تَوزّع الاهتمام الداخلي أمس على ثلاث قضايا أساسية، أولاها جلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي لم يكتمل نصابُها، وغابَ عنها المرشّحان رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون ورئيس تيار «المرده» النائب سليمان فرنجية، فيما كان الرئيس سعد الحريري الحاضر الأبرز، ومع أنّ الحضور بلغَ 72 نائباً إلّا أنّها تأجّلت إلى 23 آذار المقبل لعدم اكتمال النصاب. وثانيها الذي حاز الاهتمام كان قرار دوَل مجلس التعاون الخليجي بتصنيف حزب الله «منظمة إرهابية»، وثالثها ملف النفايات الذي استحوَذ على القسط الأكبر من النقاش في اجتماع اللجنة الوزارية المكلّفة درسَه، وسط ترقّب ما ستقرّره جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية اليوم. صَدقت كلّ التوقعات، ولم تُعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بسبب غياب نوّاب تكتّل «التغيير والإصلاح» وتيار «المردة» و«الوفاء للمقاومة»، فيما ارتفع عدد النوّاب الحاضرين ليبلغ 72 نائباً، وتميّزت بحضور الحريري شخصياً، إلى كتَل «14 آذار» و«اللقاء الديموقراطي» و«التنمية والتحرير» وبعض المستقلّين.

وإذ نَقل النواب عن بري تأكيده ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، مشدّداً على «أهمية التوافق لإنجاز هذا الاستحقاق في أقرب وقت ممكن»، قال الحريري «إنّ النصاب لم يكتمل، وأتمنّى أن نتوصّل في الجلسة المقبلة الى انتخاب رئيس للجمهورية وأن يحضر النواب الذين غابوا ويمارسوا حقّهم الدستوري الذي فرضَه الدستور عليهم لكي ينتخبوا رئيساً للجمهورية، وآمل من النواب الكرام أن لا يتركوا هذا الفراغ الذي يَقتل لبنان يومياً، فلا يمكن حلّ المشكلات إلّا بوجود رئيس للجمهورية وهذا يكون أفضل بكثير من الفراغ الذي نعيشه»، مكرّراً تمسّكه بـ»ترشيح فرنجية أكثر من أيّ وقت، وأتفهّم موقفَه (بعدم الحضور)، وربّما الأمور لم تنضج بعد».

«14 آذار»

وقالت مصادر نيابية في «14 آذار» لـ«الجمهوريّة» إنّ «لعبة النصاب تُثبت أنّ «حزب الله» ما زال يعرقل الانتخابات الرئاسية، خصوصاً أنه كان يتحجّج سابقاً بأنّ ترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع هو الذي يعرقل الانتخاب، أمّا الآن فإنّ المرشّحَين هما مِن فريقه السياسي، فلماذا لا يتوسّط بين حليفَيه ويَحسم هويّة مرشّحِه؟ أو أقلّه ينزل الجميع إلى المجلس وتحصل العملية الانتخابية»؟.

وعن الخطوات المستقبلية، أكّدت هذه المصادر أنّ «إتفاق «القوات» و»المستقبل» على مرشّح ليس متوافراً حاليّاً، وأنّ «14 آذار» نظّمت خلافَها، وعلى رغم تمسّك الحريري بترشيح فرنجية، وجعجع بعون، إلّا أنّها اختارت الديموقراطية لحسمِ هذا التبايُن، ومَن ينتصر سيبارك الجميع له».

وسألت المصادر: «إذا كان محور «8 آذار» منتصراً ولا يسَهّل وصول عون أو فرنجية فماذا يريد أكثر، فهل يَسعى للسيطرة على كلّ البلد؟». وأكّدت أنّ «الاتصالات السياسية ستتكثّف بين كلّ المكوّنات، على أمل حصول مفاجأة تدفَع في اتجاه انتخاب الرئيس أو التوافق قبل جلسة 23 آذار المقبل».

وهبي

بدوره، قال عضو كتلة «المستقبل» النيابية النائب أمين وهبي لـ«الجمهورية»: «كما رأينا، أعلنَ الرئيس الحريري استمرار دعمه للنائب سليمان فرنجية، وهو متفهّم لظروف هذا الأخير، إنّما في الوقت نفسه يسعى بما أمكنَه لإنجاز هذا الاستحقاق، لأنّ كلّ ما في الدولة بتراجُع مستمر، إذ إنّ هذا الموقع حسّاس ومهمّ جداً»، معتبراً «أنّ العمل والتواصل والجهد سيستمرّ حتى الجلسة الرئاسية المقبلة، لكنّني أتوقع أن يبقى مرشّح «حزب الله» الفراغ، لأنّ مصلحته فيه في حال بقيَت الأمور كما هي في الإقليم».

وأكّد وهبي أنّ وجود الحريري في لبنان «حرّكَ الأمور والنشاط السياسي في البلد، كما أنه زاد نسبة الحضور في المجلس النيابي، ما يشكّل ضغطاً ذا قيمة تجاه المعطّلين والذين يفرضون الشغور، وأعتقد أنّ وجود الرئيس الحريري إلى جانب دعمه الحكومة واستمرار الحوار بين اللبنانيين يَخلق عامل اطمئنان داخل البلد وينشّط كلّ أشكال التواصل بين القوى السياسية».

«التيار» - «المرده»

وفيما يلتزم عون الصمت ويكتفي ببيان تكتّل «التغيير والإصلاح» أو بعض الإطلالات المدروسة، استفزّ كلام فرنجية الأخير «التيار الوطني الحر»، وردّ عضو التكتّل النائب حكت ديب على قوله إنّ «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» لا يمثّلان الغالبية المسيحية.

وقال لـ»الجمهوريّة»: «إنّ هذا الكلام مثلُ الذي يقول إنّ الساعة الثانية عشرة ظهراً هو ليل وليس نهار، «فالشمس طالعة والناس قاشعة»، ومهما قيل أو فَعل فرنجية أو غيره فإنّ الغالبية المسيحيّة معنا، وهذا ثابت بالأرقام وليس بالكلام، ولا يستطيع أحد التشكيك به».

ولفتَ ديب إلى أنّ «كلام فرنجية أثارَ استياءً حتى داخل الأوساط المسيحيّة المحايدة والتي هي على تواصل معنا ومعه، إذ إنّ ضربَ الغالبية المسيحية لا يَخدم التوازن في الدولة «. وأشار إلى أنّ «حديث فرنجية بهذا النحو ودخوله في لعبة الأرقام يدلّ على عدم جدّية ترشيحه»، موضحاً «أنّ اتّفاق معراب كرّسَ المصالحة المسيحية، وبات العماد ميشال عون يتمتّع بغالبية مسيحيّة لا يَستطيع أحد تخطيَها»، معتبراً «أنّ عدم الوقوف على رأي هذه الغالبية يشكّل ضرباً للميثاق والعيش المشترك ويؤدّي إلى نتائج لا تُحمد عقباها، خصوصاً أنّ اتفاق معراب لم يَجمع فقط «القوات» و»التيار»، بل فئة كبيرة من الحياديين والتي تبارك أيّ مصالحة مسيحية».

وذكّرَ ديب بأنّه قال عبر «الجمهوريّة» منذ نحو سنتين ونصف سنة، إنّه لو خُيّر بين رئيس ضعيف والدكتور جعجع سيختار جعجع، و»عندها قامت القيامة ولم تقعد»، والآن «القوات» اختارت بترشيح عون الرئيسَ القوي، ما أراح الساحة المسيحية وكرّس عرفاً لا يستطيع أحدٌ تخطيَه»، موضحاً «أنّ التحالف سيستمرّ في المحطات المقبلة، وهذه رغبة القيادتَين».

وعن خطوات ما بَعد جلسة أمس، قال ديب: «إنّ كلّ شيء يُدرَس في وقته، والتنسيق مستمرّ مع «القوات»، ولن يستطيع أحد بعد الآن التصرّفَ وكأنّ المسيحيين غير موجودين في المعادلة ويمكن تجاهلهم».

مجلس المطارنة

وفي هذه الأثناء، أعربَ مجلس المطارنة الموارنة بعد اجتماعه الشهري في بكركي أمس برئاسة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، عن «مخاوفه من احتمال هبوط لبنان في الفراغ المؤسّساتي الكبير»، مطالباً الكتلَ السياسية والنيابية بـ«تحمُّل مسؤولياتها الوطنية، والتحرّر من ربط مصير البلاد بمصالح الخارج، والاحتكام إلى موجبات الدستور وخير الوطن، وسلوك المخرج الوحيد من هذه الأزمة المصيرية بالجلوس معاً والتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية يكون على مستوى آمال الشعب وحاجات البلاد. إذ أثبتَ الواقع أنْ لا بديل من رئيس الدولة رمز وحدة البلاد، والساهر على احترام الدستور والحفاظ على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه».

أوساط كنَسية لـ«الجمهورية»

وأشارت أوساط كنَسية لـ«الجمهورية» إلى أنّ «الراعي يَشعر بالخيبة، وهو كان يراهن على أنّ جلسة 2 آذار (أمس) ستُحدث تغيّراً ما أو حَلحلة على صعيد الرئاسة، خصوصاً مع عودة الحريري إلى لبنان وتحريكه عجَلة الاستحقاق وإجرائه سلسلة لقاءات ومشاورات مع الأفرقاء كافة، لكن على ما يبدو أنّ التحجّر السياسي ضربَ الساحة اللبنانية، والجميعُ ينتظر التوافق الإيراني - السعودي الذي يبدو حتّى الساعة بعيدَ المنال».

ورأت هذه الأوساط أنّ «الحجّة التي كانت سائدة منذ حصول الفراغ، من أنّ مشكلة الانتخاب سببُها عدم اتّفاق الأقطاب الموارنة على مرشّح لم تعُد تنطلي على أحد، لأنّ المشهد الإقليمي والدولي ملبَّد وسط انكفاء أميركا عن المنطقة والنزاع الإيراني - السعودي». ولفتَت إلى أنّ الراعي «سيُجري سلسلة مشاورات جديدة مع سفراء الدول الكبرى قبل جلسة 23 آذار المقبلة».

الخليج و«الحزب»

ووسط المشهد الإقليمي الضبابي، وبعد أكثر من أسبوع على القرار السعودي بوقف هبة الأربعة مليارات من الدولارات للجيش والقوى الأمنية اللبنانية، قرّرت دوَل مجلس التعاون الخليجي اعتبارَ حزب الله «منظمة إرهابية».

وهو القرار الأوّل الذي تتّخذه دوَل المجلس رسمياً بحقّ الحزب. واعتبرَت في بيان، أنّها «قرّرت اعتبار ميليشيات «حزب الله»، بكلّ قادتها وفصائلها والتنظيمات التابعة لها والمنبثقة عنها، منظمةً إرهابية».

وأوضحَ الأمين العام للمجلس عبد اللطيف بن راشد الزياني أنّ القرار جاء نتيجة «استمرار الأعمال العدائية التي يقوم بها عناصر تلك الميليشيات لتجنيد شباب دوَل المجلس للقيام بالأعمال الإرهابية، وتهريب الأسلحة والمتفجّرات، وإثارة الفتن، والتحريض على الفوضى والعنف، في انتهاك صارخ لسيادتها وأمنها واستقرارها»، مشيراً إلى أنّ «دول مجلس التعاون تَعتبر أنّ ممارسات ميليشيات «حزب الله» في دول المجلس، والأعمالَ التحريضية التي تقوم بها في كلّ من سوريا واليمن والعراق، تتنافى مع القيَم والمبادئ والأخلاق الإنسانية والقوانين الدولية، وتشكّل تهديداً للأمن القومي العربي».

وقال الزياني إنّ دول المجلس «ستتّخذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ قرارها في هذا الشأن، استناداً إلى ما تنصّ عليه القوانين الخاصة بمكافحة الإرهاب المطبّقة في دول المجلس، والقوانين الدولية المماثلة»، من دون تحديد هذه الإجراءات.

من جهته، اعترضَ وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق على وصف «حزب الله» بـ»الإرهابي»، في المقرّرات النهائية للدورة الثالثة والثلاثين لمؤتمر وزراء الداخلية العرب، وذلك «صوناً لما تبَقّى من مؤسسات دستورية في البلد».

وأتى اعتراض المشنوق بعد مناقشةٍ هادئة بينه وبين رئيس الدورة وزير داخلية البحرين الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة. وتدخّل وليّ العهد السعودي ووزير الداخلية الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود، وطلبَ تسجيل هذا الموقف في محضر الجلسة. وكان وزير الداخلية العراقي سبقَ وتحفّظ عن المقرّرات.

ولاحقاً أوضَح المشنوق أنه «دانَ في كلمته أمام مؤتمر وزراء الداخلية العرب تدخّلَ حزب الله العسكري في الدول العربية، ووافقَ على البيان الختامي، لكنّه اعترض فقط على وصف حزب الله بأنه «إرهابي» في المقرّرات، صوناً لعمل المؤسسات الدستورية المتبقّية في البلد، وذلك بعدما تحَفّظ العراق ورفضَ المقررات، وبالتالي لم يكن هناك إجماع عربي».

الحريري وجنبلاط

وإلى ذلك علّقَ الحريري على قرار دول مجلس التعاون الخليجي باعتبار «حزب الله» منظمةً إرهابية، فقال: «هناك من يَستغرب هذا الإجراء، ولكن بعد ممارسات حزب الله وارتكاباته في اليمن وسوريا والعراق، وما يحاول القيامَ به في البحرين والكويت والسعودية ودول أخرى، أتَت ردود فعل دول الخليج على هذا النحو».

لكنّ رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، قال: «إنّنا لا نستطيع أن نتحمّل هذا التصنيف، فإذا كانوا يريدون فليعتمدوا التصنيف الذي اعتمدَته السوق الأوروبية بأنّ الجناح العسكري لـ«حزب الله» إرهابي كما يقولون، ولستُ أنا من يقول، والجناح السياسي غير إرهابي، هذه نصحيتي».

تقدّم بطيء

وأنهى رئيس الحكومة نشاطه مساء أمس باجتماع مع أعضاء اللجنة الوزارية المكلفة ملفّ النفايات. وعلمت «الجمهورية» أنّ اللجنة لم تنهِ مهمتها بعد، وأنّ المناقشات ما زالت مستمرّة بعد الغوص في تفاصيل كثيرة تتّصل بملف المطامر الصحّية.

وأكّدت مصادر اللجنة أنّه على رغم ما حقّقته من تقدّم محدود جداً في المناقشات، فإنّها لم تتوصّل إلى تحديد مناطق المطامر ولا الإجراءات التي يمكن اللجوء إليها لوضع الصيغة النهائية التي يمكن رئيس الحكومة أن يرفعها إلى مجلس الوزراء. وبالتالي فإنّ هذا الملف لن يُبحث خلال الجلسة اليوم.

وفي التفاصيل، فإنّ الاتفاق على المطامر انحسَر ضمن بيروت وجبل لبنان: الناعمة وبرج حمّود وخلدة.

وأوضحَت مصادر المجتمعين لـ«الجمهورية» أنّ بعض القوى السياسية احتاجت بضعة أيام إضافية لتسويق الفكرة، على أن يبقى التواصل مفتوحاً. وأكدت أنّ دفتر الشروط الذي تَوزّع على الوزراء لا علاقة له بجلسة اليوم، فهو يأتي ضمن القرار الذي اتّخَذه مجلس الوزراء
في 21 كانون الأوّل 2015 بإنجاز دفتر شروط المحارق to Energy ضمن الخطة المستدامة خلال مدة شهرين.

ملف المحارق غير مطروح اليوم

وتعليقاً على ما كشفَه رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل مِن تسلّم الوزراء عقودَ المحارق المطروحة حلّاً جديداً لمشكلة النفايات من مئات الصفحات قبَيل انعقاد الجلسة اليوم، قالت مصادر سلام إنّ قول الجميّل صحيح، وإنّ الملف ليس مطروحاً اليوم في جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء، والبحث في العقود سيتمّ في وقت يحدَّد لاحقاً.

...قبول استقالة ريفي معلّق إلى أجل

على صعيد آخر، وتعليقاً على قول وزيرة المهجّرين القاضية أليس شبطيني إنّ رئيس الحكومة تمنّى عليها التريّث في ممارسة مهمّات وزير العدل بالوكالة، عملاً بمضمون مرسوم البدائل، قالت مصادر سلام لـ»الجمهورية» إنّ استقالة ريفي ما زالت عالقة، لأنه لم تُحدّد بعد الجهة المخوّلة قبول هذه الاستقالة.

وأضافت أنّ تأجيل البحث في هذا الملف مقصود سياسياً لتلافي مزيد من المشكلات وله مراميه، وأنّ الاتصالات جارية لثنيِ ريفي عن الاستقالة ولم تنتهِ بعد على رغم القول باستحالة عودته عنها. وإلى ذلك، ليس في الدستور ما يشير إلى مِثل هذه الحال، وكلّ ما هو وارد فيه أنّ رئيس الجمهورية يوقّع ورئيسَ الحكومة مرسومَ استقالة الوزير أو إقالته.

وبالتالي فإنّ رئيس الجمهورية غير موجود، وإذا اعتبَرنا أن الوزراء الـ 23 يوقّعون نيابةً عنه فإنّ بعض الوزراء أبلغوا إلى رئيس الحكومة صراحةً أنّهم لن يوقّعوا مرسوم قبول استقالة ريفي، الأمر الذي أدّى إلى تعليق البحث في الملف إلى حين.