ينقل عن لسان الرئيس السابق للجمهورية الإيرانية السيد محمد خاتمي أنّه قال: لقد كنت رئيساً للجمهورية لمدة ثماني سنوات إلاّ أنني لم أحكم يوماً واحداً. لعلّ هذه المقولة وبغضّ النظر عن صحتها أوعدمه إلاّ أنّها تلخص بشكل كبير وواقعي حقيقة أليات الحكم والامساك بالسلطة في إيران، مع ملاحظة أنّ السيد خاتمي وصل إلى رئاسة الجمهورية بتأييد شعبي واسع لم ينله أحدٌ من الرؤساء السابقين عليه أو اللاحقين بعده حتى الآن.
لا شكّ أنّه ومن حيث الشكل، فإنّ عملية انتخابية بكامل صورها تجري بإيران كل فترة ، فصناديق الإقتراع تنصب في مراكزها المحدد، ويتنافس مرشحون مفترضون على مقاعد نيابية بأعداد هي أكثر من المطلوب طبعاً، وينزل جموع غفيرة من الشعب الإيراني ليدلي بصوته، وتمتلىء بعد ذلك الصناديق ليصار إلى فرز الأوراق منها وتصدر النتائج وتعلن إلى الملأ ويفوز قوم ويخسر آخرون. كل هذه المشهدية الديمقراطية الجميلة تحصل حتماً بأروع تفاصيلها ولا يستطيع أن ينكرها إلاّ جاحد أو كاره لإيران يجافي الحق والحقيقة.
يبقى السؤال الأكبر هو هل هذه العملية الميكانيكية المتكاملة في ممارسة الديمقراطية والتي تجري بشكل منتظم ودوري تؤتي أكلها المرجوَ على مستوى مشاركة الشعب الإيراني في تكوين السلطة الفعلية ونظرة الحكم وطريقة حياته وخياراته في تحديد سياسات البلاد؟ للإجابة عن هذا السؤال علينا أولاً أن نعرف طبيعة النظام الإيراني ومن بيده ناصية الحكم الفعلي والذي يمتلك السلطة الحقيقية إن كان مستنداً بذلك إلى تأييد جماهيري أو حتى إلى أجهزة مخابراتية تحكم بالحديد والنار كما هي الحال في معظم الأنظمة الديكتاتورية أو أنّه يستند إلى مواد دستورية تعطيه صلاحيات مطلقة قد لا نجدها حتى في الأنظمة الملكية. يكفي هنا أن نلقي نظرة سريعة على المادة 110 من الدستور الإيراني المعمول به بعد قيام الثورة والتي تنص على مهام المرشد وصلاحياته وجاء فيها "أنّ المرشد الأعلى مسؤول عن تعيين السياسات الأعلى للجمهورية، والإشراف على أدائها، وحل مشاكل النظام ..
وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة والمسؤول عن إعلان الحرب والسلم ... وهو المسؤول عن تعيين وعزل القائد الأعلى لقوات حرس الثورة الإسلامية والقيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي ..... كما وأنّه مسؤول عن مناصب: فقهاء مجلس صيانة الدستور، ورئيس القضاء الأعلى ورئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون ... كما ويعتبر الرئيس الإيراني المنتخب مسؤولاً أمام المرشد الأعلى فهو المعني بالإمضاء على حكمه أو عزله ..... " إنّ ما ينص عليه الدستور من خلال هذه المادة وغيرها من المواد، يظهر بشكل لا مجال معه للنقاش بأنّ الحاكم الفعلي والممسك بكل السلطات إنّما هو المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي، هذا من حيث النص الدستوري ويضاف إليها صلاحيات أوسع بكثير عند من يؤمنون بنظرية ولاية الفقيه التي تجعل من المرشد نائباً للإمام المعصوم وله ما للنبي بلا أيّ نقصان من الأمر والنهي.
كل ذلك يأخذنا للقول إن كل ما يُحكى عن ديمقراطية إيرانية وتداول سلطة وقرار للشعب وإصلاحيين ومتشددين ( كاظم جلالي الذي طالب بإعدام كروبي وموسوي يصبح إصلاحي على لائحة الأمل)، لا يعدو أكثر من ترف هو أقرب ما يكون للمزح منه إلى الجد، وبالتالي فإنّ كل ما يكتب من مقالات وتحليلات وقراءات عن نتائج الإنتخابات وتأثيراتها ما هي إلا تحليلات رغبوية ليس لها من الواقع أيّ نصيب تماما كالحديث عن الإنتخابات النيابية في لبنان تحت ظلّ قانون انتخابي تضعه الزمرة الحاكمة منذ عقود والذي لا يفرق البتة عن التمديد الذي نحن فيه .