بعد ساعات من تقاطع الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله والرئيس سعد الحريري عند ضرورة استمرار الحوار بين «الحزب» و«تيار المستقبل»، لحماية الساحة الداخلية الهشة من مخاطر الفتنة المذهبية، فاجأ مجلس التعاون الخليجي ومجلس وزراء الداخلية العرب لبنان بتصنيف «حزب الله»، الممثل في مجلس النواب والحكومة، وصاحب القاعدة الشعبية الواسعة.. منظمة إرهابية!
لم يشفع لـ«حزب الله» دوره المحوري في المقاومة، ولا تقديمه آلاف الشهداء والجرحى على طريق الصراع مع إسرائيل، ولا إنجاز التحرير في العام 2000، ولا انتصار تموز 2006، ولا مساعدته للفلسطينيين المحاصرين في غزة.
كل هذه السيرة الذاتية في مواجهة الاحتلال لم تكن كافية، حتى لتخفيف العقاب، بل شطبها قرار مشبوه بشحطة قلم، لم يرف لها جفن.. ولم ترتجف منها يد.
والأرجح، أنه بسبب هذه التضحيات والإنجازات، قررت الأنظمة العربية التي جمعتها «المصيبة» من المحيط إلى الخليج، مع بعض الاستثناءات، تأديب «حزب الله» ومعاقبته، بمفعول رجعي، استنادا الى أحكام جاهزة ومعلّبة.
وليس خافياً على كثيرين أن المقاومة أحرجت، منذ الولادة، الكثير من تلك الأنظمة التي لم تكن تملك في الماضي ما يكفي من الذرائع لمواجهة الحزب، فأتت الأزمة السورية وحرب اليمن لتشكلا الغطاء المناسب للانقضاض عليه، وتصفية حساب مؤجل ومتراكم معه، في لحظة احتقان مذهبي، تبيح المحظورات.
لم يجد زعماء الخليج ولا معظم وزراء الداخلية العرب أي حرج في التماهي مع أدبيات الاحتلال الاسرائيلي وتوصيفه المعتمد لـ«حزب الله». ولم يزعجهم أن يجدوا أنفسهم في خندق واحد، عن قصد أو غير قصد، مع العدو الذي انقلب صديقا نكاية بإيران.
وإذا كانت المواجهة بين السعودية و«حزب الله» قد بلغت حداً جعل الرياض تذهب بعيداً في الانتقام من دون التمييز بين الدولة اللبنانية والحزب، فإن ما ليس مفهوماً أو واضحاً هو تقيّد العرب الآخرين بـ«النوتة» السعودية، وبالتالي مسارعتهم الى الرقص فوق حافة الهاوية المذهبية على إيقاع غضب المملكة.
والمفارقة، أن الولايات المتحدة وأوروبا ظهرتا حتى الآن أكثر رأفة بلبنان من أشقائه المفترضين، وأحرص منهم على حماية استقراره الداخلي وعلى تسليح جيشه، ولو كان ذلك يأتي ربطاً بمصلحة أميركية ـ أوروبية في إبقاء الوضع الداخلي ممسوكاً، قدر الإمكان، حتى لا ينفجر ملف النازحين بين أيدي القارة العجوز والدولة العظمى.
والأغرب أن أوروبا بدت «معتدلة»، قياساً على العرب، عندما اكتفت بوضع الجناح العسكري في «حزب الله» على لائحة الإرهاب، بينما لم يتردد الأقربون في «التعميم» الذي لا يميز بين مستوى سياسي وآخر عسكري، ما يدفع الى التساؤل عما إذا كان الرئيس تمام سلام بات يترأس حكومة تتعاون مع الإرهاب، باعتبارها تضم في صفوفها وزيرين للحزب؟
وإذا كان القرار الخليجي يُدرج في أحسن الحالات في خانة التهور والانفعال، إلا أنه يسجل في المقابل أن الداخل اللبناني أظهر، في مواجهته، قدراً عالياً من المسؤولية والعقلانية، عكسه أساساً وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي اعترض على قرار مجلس وزراء الداخلية ونأى بنفسه عنه، «صوناً لما تبقى من مؤسسات دستورية». كما أن الرئيس سعد الحريري أكد، قبل أن يجف حبر البيان الخليجي، استمراره في محاورة الحزب والتعاون معه لتحصين الداخل، وإن يكن قد انتقد في الوقت ذاته سلوك الحزب وخياراته في المنطقة.
وأغلب الظن، أن المدى الذي وصلت اليه المواجهة الخليجية مع «حزب الله» باتت تحرج الحريري أكثر مما تريحه، برغم أنه في موقع الخصومة الحادة للحزب، ذلك أن رئيس «تيار المستقبل» يعلم أنه لا يستطيع أن يجاري هذه الاندفاعة المحمومة، بمعزل عن عواطفه، وهو الذي يدرك أن التوازنات اللبنانية الدقيقة لا تطيق حمولة سياسية ثقيلة من النوع الذي يجري تصديره الى لبنان حاليا.
ولم يتأخر النائب وليد جنبلاط بدوره في التقاط هذه الحقيقة، قائلا: نحن في لبنان لا نستطيع أن نتحمل هذا التصنيف.

وزراء الداخلية العرب
وكان مجلس وزراء الداخلية العرب المنعقد في تونس قد أكد «إدانته وشجبه للممارسات والأعمال الخطرة التي يقوم بها حزب الله الإرهابي لزعزعة الأمن والسلم الاجتماعي في بعض الدول العربية».
ولم يكن مفاجئاً للوفد اللبناني برئاسة المشنوق أن يحاول الخليجيون إضافة الفقرة المتعلقة بـ«حزب الله» وذلك على مسافة ساعات قليلة من بيان دول مجلس التعاون الخليجي الذي صنف «حزب الله» بأنه «تنظيم إرهابي»، بل هو سبق له أن توقع أن يتدحرج هذا المسار، في مقابلته المتلفزة مع الزميل مرسيل غانم يوم الخميس الماضي، عندما ذكر أن قرار حجب الهبة السعودية سيكبر ويتحول إلى مواجهة كبرى وقد تصل الأمور الى القمة العربية المقبلة.
ولحظة دخوله إلى الدورة الثالثة والثلاثين لمؤتمر وزراء الداخلية العرب، في تونس، قال المشنوق إنه يدخل بصفته وزيراً يمثل حكومة لبنان لا فريقاً لبنانياً بذاته، أي أنه سيتصرف بما يمليه عليه الموقع الرسمي لا الانتماء السياسي.
وعلى هذا الأساس، قرر المشنوق التحفظ (أو «النأي بالنفس» حسب البيان الرسمي أو «الاعتراض» حسب الوزير نفسه) حيال الفقرة التي نعتت حزب الله بـ«الإرهابي».
وجاء هذا الاعتراض بعد مناقشة هادئة بين المشنوق ورئيس الدورة وزير داخلية البحرين الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة، تدخل إثرها وزير الداخلية السعودي ولي العهد الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، وطلب تسجيل موقف لبنان (التحفظ) في محضر الجلسة، ليعكس بالتالي تفهماً سعودياً للموقف اللبناني سرعان ما انسحب على وزراء آخرين وبينهم وزير داخلية الإمارات الشيخ سيف بن زايد آل نهيان (نائب رئيس مجلس الوزراء) الذي اجتمع بالمشنوق بعد انتهاء الاجتماع الوزاري العربي مباشرة.
أما الممانعة العربية الوحيدة لـ «الخطيئة» السياسية والقومية التي ارتكبها وزراء الداخلية، فقد سُجلت للعراق والجزائر، الى جانب لبنان.

مجلس التعاون
كذلك قررت دول «مجلس التعاون الخليجي» «اعتبار ميليشيات حزب الله، بكل قادتها وفصائلها والتنظيمات التابعة لها والمنبثقة عنه منظمة إرهابية».
وقال الأمين العام للمجلس عبد اللطيف بن راشد الزياني إن «دول المجلس اتخذت هذا القرار جراء استمرار الأعمال العدائية التي يقوم بها عناصر تلك الميليشيات لتجنيد شباب دول المجلس للقيام بالأعمال الإرهابية، وتهريب الأسلحة والمتفجرات، وإثارة الفتن، والتحريض على الفوضى والعنف»، مشيرا الى أن دول المجلس تعتبر أن «ممارسات ميليشيات حزب الله في دولها، والأعمال الإرهابية والتحريضية التي تقوم بها في سوريا واليمن والعراق، تتنافى مع القيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية والقوانين الدولية، وتشكل تهديداً للأمن القومي العربي».