لا جديد متوقعاً في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية اليوم، سوى زيادة محتملة في عدد النواب الحاضرين، بفعل الزخم المترتب على وجود الرئيس سعد الحريري في بيروت. اما النصاب الدستوري ـ السياسي لعملية الانتخاب فلا يزال ناقصاً، في انتظار تحولات داخلية أو خارجية تستكمله.
في هذا الوقت، أطلّ الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله أمس بنبرة هادئة وحاسمة في آن واحد، واضعاً حداً قاطعاً لكل الالتباسات و«الأوهام» التي أثيرت حول حقيقة موقف الحزب وخياراته، على المستوى الداخلي، في مواجهة خصومه.
بكلمات واضحة لا تحتمل التأويل والاجتهاد بدّد نصرالله كل السيناريوهات البوليسية والخيالية التي نُسجت خلال الايام الماضية حول 7 أيار جديدة، وفتنة محتملة، ونفض غبار الشارع عن الثوابت، مؤكداً عدم مسؤولية الحزب عن التحركات التي حصلت على الارض مؤخراً، ومشدداً على ضرورة حماية الاستقرار الداخلي، بشقّيه الأمني والوطني.
حدّد «السيد» من دون مسايرة ولا مجاملة، الضوابط السياسية والشرعية التي من شأنها تحصين بيئة جمهور المقاومة من أي اختراقات مريبة أو انفعالات متهوّرة، قد تخدم ما يخطّط له الاعداء.
بادر الى ترسيم حدود واضحة بين الحق في النقد والاعتراض ومواجهة السياسات السعودية وصولاً الى القتال في سوريا، وبين عدم جواز تهديد استقرار الساحة اللبنانية وأمنها مع ما يتطلبه ذلك من «رقابة ذاتية» تمنع تجاوز المحرّمات واستباحة الكرامات، لاسيما عندما يتعلق الأمر بخصوصيات أو مقدّسات الآخرين.
ابدى نصرالله حرصاً على مواصلة الحوار الثئائي مع «تيار المستقبل» انما من غير استجدائه.. رفض قلب الطاولة مؤكداً الرغبة في استمرار الجلوس اليها، شدد على ضرورة حماية الحكومة، اعترض بشدة على استعمال اسلوب السبّ والشتم، وأكثر من ذلك دعا الى عدم استخدام الشارع في هذه المرحلة، حتى ولو من باب الاحتجاج السلمي والحضاري.
هي شبكة أمان متكاملة، تتقاطع مع حصيلة الاجتماع الذي عقد، أمس الاول، في عين التينة، بين الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري.
ولأن هذه الشبكة تحتاج الى صيانة مستمرة، فقد كان نصرالله مباشراً في مخاطبة المحازبين والمناصرين على حد سواء. حمّلهم مسؤولية منع او احتواء أي خلل مستقبلي على مستوى السلوك في الشارع، والخطاب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، رافضاً أي نوع من انواع المغامرات الانفعالية والاجتهادات الشخصية في اتخاذ قرارات قد ترتب تبعات لا تُحمد عقباها، من نوع إحداث فتنة مذهبية.

بهذا المعنى، كانت معادلة «السيد» واضحة: قرار ادارة الشارع لنا.. ولا مجال للقبول بأي عبث في هذا المجال.
وفي مقابل رسائل الطمأنة الموجهة الى اللبنانيين، وجّه نصرالله رسائل شديدة اللهجة الى الرياض، فاصلا بين مقتضيات المحافظة على السلم الأهلي، وخيار الحزب في المضي حتى النهاية في مواجهة العاصفة السعودية. بل هو ذهب الى حد القول إن الخطاب الشهير الذي القاه مع مطلع الحرب السعودية على اليمن كان الأفضل في حياته.
ولعل نصرالله أراد من خلال إعادة انتاج أدبيات الصراع مع المملكة، في خطابه أمس، إبلاغ من يهمّه الأمر في الداخل والخارج ان الحزب ليس في وارد الخضوع للابتزاز او التراجع تحت الضغط. لكنه في الوقت ذاته، دعا السعودية الى خوض المعركة وجهاً لوجه، وعدم تدفيع الدولة اللبنانية او المغتربين ثمنها، مبدياً الاستعداد لتحمّل كلفة هذه المعركة مهما ارتفعت.
وقال نصرالله في الخطاب الذي القاه عبر شاشة «المنار» أمس إن «البعض يفترض أن «حزب الله» مضغوط ويريد قلب الطاولة، لكن اقول للعدو حتى ييأس وللخصم كي لا يخطئ والصديق كي لا يقلق، بأننا في وضع افضل على الصعيدين المحلي والاقليمي».
وأصرَّ على الحفاظ على الهدوء والطمانينة والسلم في لبنان، نافياً اي تحضير لـ7 أيار او لقمصان سود، او لأي توتير، مشدداً على انه لا مشكلة أمنية في لبنان ولا مؤشر للصدام.
وتمنى وقف القتال في سوريا واستمرار الهدنة والذهاب الى حل سياسي، ولكن تركيا واسرائيل لا تريدانه وربما اميركا. ودعا «برغم كل ما يجري بيننا وبين السعودية» الى تحييد لبنان.
وتابع: نحن لا ننوي الاستقالة من الحكومة، والبقاء فيها مصلحة وطنية. وأكد استمرار الحوار مع «المستقبل» وإن كنا لا نريد أن يمنّ علينا أحد به، ولا أن نمنَّ نحن على سوانا.
واعتبر أن «قطع الطرقات لا يكون إلا على الناس، هذا الاسلوب غير صحيح وغير مناسب». وطالب بردود افعال محسوبة حتى لا نبدو كأننا نطلق الرصاص على انفسنا «وأنا انهيكم عن النزول الى الشارع مهما حصل في الاعلام، ويجب ان نفتش عن ردود فعل حضارية تخدم اهدافنا لا اهداف العدو»، مشيرا الى ان اسرائيل وبعض الجهات في المنطقة، وخصوصاً السعودية، تريد الفتنة.
وشدد على ان الاساءة الى بعض الرموز الدينية خطيئة تؤذي المقاومة ووحدة المسلمين وصوابية المعركة.
وأشار الى ان السعودية غاضبة على «حزب الله» وهذا الموضوع ليس جديدا، لافتا الانتباه الى ان السيارات المفخخة التي انفجرت في لبنان كانت تدار من السعودية.
وتابع: لم يكن بإمكاننا السكوت عن المجازر في اليمن، وسنتابع الحديث عنها ولن نسكت. هذه هي جريمتنا، ولكنها جريمة نفتخر بها. وتساءل: هل يحق للسعودية ان تعاقب لبنان وجيشه وشعبه والمقيمين في الخليج على اساس ان حزبا اتخذ موقفا ضدها. هل العروبة والاسلام يجيزان طرد ضيوفها؟ ورأى انه «يمكنكم ان تفعلوا بنا ما ترونه لكن لا يحق لكم معاقبة اللبنانيين».

بري ـ الحريري
وفي سياق مكمّل لتطمينات نصرالله، أكدت مصادر مطلعة على اجواء لقاء عين التينة بين الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري أن النتائج التي انتهى اليها النقاش كانت إيجابية، وفي طليعتها إعادة تثبيت الحوار بين «حزب الله» و «تيار المستقبل»، بنصابه الكامل، بعدما كانت الجلسة السابقة مختصرة في الحضور.
وأوضحت المصادر ان الجولة المقبلة من الحوار ستعقد في 16آذار الحالي، من دون أي تعديل في جدول الاعمال الذي يشمل رئاسة الجمهورية وتفعيل الحكومة والتخفيف من الاحتقان وكل ما يمكن ان يستجد او يطرحه أي من أطراف الحوار.
وأكدت المصادر انه تم التشديد خلال لقاء بري ـ الحريري على وجوب ضبط الشارع، ورفض الانجرار الى الفتنة، لافتة الانتباه الى ان بري أبدى اثناء الاجتماع انزعاجه الشديد من العراضات التي حصلت في الشارع من قبل بعض «الزعران»، مؤكداً ان هؤلاء لا ينتمون الى أي جهة حزبية ولا يوجد أي غطاء لهم.
وأشارت المصادر الى انه تم في لقاء عين التينة التركيز على ضرورة استكمال الاجراءات الأمنية والحزبية التي كان قد بوشر فيها، مع بداية الحوار الثنائي، للحد من المظاهر الاستفزازية وتخفيض منسوب الاحتقان المذهبي، سواء في بيروت او في المناطق.
وتلقى بري امس اتصالاً هاتفياً من السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري الذي أبلغه انه كان بصدد زيارته، لولا عارض «ديسك» أصابه، مثنياً على الجهود التي يبذلها رئيس المجلس للتهدئة.
الى ذلك، أكد الحريري بعد لقائه الرئيس تمام سلام أمس «المشاركة في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية المقررة اليوم، لنؤكد حضورنا، لأن انتخاب الرئيس بالنسبة الينا هو مفتاح المعالجة لكل المشكلات التي نواجهها»، داعيا جميع «النواب للنزول الى المجلس وتأدية واجبهم الدستوري».
وأضاف: قد لا يشارك الوزير سليمان فرنجية وهذا شأنه وأقول له أفضل ان تكون موجوداً لأننا سننزل الى البرلمان من أجله.
وأضاف: لقد اصدرنا مع الرئيس بري بياناً يرفض ما حصل خلال اليومين الماضيين. لو أن تظاهرة سلمية وحضارية حصلت لكانت قد رفعت شأن المطالب. اما احراق الدواليب واقفال الطرقات فليس شكلا صحيحاً اضافة الى النعرات التي حدثت والكلام المسيء الى الاسلام ولنا ولكل الناس. ان شاء الله نطوي هذه الصفحة لنكمل مسيرتنا.
ورداً على سؤال عن مستقبل الحوار مع «حزب الله»، أجاب: سنكمل.