوى 8 آذار. وتضيف المصادر أن «السعودية لا تستطيع تصنيف أحد، وهي تدعم تنظيمات إرهابية كداعش والنصرة وتغذّي الأفكار الوهابية في العالم، والمقاومة تأخذ شرعيتها من قتالها إسرائيل وحاضنتها الشعبية، فيما السعودية هي أم الإرهاب في العالم».
وتشير المصادر إلى أن «السعودية تعتقد بأن الإجراءات تزيد الضغط على اللبنانيين على بيئة المقاومة، وتدفع برجال الأعمال للابتعاد عن المقاومة، لكنها بذلك تعاقب كل اللبنانيين وتحاول تحميل حزب الله المسؤولية، لكن الغالبية باتت تعرف أن السعودية تشنّ حرباً على اللبنانيين باسم العروبة». وحتى ليل أمس، لم يكن حزب الله قد أصدر أي موقف رسمي ردّاً على الإعلان السعودي، إلّا أن عدداً كبيراً من قوى المقاومة أعلنت إدانتها للموقف الخليجي. وفور صدور البيان الخليجي، أدانت وزارة الخارجية السورية تصنيف حزب الله منظمةً إرهابية، معتبرةً القرار «انعكاساً للتخبط السعودي واستلاباً لإرادة الشعب العربي في الخليج الذي يرفض التطبيع أو إقامة علاقات مع إسرائيل كما رفض وما زال المسّ بسوريا أرضاً وشعباً وسيادة»، كذلك فعلت الخارجية الإيرانية، معتبرةً أن «حزب الله حزب مقاوم ضد الكيان الإسرائيلي، واعتباره إرهابياً يأتي في ظل المؤامرة على المقاومة ويخدم الكيان الإسرائيلي».


تجد السعودية نفسها من
دون أذرع عسكرية شرعية في سوريا والعراق


وبدورها، استنكرت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين القرار، مؤكّدة أن «تاريخ حزب الله في الصراع مع العدو الصهيوني، ودعمه قضية فلسطين والمقاومة الفلسطينية، يجعلنا نربأ بأي طرف عربي، مهما كان الخلاف، بأن يتلاقى مع الموقف الإسرائيلي بتصنيف حزب الله منظمة إرهابية».

 

هل ينعكس القرار على لبنان؟

وعلى الرغم من سير الرئيس سعد الحريري بـ«البروباغندا» السعودية، إلّا أن الأخير حاول أمس الابتعاد عن تبني التصنيف السعودي لحزب الله، مع تأكيده استمرار الحوار بين تيار المستقبل والحزب. واستكمل المشنوق الموقف بالتحفّظ على وصف حزب الله بـ«الإرهابي» خلال اجتماع وزراء الداخلية العرب.
وبحسب أكثر من مصدر، فإن حلفاء السعودية في لبنان وعلى رأسهم تيار المستقبل في «حرج شديد»، إذ يتزامن التصعيد السعودي مع عودة الحريري إلى لبنان وتأكيده الدائم استمرار الحوار، وافتقاده للقدرة على قيادة مواجهة سياسية أو أمنية جديّة ضد فريق المقاومة. كذلك علمت «الأخبار» أن مفتي الجمهورية اللبنانية عبد اللطيف دريان، وبعكس ما يعلنه، عبّر أمام أكثر من جهة عن استيائه من القرارات السعودية قبل الإعلان أمس، وأكّد أمام من التقاهم بأنه «قلق من أن القرارات السعودية تنعكس سلباً على لبنان والطائفة السنية وليس على حزب الله».
وينعكس تخبّط تيار المستقبل، مع ازدياد المعلومات عن محاولات سعودية وتركية للدخول على خطّ التفجير الأمني في لبنان، من خلال إعادة تعويم خلايا إرهابية وجمعيات تعمل تحت ستار دعم النازحين السوريين في الشمال والبقاع وبيروت، وقيام الاستخبارات التركية والسعودية بالدخول المباشر على خطّ التواصل مع مشايخ و«أمراء محاور» في طرابلس. وتشير مصادر أمنية معنية إلى أن «محاولات التفجير لا ترتبط فقط بأعمال إرهابية، بل باستفزاز حزب الله ودفع جمهور المقاومة إلى ردود فعل غرائزية، يبني الخصم على أساسها مظلومية لفئة معيّنة تمهيداً لطلب تدخل عربي ودولي». وتتحدّث المصادر عن أنّ «هناك محاولات لاستدعاء تدخّل عربي تحت مسمّى التحالف الإسلامي، وسبق للوزير أشرف ريفي أن تحدّث مع السعوديين بالأمر»، إلّا أن المصادر تقلّل من أهمية الخطوة، لأن «تركيا والسعودية عاجزتان عن القيام بأي خطوة من هذا النوع من دون غطاء أميركي ليس متوافراً حتى اللحظة».
وبدا لافتاً أمس انتقاد ريفي لموقف المشنوق، لأنه «خرج عن الإجماع العربي في تصنيف حزب الله إرهابياً»، مؤكّداً أن على «الحكومة اللبنانية الاستقالة». وأشار ريفي إلى أنه «يعمل على حالة حريرية مستقلة بما لرفيق الحريري من مكانة عند سنّة لبنان... لاستنهاض الحالة السنية بخطاب واعٍ ومتابعة حثيثة»!