مفاجأة مدوية فعلا، أن يحقق الرئيس باراك أوباما انتصاراً دبلوماسياً جديداً، وأن يكسب رهانه على أن الاتفاق النووي مع إيران سيشكل رافعة مهمة للتيار المعتدل والاصلاحي في إيران، ويخالف معظم التقديرات، حتى الاميركية منها، التي كانت تتكهن بان التيار الايراني المحافظ بقيادة المرشد علي خامنئي ورعاية الحرس الثوري سيسحق الرئيس حسن روحاني والجناح الذي ينتمي اليه، في انتخابات مجلسي الشورى والخبراء، وسيرسل جميع الذين فاوضوا الاميركيين في فيينا الى منازلهم، او ربما الى السجون بذريعة خيانة الثورة والسماح بأول وأهم اختراق غربي للنظام الايراني.
حصل تماما ما توقعه أوباما وعدد صغير من مستشاريه الذين مضوا قدما بتصميم استثنائي نحو الاتفاق النووي مع ايران، في مواجهة ضارية مع الرأي العام والكونغرس الاميركي ومع اسرائيل وبعض الاوروبيين الغربيين ومعظم العرب: أسفرت نتائج الانتخابات الايرانية الاخيرة عن تحول جذري في موازين القوى بين تيارات النظام، ومن داخل النظام طبعاً، يستجيب لاولئك الشبان والشابات الايرانيين الذين خرجوا الى مطار طهران للترحيب بعودة الوفد المفاوض مع اميركا او الذين ساروا في الشوارع الشمالية للعاصمة الايرانية، إحتفاءً بالانجاز الجديد الذي طال إنتظاره في العلاقات مع الشيطان الاكبر.
لن يكون بامكان أوباما ان يستثمر هذا الانجاز الجديد، الذي سيضاف الى سجله التاريخي في تحقيق المصالحة مع ألد الاعداء وأشد الخصوم ، وعلى رأسهم كوبا. لكن، في المقابل، يبدو أن إيران تتجاوب الان ولو بحذر وتردد مع الدعوة الاميركية الغربية لمغادرة عزلتها السابقة والالتحاق بالمنظومة الدولية وجدول أعمالها، وتستعد للاستثمار في الاتفاق النووي الذي فتح لها الآفاق السياسية الواسعة، في الداخل والخارج.
نتائج الانتخابات مذهلة. عودة داهية إيران هاشمي رفسنجاني الى الصدارة ( متمتعاً بالغالبية الساحقة في مجلس الخبراء والغالبية البسيطة في مجلس الشورى) ليست تفصيلاً عابراً في السياسة الإيرانية، او إنتقاماً متأخرًا ( حسبما يقال) من خامنئي الذي طعنه اكثر من مرة في الظهر. ثمة تيار شعبي وسطي معتدل، لم يعد يحتمل المحافظين، ولم يعد يصبر على الاصلاحيين. وما الهزيمة المنكرة لرجال دين مثل محمد تقي مصباح يزدي او أحمد جنتي او أحمد خاتمي او محمد يزدي سوى مفخرة لايران ومكسب للامة الاسلامية في كل مكان.
لأنه مكيافللي ايران، ربما لن يرشح رفسنجاني نفسه لخلافة خامنئي لكن المؤكد او المرشد المقبل سيكون من صنعه، وكذا الامر بالنسبة الى قيادة بقية مؤسسات السلطة الايرانية، التي لن يكون أمامها سوى التسليم ب”إرادة الشعب”حسب تعبير رفسنجاني فور إعلان النتائج، او اللجوء الى سيناريو العام 2009 عندما فاز الاصلاحيون بالانتخابات الرئاسية فوضعوا في الاقامة الجبرية، وما زالوا فيها حتى اليوم. وهو إحتمال وارد دائماً.
عودة رفسنجاني لن تكون شأناً داخلياً إيرانياً. فالرجل والفريق والتيار، يمثل مدرسة مختلفة تماما عن تلك التي حكمت إيران في العقد الماضي: المصالحة مع الغرب خيار إستراتيجي لا مفر منه، اعتمد منذ نهاية الحرب مع العراق في العام 1988 وما زال صالحاً حتي اليوم. والتفاهم مع العرب قرار لا جدال فيه. وقد عبر بعض رموز “التيار الرفسنجاني” اذا جاز التعبير، عن الحرج بل والاحتجاج عندما كان رجال خامنئي يعلنون في العام بالماضي بالتحديد عن ظهور الامبراطورية الايرانية التي تشمل حواضرها بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء..
إذا تمكن رفسنجاني من استثمار نصره الانتخابي المفاجىء فان زيارته الرسمية الاولى، كمرشد او كمرجع او كصانع مراجع في إيران، ستكون بلا شك الى السعودية التي يحفظ لها الاهمية ويحتفظ فيها بالكثير من العلاقات والذكريات الودية. عندها يمكن ان تظهر العلامة الاولى على الرغبة المتبادلة في وقف المواجهة المذهبية الممتدة على مساحة العالم الاسلامي، وتفكيك جبهات الاشتباك في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن، وانهاء المغامرات الايرانية الجنونية والمكلفة في تلك البلدان.
أن ينجح رفسنجاني يعني ان تعقل الدولة الشيعية الأم، وأن يتعقل شيعة العراق، وأن يسلّم علويو سوريا، وأن يتواضع حوثيو اليمن، وأن يهدأ شيعة لبنان أخيراً..وعندها يمكن أن تتحلل معظم عناصر الخطاب المذهبي المجنون للسنّة.