روي عن الإمام العسكري قال: حدّثني أبي عليه السلام أن حذيفة بن اليمان دخل في مثل هذا اليوم، وهو اليوم التاسع من ربيع الأول، على جدي رسول اللّه قال: فرأيتُ سيدي أمير المؤمنين مع ولديه عليهم السلام يأكلون مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وهو يبتسم في وجوههم، ويقول لولديه الحسن والحسين: كُلا هنيئاً لكما ببركة هذا اليوم، فإنه اليوم الذي يُهلك اللّه فيه عدوّه وعدوّ جدّكما، ويستجيب فيه دعاء أمكما، كُلا فإنه اليوم الذي يقبل اللّه فيه أعمال شيعتكما ومحبيكما، كُلا فإنه اليوم الذي يصدق فيه قول اللّه: (فتِلْكَ بُيُوتهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا)، كُلا فإنه اليوم الذي تُكسر فيه شوكة مُبغض جدكما…، كُلا فإنه اليوم الذي يُفقد فيه فرعون أهل بيتي وظالمهم وغاصب حقهم…، كُلا فإنه اليوم الذي يعمد اللّه الى ما عملوا… فيجعله هباً منثوراً… (بحار الأنوار جزء 31) فهل هذه الرواية صحيحة ؟
الجواب : هذه الرواية رواها الشيخ عزّ الدين الحسن بن سليمان بن محمد بن خالد الحلّي(حيٌّ سنة 802هـ) في كتابه (المحتضر: 89)، فقال: «ما رُوي في فضل يوم التاسع من ربيع الأوّل: ما نقله الشيخ الفاضل عليّ بن مظاهر الواسطي، عن محمد بن العلاء الهمداني الواسطي ويحيى بن جريح البغدادي»، عن أحمد بن إسحاق القمّي صاحب العسكر، عن مولانا أبي الحسن عليّ بن محمد العسكري ـ أي الإمام الهادي عليه السلام. ويرويها أيضاً السيد عليّ بن طاووس في كتاب (زوائد الفوائد)، عن خطّ محمد بن عليّ بن محمد بن طيّ، أي إنّه وجدها في كتاب.
ولم يذكر صاحب البحار تتمة السند. ثم ينسب صاحب البحار إلى السيد ابن طاووس قوله: «ووجدنا في ما تصفَّحنا من الكتب عدّة روايات موافقة لها فاعتمدنا عليها» (البحار 3: 129). وبما أن كتاب (زوائد الفوائد) ليس بأيدينا اليوم، فنحن مضطرون للاعتماد على ما نقله صاحب البحار في شأن هذه الرواية. إذاً فهذه الرواية من طريق ابن طاووس مبتلاةٌ بفقدان السند؛ إذ لم يُذكَر، وبالتالي لا يمكن تقييمه من الناحية الرجاليّة. وأمّا الروايات التي تصفَّحها ابن طاووس في الكتب، واعتبرها موافقةً لهذه الرواية، فلم ينقلها لنا أحدٌ من العلماء. وهذا النقل المجمل من ابن طاووس لوجودها ودلالتها لا يغني في العلم شيئاً.
وبالتالي لا يمكن الاعتماد على مجرَّد قوله المتقدَّم. وعليه تبقى هذه الرواية من طريق الحسن بن سليمان الحلّي قابلةً للدراسة والتحقيق، فنقول: أشرنا في ما تقدَّم إلى أنّ الحسن بن سليمان الحلّي نقلها عن عليّ بن مظاهر الواسطي، عن محمد بن العلاء الهمداني الواسطي ويحيى بن جريح البغدادي، عن أحمد بن إسحاق القمّي صاحب العسكر، عن الإمام الهادي عليه السلام. أمّا الحسن بن سليمان الحلّي(802هـ) فقد وصفه الحُرّ العاملي في (أمل الآمل 2: 66) بـ (فاضل عالم فقيه). وعليّ بن مظاهر(القرن8هـ) هو الشيخ الفقيه الفاضل، كما وصفه الشيخ علي النمازي في (مستدركات علم رجال الحديث 5: 480). ومحمد بن العلاء الهمداني الواسطي(248هـ)، المعروف بـ (أبي كريب الكوفي)، قال النمازي في (مستدركات علم رجال الحديث 7: 210): «لم يذكروه»، ما يعني أنّه مهملٌ عند علماء الرجال الشيعة.
وبالعودة إلى كتب علماء الرجال السنّة تبيَّن أنّهم وثَّقوه، ووصفوه بـ (صدوق) (راجع: المزّي، تهذيب الكمال 26: 247). ويحيى بن جريح البغدادي لم يذكره علماء الرجال الشيعة، فهو مهملٌ (راجع: مستدركات علم رجال الحديث 8: 193، 8: 229 ـ 230).
ولم أجِدْ من تعرَّض له من علماء الرجال السنّة. غير أنّ عدم ثبوت وثاقة هذا الراوي لا تضرّ في المقام لكونه متابَعاً في هذا الحديث من قبل محمد بن العلاء الهمداني الواسطي، وقد وثَّقه علماء الرجال السنّة. اللهمّ إلاّ أن نرفض الأخذ بتوثيقهم بالمطلق، فيكون هذان الرجلان مهملان، ولا تثبت وثاقتهما.
وأحمد بن إسحاق القمّي هو ابن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعريّ، أبو عليّ القمّي. قال النجاشي في (الرجال: 91): «…كان وافد القميين، وروى عن أبي جعفر الثاني وأبي الحسن عليهما السلام، وكان خاصّة أبي محمد عليه السلام». ونقل الكشي ما يفيد وثاقته في (الرجال 2: 831). وقال الطوسي في (الرجال: 397): «… قمّي، ثقة». إذاً هو ثقةٌ جليل.
غير أنّ مشكلة السند الحقيقيّة تكمن في السند الساقط بين عليّ بن مظاهر الواسطي ومحمد بن العلاء الهمداني الواسطي، إذ يفصل بينهما ما لا يقلّ عن خمسة قرون، فالسند الساقط يتكوَّن في أقلّ تقدير من خمسة رجال. وهذا إعضالٌ كبير ـ وهو سقوط أكثر من راوٍ متتالٍ من السند ـ، لا يمكن التغاضي عنه بحالٍ. ونحن لا نعرف شيئاً عن حال هؤلاء الرجال.
وقد ذكرنا في ما تقدَّم أنّ الحسن بن سليمان الحلي(حيّ سنة 802هـ) قال في كتابه (المحتضر: 89): «ما روي في فضل يوم التاسع من ربيع الأوّل: ما نقله الشيخ الفاضل عليّ بن مظاهر الواسطي، عن محمد بن العلاء الهمداني الواسطي ويحيى بن جريح البغدادي». ويبدو من عبارته أنّ عليّ بن مظاهر الواسطي نقلها عن محمد بن العلاء الهمداني مباشرةً، ولم يُشِر إلى أنّ هناك سنداً بينهما. ويكون ذلك من باب التدليس في الإسناد، فالعجبُ من صاحب البحار كيف يقول: «قال الشيخ حسن: نقلته من خطّ الشيخ الفقيه عليّ بن مظاهر الواسطي، بإسنادٍ متصل» (البحار 31: 120).
وعلى أيّة حال لا شكّ في سقوط غير واحدٍ من الرواة من هذا السند، ولا نعرف عن حالهم شيئاً، فلا تثبت وثاقتهم. إذاً هذه الرواية ضعيفة السند؛ للإعضال، وبالتالي لا تثبت وثاقة جميع رواتها.
وإذا لم نأخذ بتوثيق علماء الرجال السنّة لمحمد بن العلاء الهمداني الواسطي فيكون السند ضعيفاً أيضاً لعدم ثبوت وثاقة هذا الراوي ومتابِعه يحيى بن جريح البغدادي.
هذا، وفي بعض ما جاء في هذا الحديث من مضامين نقاشٌ وكلام، أختار منها قول النبيّ(ص) ـ نقلاً عن الله عزّ وجلّ: «وأمرتُ الكرام الكاتبين أن يرفعوا القلم عن الخلق كلّهم ثلاثة أيّام من ذلك اليوم، لا يكتبون شيئاً من خطاياهم؛ كرامةً لك ولوصيّك». فهل يمكن لمسلمٍ يؤمن بيوم الحساب أن يتصوَّر ارتفاع القلم عن الخلق كلّهم لمدّة ثلاثة أيّام يرتكبون فيها ما شاؤوا من المعاصي، فلا تسجَّل عليهم؟! ما سمعنا بهذا في مجالس العلم والفضل أبداً، وإنّما هي نقنقات تصدر في جلساتٍ لا يُحرَز فيها رضا الله تعالى، بل هي إلى سخطه ونقمته أقرب. نعوذ بالله من سخطه، ونعوذ به من شرّ أنفسنا الأمّارة بالسوء إلاّ ما رحم ربّنا. اللهمّ عفوك عفوك عفوك. (وقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُم وَرَسُولُه وَالمُؤْمِنُون). (وَسَيْعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).
الشيخ محمد عباس دهيني