لكان اللبنانيون اليوم استفاقوا على عهد جديد يعيد وصل رأس جمهوريتهم المبتور لولا أن نجحت الأقلية المعرقلة لإنجاز الاستحقاق في تمديد عمر الشغور وتعطيل الانتخاب أمس بفارق 14 صوتاً عن النصاب المطلوب بعد أن بلغ الحضور النيابي في الجلسة 36 الرئاسية 72 نائباً تظهيراً لجاهزية أكثرية أعضاء المجلس واستعجالها انتخاب رئيس للبلاد بوصفه المفتاح الرئيس لفكفكة القيود والأغلال المستحكمة بمختلف مفاصل العمل المؤسساتي في الدولة. وعلى المستوى الإقليمي، لكان اللبنانيون بغنى عن تصنيف فريق منهم «إرهابياً» بنظر الخليجيين والعرب لولا أنّ «حزب الله» جنى على نفسه وعلى مصالح الدولة اللبنانية وعموم أبنائها جراء ارتكاباته وممارساته العدوانية من المحيط إلى الخليج ما دفع دول مجلس التعاون الخليجي إلى اعتباره «منظمة إرهابية» بالتزامن مع توصيفه بـ»الإرهابي» في البيان الختامي لمجلس وزراء الداخلية العرب رداً على تدخّلات الحزب العسكرية والأمنية التخريبية، بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن إيران، في الشؤون الداخلية العربية. إذ وبُعيد صدور القرار الخليجي بالإجماع «اعتبار ميليشيات «حزب الله» بكافة قادتها وفصائلها والتنظيمات التابعة لها والمنبثقة عنها منظمة إرهابية»، مع الإشارة إلى أنّ دول مجلس التعاون الخليجي «سوف تتخذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ قرارها بهذا الشأن استناداً إلى ما تنصّ عليه القوانين الخاصة بمكافحة الإرهاب المطبّقة في دول المجلس والقوانين الدولية المماثلة»، أتى توصيف الحزب في البيان الختامي لمجلس وزراء الداخلية العرب «إرهابياً» في معرض إدانة «الممارسات والأعمال الخطرة التي يقوم بها لزعزعة الأمن والسلم الاجتماعي في بعض الدول العربية« وسط تحفظ عراقي على بعض فقرات «إعلان تونس» ونأي لبناني عن هذا التوصيف. وأوضح وزير الداخلية نهاد المشنوق في بيان صادر عن مكتبه الإعلامي أنه «دان في كلمته خلال المؤتمر تدخل «حزب الله« العسكري في الدول العربية، ووافق على البيان الختامي، لكنه اعترض فقط على وصف حزب الله بأنه «إرهابي« في المقررات صوناً لعمل المؤسسات الدستورية الباقية في البلد، وذلك بعدما تحفظ العراق ورفض المقررات وبالتالي لم يكن هناك إجماع عربي«.

وأشاد المشنوق في كلمته بقرار المملكة العربية السعودية مواجهة التمدّد الإيراني قائلاً: «الوطن العربي أرضاً وشعباً يواجه تحديات تستهدف أمن مواطنيه واستقرار دوله كما أنه يواجه تحديات خارجية من الطامعين«، مشيراً في هذا السياق إلى أنّ «قرار المواجهة السعودي هو بداية استعادة التوازن« نظراً لأنه «قبل ذلك لم يكن هناك توازن بين الجهد العربي وبين مشروع إيران«.

المشنوق: لم أخرق الإجماع

وليلاً اتصلت «المستقبل» بالمشنوق في مقرّ إقامته في تونس فنفى أن يكون موقفه مشابهاً لموقف وزير الخارجية جبران باسيل في الجامعة العربية وفي منظمة المؤتمر الإسلامي، وقال: «لا تشابه بين الموقفَين على الإطلاق، فأنا لم أقف في وجه الإجماع العربي ولم يكن لبنان الدولة الأولى أو الوحيدة في وجه إجماع عربي وإنّما جاء بعد تحفّظ من العراق ومن ثم الجزائر».

أضاف: «تحفّظت على وصف حزب الله بـ»الإرهابي»، موضحاً أنّ «الحزب مُمثّل في الحكومة وفي المجلس النيابي ولا أستطيع إلا أن ألتزم بتعريف جامعة الدول العربية للإرهاب». وتابع أنّه طالما هو عضو في الحكومة يلتزم بـ»أصول التضامن الحكومي».

وردّاً على سؤال عمّا إذا كان نسّق موقفه مع رئيس الحكومة تمام سلام قال المشنوق: «طبعاً نسّقت موقفي مع رئيس الحكومة قبل التوجّه إلى تونس واتفقنا على القواعد التي يجب أن تتّبع بشأن قرار ممكن أن يصدر ويتعلق بحزب الله أو بسياسة التدخّل الإيراني في المنطقة»، مضيفاً أنه تشاور أيضاً مع الرئيس الحريري «في هذين العنوانين».

وكان الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني قد أوضح بعد صدور قرار تصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية أنّ «دول المجلس اتخذت هذا القرار جراء استمرار الأعمال العدائية التي تقوم بها عناصر ميليشياته لتجنيد شباب دول المجلس للقيام بالأعمال الإرهابية وتهريب الأسلحة والمتفجرات وإثارة الفتن والتحريض على الفوضى والعنف»، مشيراً إلى أنّ المجلس يعتبر ممارسات الحزب في الدول الخليجية «والأعمال الإرهابية التي يقوم بها في كل من سوريا واليمن والعراق تتنافى مع القيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية والقوانين الدولية وتشكل تهديداً للأمن القومي العربي».

لاحقاً، وفي سياق متقاطع مع إشارة وزير الدولة للشؤون الخارجية البحريني غانم البوعينين عزم دول الخليج على «اتخاذ إجراءات ضد مصالح «حزب الله» في أراضيها»، لفت الانتباه إعلان مجلس الأمة الكويتي في أعقاب صدور القرار الخليجي اعتبار «أي تغريدة أو دعم أو مناصرة لـ»حزب الله» جريمة يُعاقب عليها وفقاً لقانون الجرائم الالكترونية».

أكثرية 72 في المجلس

داخلياً، برز أمس الحضور النيابي الحاشد في الجلسة الرئاسية السادسة والثلاثين مع مشاركة 72 نائباً فيها من دون أن يتأمن النصاب القانوني اللازم لانعقاد الجلسة وانتخاب الرئيس. وبعدما تقدّم الرئيس سعد الحريري والنائبان وليد جنبلاط وسامي الجميل صفوف الكتل النيابية المشاركة في القاعة العامة، رأى الحريري في تصريح صحافي، إثر إرجاء رئيس مجلس النواب نبيه بري الجلسة إلى 23 آذار الجاري، أنّها اقتربت أمس من تأمين النصاب (86 نائباً) وأعرب في ضوء ذلك عن أمله بأن «يحضر النواب الذين تغيّبوا الجلسة المقبلة ويمارسوا حق الدستور عليهم بأن ينتخبوا رئيس جمهورية». وإذ جدد تمسكه بدعم ترشيح النائب سليمان فرنجية مبدياً تفهمه لمقولة إنّ «الديموقراطية اللبنانية لها خصوصية»، أردف الحريري بالقول: «لا أريد اتهام الجميع بالتعطيل، لكن هناك أمور يجب أن تتبلور عند بعض الفرقاء«.

وعن قرار إدراج «حزب الله» على اللائحة الخليجية للمنظمات الإرهابية، لفت الحريري الانتباه إلى أنّ «نتيجة أعمال الحزب في المنطقة أدت إلى تصنيفه على لائحة الإرهاب»، مذكّراً في الوقت نفسه بأنّ «حزب الله» مدرج أساساً على اللائحة الأميركية للمنظمات الإرهابية وكذلك الأمر في أوروبا التي صنفت دولها الجناح العسكري في الحزب إرهابياً. ورداً على سؤال متصل، أجاب: «ما له علاقة بالوضع الداخلي لا يتغيّر بالنسبة لنا، أما في ما يخص الأعمال التي يقوم بها «حزب الله« فتعرفون تماماً أننا ضدها وأنا أصنّفها إجرامية وغير قانونية وإرهابية أيضاً«. 

ومساءً، أكد الحريري خلال استقباله وفوداً زارته في بيت الوسط من كل من بيروت وعكار والإقليم، استمرار الحوار مع «حزب الله« ربطاً بكون «الحوار يخفّف من حدة الاحتقان الحاصل ويهدئ الأمور ويطرح وجهات نظر الأطراف لحل المشاكل القائمة«، وقال: «سنكمل بمنطق الحوار بالرغم من كل ما يحصل. إذا كان الطرف الآخر يريد الذهاب للمشاركة بالحروب الدائرة في اليمن وسوريا وغيرها فهذا شأنه وليتحمل مسؤوليات تداعيات هذه المشاركة«، مضيفاً: «نحن علينا واجب حماية لبنان بغض النظر عما يجري في الجوار وفي سوريا تحديداً، نحن مع ثورة الشعب السوري ونضاله في سبيل تحقيق تطلعاته وأهدافه في بناء دولة ديموقراطية، علناً وبدون مواربة، ولكن علينا واجب حماية لبنان«.