يصر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على الإسراع في انطلاق معركة استعادة مدينة الموصل من سيطرة تنظيم داعش، لكنه يخوض اليوم معركة أخرى أشبه بمخاض صعب حول طبيعة القوات المشاركة وقرب توقيت العملية المتعثرة.
وتتمسك العشائر السنية ومجلس محافظة نينوى بالإضافة إلى واشنطن، باستبعاد ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية من معركة تحرير ثاني أكبر مدينة في البلاد.
ويضع هذا الخيار العبادي أمام مخاوفه من أن تقود قوات كردية العملية العسكرية التي تفتقد أي ضمانات على نجاحها.
وقال رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية الجنرال جوزيف دنفورد الاثنين إن معركة استعادة الموصل قد بدأت مقدما، وإن “القيادات العسكرية في وزارة الدفاع الأميركية، تدرس الخطة العراقية، من أجل إبداء ملاحظاتها عليها”.
وكشف دنفورد في مؤتمر صحافي عقده بحضور وزير الدفاع أشتون كارتر، أن العراقيين وضعوا خطتهم و”قدموها إلى الجنرال شون مكفرلاند قائد عمليات العزيمة الصلبة (عملية عسكرية أطلقتها واشنطن ضمن التحالف الدولي ضد داعش في العراق وسوريا)”.
وشكك خبراء عسكريون في إمكانية البدء بمعركة الموصل دون أن يتم تحرير الأنبار بالكامل والسيطرة عليها حتى لا تقع القوات العراقية بين كماشة التنظيم المتشدد الذي اتضح أنه يفضل حرب العصابات على المواجهة المباشرة بسبب الضربات الجوية التي ينفذها ضده التحالف الدولي.
ويقول باتريك مارتن الباحث المتخصص في الشؤون العراقية في معهد دراسات الحرب بواشنطن إن “تحرير الموصل سيمثل صفعة قوية للمتشددين”.
وتأمل الولايات المتحدة في أن تسهم استعادة الموصل في إثبات أن نجم الجهاديين بدأ يأفل في العراق، وأن استراتيجية الرئيس باراك أوباما بدأت تؤتي ثمارها.
لكن معركة استعادة الرمادي، مركز محافظة الأنبار، العام الماضي أثبتت أن القوات العراقية مقبلة على مهمة شاقة.
وشاركت الفرقتان 73 و76 الأفضل في الجيش العراقي في استعادة الرمادي. وعلى مدار خمسة أشهر أظهر تقدم الجيش بخطوات بطيئة رغم الدعم الجوي الأميركي أن الإمكانيات العسكرية وقدرة القوات الحكومية على استعادة مدينة بحجم الموصل من قبضة داعش لا تزال غير كافية.
والموصل، التي كان يعيش فيها مليونا شخص قبل إحكام داعش سيطرته عليها، أكبر من مدينة الرمادي بخمسة أضعاف.
ويقول خبراء عسكريون إن القوات الحكومية قدمت في معركة الرمادي، التي استبعدت من خوضها ميليشيات الحشد الشعبي الطائفية، أفضل ما لديها.
وأصبح لعب قوات البيشمركة الكردية دورا محوريا في المعركة أمرا لا مفر منه، لكن دخول البيشمركة المعركة سيكلف الكثير.
وقالت كاثلين هيكس، المسؤولة السابقة في البنتاغون، والتي تعمل الآن في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية “أعتقد أن التوقعات في واشنطن تشير إلى أن غالبية القوات ستكون كردية، لكن هذا سيضعنا أمام تبعات سياسية كبيرة”.
وليس سهلا قبول العبادي بأن يكون الدور القيادي في المعركة للأكراد، ويصر أن تقود قواته، التي يسيطر عليها الشيعة وتفتقر إلى الكفاءة الكافية، مجريات المعركة.
وفي عام 2004 استغرق 13 ألف جندي معظمهم من الأميركيين أكثر من شهرين لتحرير مدينة الفلوجة التي كان 3 آلاف عنصر من تنظيم القاعدة يسيطرون عليها آنذاك.
وقتل أكثر من 90 جنديا أميركيا وأصيب 560 آخرين في أعنف قتال شهده الغزو الأميركي للعراق.
ويقول خبراء إن معركة الموصل قد تكون أسوأ. ورغم تصريحات اللواء طالب الكناني رئيس وحدة مكافحة الإرهاب العراقية التي أكد فيها أن العشائر السنية تمد القوات بمعلومات من داخل الموصل، لا تزال قوات التحالف غير قادرة على تحديد عدد مقاتلي داعش وكمية الأسلحة التي بحوزتهم.
ويقول مارتن “عندما دخلت القوات الأميركية لتنظيف الفلوجة استغرقت وقتا طويلا. الموصل أكبر بكثير من الفلوجة”.
وأضاف “لنتذكر أن الجنود الذين سيقومون بهذه المهمة الصعبة ليسوا جنودا أميركيين”.
وقال محلل سياسي عراقي، لم يشأ ذكر اسمه، إنه من الضروري ألا تكون معركة تحرير الموصل طويلة، تجنبا لوقوع خسائر بشرية وإلحاق أضرار بالمدينة التاريخية والمكتظة سكانيا.
وتوقع أن تكون المعركة خاطفة، قائلا لـ”العرب” إن “هذا يتطلب وقوع أمرين: الأول تهيئة سكان الموصل للمساهمة في تحرير المدينة من الداخل والثاني يتمحور حول كسر معنويات مقاتلي داعش من خلال حرب نفسية تقنعهم بالهروب بدلا من التعرض لعملية إبادة جماعية”.
وأكد أنه “من غير توفر هذين الشرطين، اللذين هما قاعدة لأي عملية تشن من الخارج، فإن هجوما عسكريا شبيها بتلك الهجمات التي جرت غرب البلاد سينتهي إلى الفشل، بل إنه سيكون بمثابة دعامة إضافية، يستند إليها داعش ويقوي وضعه شعبيا”.
واقترح مسؤولون أميركيون على بغداد المشاركة في معركة الموصل بمروحياتهم الهجومية من طراز أباتشي وبوضع مستشارين عسكريين على مقربة أكثر من خط الجبهة.
لكن الحكومة العراقية لم توافق خاصة تحت ضغط الميليشيات الشيعية التي لا تنظر بعين الرضا إلى تعزيز الوجود الأميركي في العراق.
صحفية العرب