إذا كانت جلسة اليوم الرئاسية ستخلف بطبيعة الحال سابقاتها في استمرار حالة العقم والإحجام عن انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية، غير أنها في الشكل والجوهر ستكون على قدر كبير من التمايز والامتياز عمّا سبقها من جلسات ربطاً بما ستسجله من حضور نيابي أكثري يُعبّر عن تعاظم الحاجة الوطنية إلى وضع حدّ للشغور في مقابل غياب نيابي أقلّي معبّر عن التمادي في سياسة التعنت والاستئثار لدى الفريق المُمسك بخناق الرئاسة الأولى تحقيقاً لمصالح فئوية ورغبات شخصانية تمجّد التعطيل وتنتهجه عند كل مفترق واستحقاق دستوري من دون أدنى التفاتة إلى تداعياته المدمرة وانعكاساته الكارثية على مصير الوطن وأبنائه. باختصار ستعكس جلسة الثاني من آذار اليوم تشخيصاً واقعياً للأزمة الرئاسية القائمة بحيث سيشهد اللبنانيون ومعهم العالم على حضور أكثرية نيابية جاهزة لإنجاز الاستحقاق في مقابل مقاطعة أقلية نيابية مانعة لتأمين النصاب ومعرقلة لإتمام الانتخاب.

وعشية الجلسة، أبدى الرئيس سعد الحريري تفاؤله بحصول تطورات إيجابية في ملف الاستحقاق الرئاسي على الرغم من التعطيل والتعقيدات الحاصلة راهناً، مجدداً مناشدة كافة الكتل النيابية «النزول إلى المجلس وتأدية واجبهم الدستوري». أما على ضفة المرشحين، فقد أيّد المرشح سليمان فرنجية دعوة الحريري باعتبارها دعوة وطنية محقّة، وعبّر إزاء ذلك عن الأسف لاضطراره إلى عدم المشاركة في الجلسة مراعاةً لحلفائه مفضلاً المراهنة «على الوقت»، وقال إثر زيارة لافتة في دلالاتها الكسروانية خصوصاً والمسيحية عموماً لدارة النائب السابق فريد هيكل الخازن أمس: «أنا ضد عدم النزول إلى المجلس لانتخاب رئيس وأتمنى الاحتكام إلى المنافسة الديموقراطية فأنا مرشح ولا يجوز أن أقاطع جلسات الانتخاب لكن مشاركتي قد تزيد الأمور تعقيداً»، وإذ تمنى إعطاء الأمور مزيداً من الوقت، أردف فرنجية: «علينا عدم حرق المراحل وأؤكد أنّ المستقبل سيكون للرئيس الحريري ولنا ولكل الناس «الأوادم» في البلد». ورداً على سؤال، رفض فرنجية اعتبار اتفاق النائب ميشال عون والدكتور سمير جعجع بمثابة اتفاق «كل المسيحيين»، واكتفى بالقول: «لولا تبنّي الرئيس الحريري ترشيحي لما اتفقوا».

وفي المقابل، لاحت من «الرابية» بوادر تصعيد مقبل على الساحة الرئاسية في ضوء ما جاء في بيان اجتماع تكتل «التغيير والإصلاح» أمس لجهة تلويح مذيع البيان الوزير السابق سليم جريصاتي بأنه بعد جلسة اليوم سيكون هناك «كلام مباح آخر» يعتزم عون قوله «في مواقيته».

الحريري

وكان الحريري قد شدد من السرايا الحكومية إثر لقائه رئيس مجلس الوزراء تمام سلام على أن من لا يريد المشاركة في جلسة انتخاب الرئيس «هذا شأنه لكننا سننزل لنؤكد حضورنا في هذه الجلسة لأن انتخاب رئيس للجمهورية بالنسبة إلينا هو مفتاح كل المشاكل التي نواجهها». 

وبينما أكد العمل مع سلام لحل موضوع أزمة النفايات، وأعلن رداً على أسئلة الصحافيين الاستمرار في الحوار الثنائي في عين التينة مع «حزب الله»، عاد الحريري فأكد مساءً من بيت الوسط أمام وفد موسع من اتحاد جمعيات العائلات البيروتية على ضرورة عدم الانجرار وراء محاولات إثارة الفوضى والفتنة، منوهاً بأهمية ما تضمنه البيان الصادر عن اجتماعه برئيس مجلس النواب نبيه بري أول من أمس من توجهات تشدد على درء الفتنة ومواجهة المخلين بالنظام العام، وقال: «سأبذل المستحيل لحماية لبنان، هناك مواقف نتخذها في الوقت المناسب ونواجه بالوسائل السياسية والديموقراطية لأننا مع الحفاظ على البلد ونتصرف بحكمة وعدم تهور».

كذلك تطرق الحريري خلال استقباله وفداً موسعاً من رؤساء بلديات ومخاتير منطقة عكار الدريب إلى موضوع الحوار لافتاً الانتباه إلى أنه «يحصل مع الخصوم»، وقال: «صحيح أن الحوار في مرحلة من المراحل يتعثر، ولكن في النهاية سيصل إلى نتيجة إذا كان الهدف مصلحة البلد. أنا من مدرسة رفيق الحريري الذي كان يحاور الجميع في كل الظروف ولم يقاطع أحداً، ونحن عندما نحاور «حزب الله» نقول الأمور كما هي ونتمسك بثوابتنا وكل ذلك في سبيل حماية لبنان والاستقرار الوطني ومنع أي جهة من الانزلاق بالبلاد نحو الفتنة».

النفايات

على صعيد مستجدات البحث في الحلول المتاحة لطمر أزمة النفايات، تعقد اللجنة الوزارية المختصة اجتماعها «الأخير» بعد ظهر اليوم عشية جلسة مجلس الوزراء المقرر انعقادها غداً وسط مطالبات وطنية بقرار حاسم يضع الحل على سكة التنفيذ تحت طائلة كشف المعرقلين أمام الرأي العام.

وإذ أكد أكثر من عضو في اللجنة لـ«المستقبل» وجود بوادر «حلحلة» حيال خارطة مواقع «المطامر» المزمع اعتمادها، غير أنّ الصورة النهائية لهذه الحلحلة من المُفترض أن تتبلور خلال اجتماع اليوم على ضوء «الأجوبة» المنتظرة من قبل أعضاء اللجنة، من دون أن يخفي بعضهم خشيته من استمرار العرقلة بذريعة «التفاصيل» لافتين في هذا السياق إلى أنّ هناك «قوى تحاول توظيف الملف وإرجاء حله لأغراض سياسية».